البهائيون.. كبش فداء لنزاع يمزق اليمن السعيد

  تعيد بلاد اليمن السعيد، في هذا الزمن العصيب من الإنتقال المتعثر للديمقراطية، سيرة الاضطهادات…

 

تعيد بلاد اليمن السعيد، في هذا الزمن العصيب من الإنتقال المتعثر للديمقراطية، سيرة الاضطهادات المتعاقبة للبهائيين التي شهدها القرن العشرون وماتلاه، فقد تعيّن على أتباع الدين البهائي، أن يكونوا كبش فداء دائم لكل نزاع جديد تشهده بلدان الشرق الأوسط منذ فترة التحرر من الأستعمار.

 

في المغرب 1962 حكم عليهم بالأعدام بسبب عقيدتهم، وفي مصر جمال عبد الناصر صدر قرار بحظر عقيدتهم وزجت بهم السلطات في السجن ست مرات متتالية منذ بداية الستينيات، أما في العراق فقد حظرت ديانتهم في عام 1970 ودخلوا في السجن منذ عام 1974.

 

وبلاد اليمن السعيد تنزلق الى مزيد من التفتّت منذ فشل خريطة العملية الانتقالية منذ عام 2011 وطغيان الاقتتال الداخلي بعد فشل مؤتمر الحوار الوطني في التوصل الى توافق حول تقاسم السلطة وبنية الدولة ما أجهض أمكانيات الأستقرار في بلد عرف تاريخيا بعدم الاستقرار خلال العقود الماضية.

 

أضيفت تعقيدات جديدة الى المشهد بعد بروز الحوثيين (الحركة الزيدية الشيعية الإحيائية) وتحولها الى ذراع عسكري وتحالفها مع عدو الأمس (الرئيس علي عبد الله صالح)، ضد حزمة اعدائه المناهضين له منذ انتفاضة 2011 مثل حزب الإصلاح الإسلامي السني، وعائلة الأحمر ذات النفوذ واللواء علي محسن الأحمر.

 

وحين استولى الحوثيون على صنعاء، مستغلين موجة من الاستياء الشعبي ضد حكومة الرئيس هادي في أيلول سبتمبر 2014، حاولوا توسيع سلطتهم بالقوة على سائر أنحاء البلاد، ثم سرعان ما أصبحت اليمن مرآة لصدام طائفي إقليمي ففي آذار مارس 2015 تدخلت الجارة الكبيرة (المملكة العربية السعودية) عسكريا وتحت مظلة دولية، بهدف إعادة ترتيب اوراق الصراع الداخلي، في مناهضة الحوثيين، لتشكل تحالفا من تسع دول عربية، وتلقت دعما حذرا من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة وفرنسا.

 

احتفال أطفال البهائيين في اليمن بعيد الرضوان (العالم الجديد)
احتفال أطفال البهائيين في اليمن بعيد الرضوان (العالم الجديد)

 

ومن مخرجات التدخل هو تعقيد الوضع المعقد بالأصل، حيث كان من نتائج هذا النزاع المستفحل، إضعاف خيارات السلام، اضافة الى ما هو أخطر، وهو الانتشار الذي يصعب ضبطه للمجموعات الجهادية مثل الفرع اليمني لكل من القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

 

وكان من نتائج هذا الصراع والفوضى المستحكمة البطش بأقلية دينية مسالمة، فالبهائيون الذين لم يتورطوا في النزاع وكرسوا جهودهم التطوعية لخدمة افراد المجتمع المدني سرعان ما وقعوا على خط النار. ففي مثل هذه النزاعات يعد الحياد خطرا، والدعوة للسلام تهديدا لأمراء الحروب، أما خدمة الناس كافة، فتتحدى الحس الحصري والطائفي لبنية اجتماعية تشهد استقطابا متزايدا بين “نحن” و”هم”.

 

وأكدت نشرة الاخبار البهائية العالمية الصادرة عن الجامعة البهائية العالمية هذا الواقع، بملاحظتها التالية “خلال الاضطرابات والصراعات الداخلية التي شهدتها اليمن في السنوات الأخيرة، رفض البهائيون اليمنيون الانجراف في الخلافات والصراعات، وعوضا عن ذلك سعوا في خدمة كافة أبناء المجتمع اليمني مولين اهتماما خاصا بالأجيال الشابة الحريصة على توجيه طاقاتها من أجل إعادة بناء المجتمع واحيائه”.

 

مع أن التاريخ المعاصر لاضطهاد البهائيين يعود الى زمن سابق للأضطرابات الحالية، إذ انه في عام 2008 تعرَّضوا لاعتقالات من قبل الاجهزة الأمنية، شملت عدداً من البهائيين اليمنيين والمقيمين، وانتهت الحملة بترحيل عدد من المقيمين مع عائلاتهم.

 

لكن مع التحولات التي شهدها اليمن منذ عام 2011، بدأ الاضطهاد يتخذ شكلا منهجيا، فقد حمل عام 2013 الظاهرة الأبرز لإعتقال”حامد بن حيدرة” الذي اصبح خلال اعوام اعتقاله، الشخصية البهائية الأبرز في اليمن، والذي عملت السلطة على تعطيل محاكمته من خلال التأجيل بصفة مستمرة من دون أن توجه إليه تهمة واضحة، كما أصرت على حرمانه من علاج الإصابات ومضاعفات التعذيب الذي تعرض له.

 

بديع الله سنائي احد المعتقلين البهائيين (العالم الجديد)
بديع الله سنائي احد المعتقلين البهائيين (العالم الجديد)

 

في عام 2016 تحول الاعتقال الفردي الى عملية اعتقال جماعية، فقد داهمت عناصر مسلحة من “جهاز الأمن القومي”، أي وكالة المخابرات اليمنية، في 10 آب أغسطس 2016 ورشة عمل شبابية لبهائيين، واعتقلت 65 رجلا وامرأة، بينهم أطفال لم يتجاوزوا الخامسة عشرة من أعمارهم. وإغلاق المؤسسات المدنية ذات الصلة بالبهائيين، والعاملة في اطار تعزيز التعايش السلمي في اليمن مثل (مؤسسة نداء للتعايش والبناء) و(مؤسسة التميز)، وهما مؤسستان مرخصتان تعملان منذ سنوات عدة، بمشاركة مختلف مكونات المجتمع اليمني من أجل تعزيز التعايش والمصالحة الوطنية ونبذ التعصب والعنف.

 

وحسب ما جاء في نشرة الأخبار البهائية. في “مساء الإثنين 17 أبريل الجاري تلقى العشرات من البهائيين مكالمات هاتفية بين العاشرة والنصف مساء وحتى منتصف الليل، تطالبهم بالحضور صباح اليوم التالي والمثول أمام المحكمة. هذه المكالمات جاءت مباشرة قبيل صدور الأوامر باعتقالهم. نظرا لمعرفة البهائيين بالمساعي المبيّتة لاضطهادهم وعدم استلامهم أي استدعاء قضائي رسمي قرر البهائيون انتداب عدد من المحامين عنهم”.

 

ويضيف الخبر أن “أحد البهائيين، المهندس/ بديع الله سنائي، وهو شخصية بارزة في اليمن راجع المحكمة صباح اليوم التالي 18 أبريل بناء على نصيحة وجهت له في مقر عمله. وفور وصوله تم اعتقاله ليتأكد بذلك أن مطالبة البهائيين بالحضور كانت مجرد حيلة لاعتقالهم”. كما يوضح البيان أمه “في 19 أبريل تم اعتقال اثنين آخرين من البهائيين أحدهما الشيخ وليد عياش إحدى الشخصيات القبلية المرموقة في اليمن. حيث تم اعتقاله من قبل السلطات وهو في طريقه من مدينة إب إلى الحديدة. ولا توجد معلومات حتى الساعة حول مكان تواجدهما، فيما تتزايد المخاوف بشأن سلامتهما”.

 

ودعت السيدة باني دوجال ممثلة الجامعة البهائية العالمية بالأمم المتحدة المجتمع الدولي في تصريح لها الى شجب “هذه الأحداث والإجراءات المقلقة والمنذرة بالخطر والتي تقف خلفها سلطات بعينها داخل اليمن من بينها الأمن القومي ومكتب المدعي العام، ونطالب بإيقاف حملة الاعتقالات الحالية وإطلاق سراح المعتقلين البهائيين الذين يواجهون خطرا محدقا”.

 

مثل هذه الانتهاكات التي يتعرض لهت أفراد الأقلية البهائية في اليمن تجعل صورة المستقبل القريب في اليمن السعيد قاتمة، وتضعف الثقة في قدرة أطراف النزاع على الخروج بالبلاد من محنتها الحالية. لقد دمر النزاع الأهلي والتدخل الأقليمي بنية البلاد التحتية الضعيفة أصلاً، وفتح بابا واسعا للتنظيمات الارهابية مثل القاعدة في شبه جزيرة العرب وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) للتوسع. وحل مثل هذا النزاع لا يمكن أن يسهله البطش بأقلية تدعو للسلام وسط تفاقم حدة الانقسامات السياسية الداخلية، والانقسامات الإقليمية والطائفية التي تفتت الشرق الأوسط.

 

لقد دمرت الحرب الاهلية بلاد اليمن السعيد إلى درجة تتطلب جهدا مضاعفا وموارد كبيرة من المجتمع الدولي وإرادات سياسية اقليمية ودولية متفقة على العودة الى مرحلة الاستقرار، وهو أمر ليس باليسير في ظل صراع المصالح الاقليمي والدولي الراهن.

 

الشيخ وليد عياش أحد المعتقلين البهائيين (العالم الجديد)
الشيخ وليد عياش أحد المعتقلين البهائيين (العالم الجديد)

 

يوغل البطش بالابرياء من البهائيين وبعث الانقسامات المتزايدة والتوظيف السياسي للدين واضطهاد الابرياء من دعاة السلام وخدمة الانسانية الى تدمير اليمن روحيا وإنسانيا على نحو يصعب إعادة بنائه، ومن دون الوقوف في وجه هذه الانتهاكات سوف تستمر اليمن بالانزلاق إلى حالة من التفتت والانقسام والعنف الطائفي، ومن ورائها بلدان الشرق الأوسط جميعا.

 

وبما أن الطريق نحو سلام دائم سيكون دائما صعباً وشاقاً. لذا، فلن يجد صناع السلام في بلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا الا التكاتف معا في سبيل إنهاء محنة البهائيين في اليمن.

 

 

الترجمة العربية لنص الخبر الصادر عن الجامعة البهائية العالمية:

 

موجة الاعتقالات في اليمن تنذر بعواقب وخيمة

 

نيويورك – أصدرت سلطات مسئولة في صنعاء أوامر باعتقال ما لا يقل عن 25 بهائيا ضمن حملة اضطهاد وقمع يتعرض لها البهائيون تستهدف إرغامهم على ترك دينهم.

 

وقد تضمنت الاتهامات الواهية الموجهة ضد البهائيين تخلقهم بمكارم الأخلاق والسلوك القويم بهدف جذب الناس إلى دينهم.  إن هذه الاتهامات الفاقدة للمعنى تشبه إلى حد بعيد تلك التي توجه ضد البهائيون في إيران؛ حيث تشير التقارير إلى الدور المؤثر للسلطات الإيرانية فيما يتعرض له البهائيون في اليمن.

 

وتشكل الأحداث الأخيرة تطورات مثيرة للقلق ضمن سلسلة الاضطهادات والاعتداءات التي يتعرّض لها البهائيون اليمنيون، والتي تتضمن: اعتقال المواطن حامد بن حيدرة منذ عام 2013م ومحاكمته التي تتأجل بصورة مستمرة، بالإضافة إلى حملة الاعتقالات الواسعة والتي طالت أكثر من 60 مشاركا ومشاركة في فعالية تعليمية في عام 2016 نصفهم من البهائيين، من بين المعتقلين السيد/ كيوان القادري المحتجز في السجن منذ أكثر من ثمانية أشهر. كما أنه قبل أسابيع وفي الخامس من أبريل تم اعتقال بهائي يعمل في الصليب الأحمر بصنعاء لمجرد كونه بهائيا.

 

احتفال أطفال البهائيين في اليمن بعيد الرضوان (العالم الجديد)
احتفال أطفال البهائيين في اليمن بعيد الرضوان (العالم الجديد)

 

“إننا ندعو المجتمع الدولي أجمع أن يشجب هذه الأحداث والإجراءات المقلقة والمنذرة بالخطر والتي تقف خلفها سلطات بعينها داخل اليمن من بينها الأمن القومي ومكتب المدعي العام، ونطالب بإيقاف حملة الاعتقالات الحالية وإطلاق سراح المعتقلين البهائيين الذين يواجهون خطرا محدقا”. جاء ذلك في تصريح للسيدة باني دوجال ممثلة الجامعة البهائية العالمية بالأمم المتحدة.

 

وقد أهابت دوجال بالمجتمع الدولي في نداء قوي: “لا ينبغي أن نقف مكتوفي الأيدي فنسمح لحالة الاستبداد والظلم أن تتسع وتنتشر ضد جماعة دينية”. مساء الإثنين 17 أبريل تلقى العشرات من البهائيين مكالمات هاتفية بين العاشرة والنصف مساء وحتى منتصف الليل، تطالبهم بالحضور صباح اليوم التالي والمثول أمام المحكمة. هذه المكالمات جاءت مباشرة قبيل صدور الأوامر باعتقالهم. نظرا لمعرفة البهائيين بالمساعي المبيّتة لاضطهادهم وعدم استلامهم أي استدعاء قضائي رسمي قرر البهائيون انتداب عدد من المحامين عنهم.

 

إلاّ أنّ أحد البهائيين، المهندس/ بديع الله سنائي ، وهو شخصية بارزة في اليمن راجع المحكمة صباح اليوم التالي 18 أبريل بناء على نصيحة وجهت له في مقر عمله. وفور وصوله تم اعتقاله ليتأكد بذلك أن مطالبة البهائيين بالحضور كانت مجرد حيلة لاعتقالهم.

 

وفي 19 نيسان أبريل تم اعتقال اثنين آخرين من البهائيين أحدهما الشيخ وليد عياش إحدى الشخصيات القبلية المرموقة في اليمن. حيث تم اعتقاله من قبل السلطات وهو في طريقه من مدينة إب إلى الحديدة. ولا توجد معلومات حتى الساعة حول مكان تواجدهما، فيما تتزايد المخاوف بشأن سلامتهما. العديد من العائلات البهائية أجبرت على ترك منازلها لتجنب الاعتقالات التعسفية. من بين هؤلاء زوجة المعتقل البهائي حامد بن حيدرة والتي تكافح منذ أكثر من 3 سنوات لإطلاق سراحه فيما تقوم برعاية وإعالة بناتها الثلاث؛ اليوم هي أيضا على قائمة الاعتقال.

 

خلال الاضطرابات والصراعات الداخلية التي شهدتها اليمن في السنوات الأخيرة، رفض البهائيون اليمنيون الانجراف في الخلافات والصراعات وعوضا عن ذلك سعوا في خدمة كافة أبناء المجتمع اليمني مولين اهتماما خاصا بالأجيال الشابة الحريصة على توجيه طاقاتها من أجل إعادة بناء المجتمع واحيائه.

 

العديد من القيادات اليمنية والشخصيات البارزة من مختلف الأطياف والانتماءات عبروا عن تعاطفهم مع البهائيين. حتى من بين الحوثيين الحاكمين في صنعاء والذين تحدث الاضطهادات والاعتقالات في مناطق سيطرتهم ظهرت أصوات لمسؤولين من بينهم أحد الوزراء أعربت عن عدم رضائها من الاضطهاد المستمر للبهائيين، والبعض منهم أدان تلك التصرفات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

 

وأكدت السيدة باني دوغال: “نحن واثقون من دعم العديد من ذوي العقول النيّرة والمنصفة من اليمنيين من مختلف الاطياف والانتماءات ممن يُسَلّمون بحق المجتمع البهائي أن يعيش جنبا إلى جنب مع سائر مكونات المجتمع اليمني وأن يساهم في تطوره، خاصة خلال الأوقات العصيبة التي يمرّ فيها بلدهم”.

 

 

سعد سلوم: باحث عراقي

إقرأ أيضا