الحلم التركي في “زيلكان”

ليس بالجديد الاجتياح التركي للأراضي العراقية والاستقرار بمنطقة بعشيقة التابعة لمحافظة نينوى التي تعد حالياً ضمن المناطق المحررة والخاضعة لسيطرة قوات البيشمركة التابعة لإقليم كردستان العراق، لأن تركيا تجتاح أراضي العراق منذ ثمانينيات القرن الماضي، بحجة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني “pkk”، كما تحتفظ بقواعد عسكرية في محافظة دهوك شمالي العراق، ومنها قاعدة (بامرني) التي يعرف عنها أنها كانت قاعدة ضمن مدرج كان يستخدمه رئيس النظام السابق في زيارته لقصوره بالمناطق السياحية القريبة منها.

 

وأن التوغل الأخير بهدف إنشاء قاعدة عسكرية بالقرب من مدينة “الموصل” التي تحت سيطرة عصابات “داعش” الارهابية، يراد منه المشاركة في تحريرها والسيطرة عليها وجعلها ولاية تابعة لتركيا، كما كان مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية يحلم بهذا التوجه التوسعي، الذي يشمل أيضاً ضم مدينة كركوك الغنية بالنفط.

 

لكن لم يخطر ببال تركيا العودة الى حلم مؤسسها، وجعل الموصل على طاولة ملفاتها الرئيسية، لانشغالها بأزماتها الحالية سواء الداخلية باستناف الحرب بين جيشها وقوات العمال الكردستاني ووجود معارضة برلمانية تقف بالضد من خطوات حزب العدالة والتنمية “الحاكم”، أو الأزمات الخارجية مع روسيا التي لا يعرف الى أين ستنتهي، أو تدخلها في سوريا ودعمها لفصائل معارضة للنظام السوري دون أخرى.

 

الغريب أن أسهم في إعادة تلك الأحلام الى بلاط السلاطين الجدد هم سياسيون محليون خسروا مناصبهم بسبب المنعطفات الخطيرة التي بلغتها الموصل بعد سقوطها بيد “داعش”، والخروج بخفي حنين، في محاولة لاستعادة نفوذهم وسلطتهم السابقة.

 

وهؤلاء الخاسرون لم يكتفوا بالمساهمة في إحياء الحلم التركي فقط، بل تواطأوا مع الحكومة التركية على رسم خارطة طريق لدخول قواتها العسكرية وتعزيز قواعدها العسكرية بزعم تحرير محافظة نينوى من سيطرة “داعش”، الا ان هدفها الرئيسي اصبح واضحا اليوم، وهو التمهيد لأسيادهم الأتراك من أجل يأتوا بالمال والاستثمار، ليعززوا وجودهم في هذه المعسكرات التي يقال عنها أنها تضم مقاتلين عراقيين يتم تدريبهم هناك، الا أن حقيقة الأمر أن هؤلاء المقاتلين لا يرغبون بالمشاركة في طرد العصابات الارهابية من مناطقهم، وإنما يكتفون بالاستعراضات العسكرية، واستلام رواتب من حكومة بغداد على ما يقدمونه من جهد استعراضي، وهنا يأتي دور الخاسرين الذين نصبوا انفسهم قادة لهذه المعكسرات، وهم يسعون لاثبات أنهم أبطال التحرير، فيستعيدون جماهيرتهم المفقودة، ويعودون لاشغال مناصبهم مرة اخرى، وملء ارصدتهم بالاموال نتيجة جلب المشاريع، خصوصا وان نينوى ستكون اولى المدن في اعمار المناطق المتضررة من الارهاب، باعتبارها الأكثر ضررا جراء احتلالها من قبل التنظيم الارهابي.

 

الحكومة العراقية تعرف جيداً بهذا التواطؤ لكنها تخشى من رد تركي قاسٍ لأنها ادركت بان القوات التركية المتوغلة لن تنسحب من معسكر “زليكان” الواقع بمنطقة بعشيقة او المعسكرات السابقة، لان الوفد التركي الذي زار بغداد قالها بصراحة، إن أنقرة لا تفكر بالانسحاب وأن ما تقوم بيه يأتي لصالح العراق!، كما أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لا يتمكن من الضغط على الولايات المتحدة لاجبار تركيا على الانسحاب، لأنها اكتفت بالقول “نحن نحترم سيادة العراق”.

 

ولم يبق للحكومة أي وسيلة تعتمدها للحوار مع تركيا من أجل إقناعها بسحب قواتها أو تقنين وجودها، إلا عن طريق المتواطئين معها في إرسال قواتها لنينوى، واعتماد الحوار الدبلوماسي لانهاء التوغل التركي وحفط ماتبقى من ماء وجهها بعد انتهاك سيادة البلاد بهذه الطريقة، لأن ذهابها الى المحافل الدولية لا يقدم ولا يؤخر شيئا، لدهاء الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ومساعديه، والذين يشيعون بأن إرسال هذه القوات كانت بطلب من بغداد نفسها، وأنها كانت متواجدة منذ ما يقارب العام.

أقرأ أيضا