الحكومة الصالحة والإصلاحات والمصالحة (2)

في العمود السابق من الحكومة الصالحة تحدثنا عما يجب ان تكون عليه الحكومة حتى تكون صالحة واهم الامور ان تتخذ من الهوية الوطنية ركيزة في تعاملها مع المواطنين في الحقوق والواجبات والامر الثاني هو ان تقوم بعملية اصلاح شاملة في الوضع الاقتصادي للبلد تنمي الزراعة وتنشط نمو المؤسسات الصناعية لابل تخلق صناعات جديدة تتناسب وخامات العراق الوفيرة , وعلي ان اضيف الى ما تقدم تطوير العملية التجارية والخدمات بما يتناسب مع النمو السكاني في البلد وتتوافق مع الجانب الحضري للشعب العراقي في ظل تقدم مدني عالمي يتواكب مع القرن (21) الحالي.

 

اليوم اود التحدث عن موضوع المصالحة الذي يعتبر منفذا مهما لدفع العملية الاصلاحية في البلد والسؤال هو من يصالح من ؟ ان الجواب باعتقادي مرهون بجدية قادة النظام في العراق وساسته اذ ان طوائف الشعب العراقي لا زالت تعمل سوية في الدوائر والمؤسسات الحكومية دون القدر المهم من الحساسية , ومن الناحية الاجتماعية لازالت العوائل تزوج ابنائها وبناتها من الرجل او الامرأة الكفئ سواء كانت من هذه الطائفة او تلك وهكذا تنطبق الفكرة على المؤسسات التعليمية من مدارس ومعاهد وجامعات ولذلك على الكتل السياسية بكافة اطيافها في العراق ان تضع برنامجا موضوعيا للمصالحة الصادقة النابعة من المصلحة العامة والمتوافقة مع صوت الجماهير الذي يصدح بنداء العراق الواحد . وردا على من يريد تقسيم العراق الى دويلات صغيرة يتحكم فيها القرار الاجنبي جميعا وبدون استثناء.

 

ولو راجعنا تجارب العالم في هذا الموضوع حيث قامت حروب اهلية وداخلية في كثير من دول العالم ومنها الحرب الاهلية الامريكية (1861-1865) والتي كان سبهها المعلن هو موضوع العبيد والرق وعلى اثر قيام هذه الحرب قام الرئيس الامريكي لنكولن التي قامت الحرب قبل تسلمه الرئاسة باصدار اعلان انهاء الرق ودخول الحرب الدموية التي كلفت (620) الف جندي وعدد هائل وغير معروف من المدنيين أخيرا انتهت الحرب وتعزز دور الفدرالية واعيد اعمارالبلاد الذي استمرحتى عام (1877) . كذلك المثل القريب منا وعلينا هي الحرب اللبنانية التي استمرت خمسة عشر سنة ( 1975- 1990 ) حيث راح ضحيتها (130) الف قتيل والتي انتهت في (13) تشرين اول(1990) حيث انجز النواب اتفاق الطائف واعيد اعمار البلد , وهكذا الحرب الاهلية الاسبانية (1936-1939) والحرب الاهلية اليوغسلافية والتي دامت تسع سنوات (1991-2001) وهي اكبر حرب عرقية تفكك على اثرها الاتحاد اليوغسلافي الى عدة دويلات عرقية , ولا ننسى اخر حرب صينية اهلية كانت (1945-1949) وغيرها من الحروب الاهلية , التي تختلف اسباب قيامها من التحرر من الطغم الباغية الى تناحر عرقي او ديني وما الى ذلك , والذي يهمنا هنا ان نتائج هذه الحروب ويلات كبيرة على الشعوب وخراب كبير بالعمران وتفكك النواحي الاجتماعية.

 

مع العلم ان الحرب في العراق بدأت عالمية وانتهت اهلية بالوكالة او لا زالت مستمرة بالوكالة منذ عام (2003) وتبعا لخصومات اقليمية على ارض العراق وعلى حساب الشعب بكامله والذي فقد مئات الالوف من ابنائه واهدرت امواله المتأتية من الموارد النفطية وخربت مدنه التي هي اشباه مدن بالاساس لا لشيئ وانما لاضداد وعداوات اقليمية ولاطماع دولية اججت العرقية والطائفية لدى العراقيين وبالتالي الخاسر الوحيد هو الشعب العراقي بكافة اطيافه وقومياته , وهذا ما جرى للعراق حيث ادت الخصومات والمنافع الخاصة لكل كتلة على حدة الى صدور دستور ملغم بالمصالح الفئوية وبالتالي استمر الخصام بين الكتل وتم استنادا الى ذلك تشكيل حكومات تمثل مصالح تلك الكتل ايضا مما ادى الى اداء حكومي مففكك غير منسجم لوزراء لم يشعروا يوما بضيم الانسان العراقي المستقل عن كتلته التي لم تكن في يوم من الايام بديلة عن كامل شعبه.

 

كلنا نحلم بعراق ديمقراطي سائر في طريق بناء بلد حر مستقل وبشعب مؤتلف وبوطن اّمن مستقر , الا اننا اصبحنا تحت نظام ضعيف متعثر لا يحمي نفسه فكيف يحمي العراق؟ لهذا الضعف وهذا التشرذم نتائج وخيمة فتحت الابواب على مصراعيها لكل من هب ودب حتى استغفلنا القريب والبعيد فاقتحم البلد عشرات من شذاذ الافاق والمنحرفين والمأجورين برعاية دول الجوار وأمراء الخليج وبتخطيط من الطامعين بخيرات العراق والمتخلفين فأصبح الشعب العراقي امام معادلة الموت بطريقين اما الاستسلام وهو الموت بذاته او الموت في سبيل ارض العراق وناسه , من يتحمل موت جيل شبابي كامل كان من المؤمل ان يبني العراق بسواعده الجبارة بعد ان تخلصنا من كابوس العهد الصدامي المجرم ؟ ومن سيكسر القيد ويلملم كل السواعد العراقية الخيرة جنوبا وشمالا شرقا وغربا في بودقة واحدة وعلى اساس من الانسانية والتأريخ والتراث الواحد والغد الواعد؟

 

أقرأ أيضا