نظرة من خارج الصندوق

يتقمص قادة داعش يوميا وبشكل متزايد أقذر أساليب الظلم والطغيان لدى أمن البعث. البغدادي ومساعدوه على خطى صدام حسين وحافظ الأسد اللذين تعلما من هتلر طاغية المانيا، وموسوليني طاغية إيطاليا، وستالين طاغية روسيا، وشاوشيسكو طاغية رومانيا..

 

داعش تنظيم هجين بين عقيدة السلفية الجهادية والمنهجية الإخوانية القطبية، اعتمد في الجانب التنظيمي على كتابات “محمد خليل الحكايمة أبو بكر ناجي، وكتابات مصطفى عبد القادر ست مريم – أبو مصعب السوري”.

 

وفي المجال العسكري والأمني والإداري اعتمد على كتابات “العقيد سمير الخليفاوي والمقدم فاضل الحيالي”. وفي الإعلام اعتمد على “الدكتور وائل”. واعتمد على اللامركزية في إدارة المناطق المحتلة. كل ذلك ساعده على تحديث الهيكل التنظيمي للقاعدة فرع العراق وإدخاله في عالمية الحركات والجماعات في مدة لم تتجاوز العامين!

 

كان على جميع الأطراف الإقليمية للعراق وسورية تجنب الوقوع في فوضى مدمرة ومتصاعدة، وأن يلتزموا بحل خلافاتهم من خلال الحوارات الدبلوماسية. ولكن أدى انعدام الثقة بين الدول الإقليمية الكبرى تركيا والسعودية من جانب وإيران من جانب آخر إلى فشل دعوات الحوار والتسوية في الداخل العراقي والسوري واليمني واللبناني والبحريني.

 

يعتمد قرار داعش بشأن ما سيفعله في الفترة المقبلة إلى حد ما على الدروس التي تعلمها من الهزائم الأخيرة ومن تحالفات القوى الدولية والإقليمية.

 

والسؤال المطروح هو ما إذا كان داعش سوف يعطي الأولوية للبدء من جديد في مرحلة الهجوم بدلا من الدفاع في الأنبار أو في غرب صلاح الدين، على حساب الدفاع عن سمعته التنظيمية التي بدأت تنهار؟!

 

وإذا سار الأمر على هذا النحو من المغامرة حينها هل يمتلك البغدادي وقادته بعد النظر الذي يسمح لهم بالاعتراف بأن توسعهم المفرط في التمدد ساعد في نهايتهم، وهو ما سيمهد الطريق أمام مشاركتهم في إعادة تعريف تنظيم داعش في العراق وسورية من تنظيم عسكري يقاتل بشكل ظاهر الى تنظيم أمني سري غادر.

 

ولكن بعد معارك تحرير مدن العراق لا يمكن اعتبار داعش كيانا متماسكا، بل يضم بعض الفصائل التي تسعى للتمرد والعودة الى تنظيم القاعدة، والتي تنفتح على الحوار والتعاون مع الجماعات الأخرى، وتحتوي أيضا على جماعات تكفيرية وضيقة الأفق.

 

القيادات الأجنبية في داعش تعاني من تهميش متزايد داخل التنظيم أثناء فترة الهزائم. في حين انشغل هؤلاء القادة في إدارة برامج الحسبة والتحقيقات وجمع الزكوات ومتابعة الشؤون الشرعية والقضاء وإقامة الحدود. كانت القيادات الأجنبية تعتقد نفسها أنها الحرس القديم ذو العقيدة السليمة، وبالتالي هي من يُحكِم قبضته على إدارة وقيادة القادة الجدد وتخصيص المناصب.

 

ومع تزايد خيبة أملهم في تسلط القادة الدواعش من أصول بعثية وضعفهم الفكري وباعتماد الأسلوب الإداري المستبد الذي اتسم به القادة الجدد، غادر بعض أكثر القيادات ديناميكية وحركية لينضموا لجبهة النصرة.

 

في الواقع، كما في التاريخ، تبدو غالبية القراءات للمعارك الساخنة معقدة ومختلطة وتحتاج جهدا ومشقة في محاولة فرزها وقراءتها، ولكن المتابع لدورة حياة التنظيمات المتطرّفة يعلم أنها تبدأ بنشاط التخادم مع العدو المخابراتي تحت عنوان “فقه المصلحة والمفسدة والأخذ بالرخص” ثم تمر بمرحلة الفتور ثم الفورة ثم الخصومة والانقسام على نفسها ثم شكل جديد يأكل تاريخ وحاضر التنظيمات الضعيفة!

 

وبغض النظر عن مدى تحسن كفاءة القوات النظامية في ما يخص استراتيجية القوات وتكتيكاتها، فإنها لا تستطيع النصر في الحرب بمفردها. يحتاج العراق إلى شركاء في معركة نينوى وغرب الأنبار ومعركة الحدود، من أجل تحقيق عمليات مشتركة قادرة على النصر على داعش ومنع إعادة بناء قاعدة إرهابية تمتد عالميا على أرض العراق تمولها تجارة تهريب النفط والآثار والإتاوات والمخدرات، وتهدد الدول المجاورة.

 

وبالنسبة للأمن الداخلي في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المركزية تكمن المشكلة في أن الحكومة وقواتها الأمنية ما زالت تواجه صعوبات كبرى في تنفيذ القانون على الجميع وليس هناك سيادة للقانون، فضلا عن فشل الحكومة في تعزيز التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل، ومكافحة الفساد.

 

يجب أن تكون هناك قيادة عسكرية موحدة تضم كل من يشارك في الحرب بالضد من داعش، لكي يستطيع التحالف الدولي التعامل مع الجميع بقيادة موحدة.

 

إذا كان قادة داعش يعتقدون أن التحالف الدولي الجديد “امريكا وروسيا وفرنسا” يهدد وجودهم، وإذا كانوا يعرفون أن الوضع السوري الراهن بممارساتهم المُستعِرة لن يخدمهم وإنما يخدم خصومهم من الفصائل السورية التي بدأت تفاوض مخابرات الدول الكبرى، فلماذا هذا الصمود في معركة خاسرة قطعا!

 

كان على داعش أن يدرك مبكرا أن تورطه في حرب العدو البعيد لن يخرجه رابحا، وأن تخادمه المخابراتي لن يستمر، وها هو الغرق قد بدأ منذ هزيمة بيجي وانسحاب سنجار وكويرس!

 

ستة أشهر تقريبا وداعش لم يحقق الأهداف التي خطط لها  في العراق، والتوسع في قتل المدنيين أظهر غياب الإستراتيجية، وفقدانه لأهم طرق الإمدادات والمخازن اللوجستية أظهر ضعف المهنية العسكرية. داعش بدأ يسلّم المدن الكبيرة بسبب خلوها من الأهالي وهروب الرجال والشباب من القتال بمعيته.

 

خسائر داعش في العراق تتضاعف اجتماعيا وعسكريا وماليا. الرمادي والكرمة والفتحة مشتعلة، ومناطق القائم والبغدادي وحديثة تلتهب، وكل محاولات داعش في جنوب كركوك فشلت، ومحاولاته للتقرب للكسك وژمار تم صدها!

 

علينا أن نرى الأيام المقبلة الانقسامات الكبيرة في البنية القيادية لداعش، فالمجتمعات السنية لا تقاتل كما يجب إذا اتخذت الفصائل الإرهابية مواقف متطرفة منها ومن وطنيتها، وكلما كانت المنطقة أكثر تنوعا تصبح أقل قدرة على الانسجام مع مواقف الجماعات المتطرفة.

 

المواطن السني في العراق وسورية المتعايش بالإكراه تحت سلطة داعش يواجه كابوسا إنسانيا بأبعاد لا تُوصف، فهو بين تهديد وقتل، ودروع بشرية، ومجاور لمخازن بأطنان المتفجرات والأسلحة السمية والمواد الكيماوية، وداعش يتمترس به.

وقد أجبرت هذه التطورات قوات “داعش” على معظم جبهات القتال في سورية والعراق على التحول إلى وضع دفاعي فقدت معه عنصر المبادرة التي كانت تعتمد عليها في ضرب أعدائها. وهو ما انعكس بتراجعها ميدانياً.

 

بلغت خسائر العراق وسورية وتركيا والأردن وإيران والخليج ومصر ولبنان وليبيا، خلال عام من الحرب على الإرهاب (٥٠٠+) مليار دولار والأكثر خسارة هما سورية والعراق.

 

أقرأ أيضا