التجربة الفرنسية

في غابة ((بولون)) الباريسية الجميلة التي تعتبر إحدى جنينات مدينة النور تنتشر مجموعة من بائعات الهوى اللائي يعرضن أجسادهن لمن يبحث عن ضالته ليحصلن على المال للعيش في هذا العالم القاسي لا سيما وأنهن مهاجرات من دول دفعتهن ظروف الحياة الصعبة و فساد الحكومات وانتهاك حقوق الإنسان للهجرة وامتهان هذه المهنة الوضيعة .  

لم ترغب الحكومة الفرنسية بهذا الوضع, وللحد من هذه الظاهرة قامت بتشريع قانون ذكي فرضت فيه غرامة مالية كبيرة على الرجل الذي يرتاد هذا المكان لممارسة البغاء, أما هن, فقد أعطين الفرصة للاندماج بالمجتمع بمنحهن فرصا للعمل و شمولهن بقانون الرعاية الاجتماعية الذي يوفر لهن حياة حرة كريمة ومعاملتهن معاملة المواطن الفرنسي.  

عندما يجتمع التفكير المنطقي مع الإرادة في بناء المجتمعات بشكل سليم والمساهمة الصحيحة في حل المشاكل مهما كان حجمها فسوف يصار إلى تحقيق الأهداف المنشودة التي تخدم كل فئات المجتمع مهما كانت طبيعة تلك الفئة حتى ولو كانت تلك الفئة هي الفئة الأكثر انحطاطا في المجتمع وتقبع في خانة الرفض المجتمعي, فكيف إذا كانت تلك الفئة هي الفئة الأعلى في المجتمع؟ فئة المعلمين بمختلف صنوفهم واختصاصاتهم؟   ففي كل المجتمعات المتحضرة والمتمدنة تعمل الحكومات على دعم المعلمين بمختلف طبقاتهم. من التعليم الأولي إلى الجامعي موفرة لهم كل وسائل الدعم لتجعلهم الفئة الأكثر رفاهية في المجتمع لأنهم ببساطة صناع المستقبل, ففي اليابان يعتبر راتب المعلم الأعلى من بين باقي الوظائف وفي الدول الأوربية تمنحه الحكومات امتيازات لا تمنحها لغيره, يقال أن القضاة الألمان اعترضوا على ارتفاع رواتب المعلمين عن رواتبهم فأجابتهم العمة ميركل ((كيف أساويكم بمن علمكم))؟؟  

هل لقادتنا ومشرعي القوانين في بلدنا أمل في التعلم من التجارب التي توفر الحياة الكريمة حتى للعاهرات؟ وهل ستبقى الدولة تلاحق المعلم وتحاصره في زوايا لا تقل سوءا عن زوايا العيش الأخرى التي تنغص حياته اليومية ؟ وهل ستستمر في إذلاله بالتفنن في إصدار القوانين التعسفية بحقه لتحوله إلى متسول بعد تقاعده كما حصل مع الأستاذ الجامعي ؟   لا بد للحكومة العراقية الاستفادة من التجربة الفرنسية في توفير الحياة الحرة الكريمة للأساتذة الجامعيين لا محاربتهم في مصادر عيشهم وإذلالهم بعد تقاعدهم حتى وإن كانت تلك التجربة تخص العاهرات؟

أقرأ أيضا