من المسؤول؟

كلما اسمع او اقرا تقريرا او خبرا يتعلق بضحايا العراق نتيجة العمليات الارهابية التي تستهدف المدنيين الابرياء يعتصرني الالم لانني ادرك تماما ان هؤلاء الذين رحلوا اما اطفالا رحلوا عن هذه الدنيا ولم يذوقوا طعم الحياة فيها او شبابا مازالوا يحلمون بمستقبل اجمل، او امهات تركن صبية ايتاما حرموا من الحنان، او اباءً تركوا عيالا كانوا يأملون ان يكبروا ويقوى عودهم حتى يخففوا عنهم اعباء الحياة.

 

تقرير الامم المتحدة الذي صدر قبل ايام عن عدد القتلى من المدنيين الذي بلغ اكثر من 29 الف بين قتيل وجريح افزعني وألمني كثيرا. هناك من يسأل اذا كان الارهابيون هم السبب المباشر في قتل هؤلاء الابرياء ترى من الذي ينبغي ان يحميهم ويحول دون وصول يد الغدر اليهم لتزهق ارواحهم؟

 

الجواب هو الحكومة والبرلمان يتحملان المسؤولية كاملة امام الله والشعب في حماية ارواح الناس وممتلكاتهم. وربما سائل يسأل كيف؟ من المفروض وحسب الدستور ان يقوم رئيس الحكومة بترشيح كبار المسؤولين للمناصب العليا في المؤسسات والاجهزة الامنية على اختلاف مسمياتها، وعرضها على البرلمان للمصادقة عليها وهنا تتضح لنا مسؤولية ودور البرلمان في ايصال المسؤولين او عدم وصولهم الى مواقع المسؤولية. فمن المفروض والواجب على اعضاء البرلمان واللجان المختصة فيه ان تعقد جلسات استماع للمرشح سواء كان وزيرا او سفيرا او اي منصب من المناصب الاخرى العليا من اجل التأكد من اهليته للمنصب الذي رُشِح له ثم يجري التصويت عليه في البرلمان ليتم بعدها اما تثبيته او عدم تثبيته في ذلك المنصب. اذن البرلمان هو الفلتر الذي يفرز العناصر الكفوءة عن غيرها، ويدفع بها الى الميدان من اجل ان تعمل وتقود وكل في مجال اختصاصه لخدمة المجتمع. وهذا مايحصل في معظم برلمانات الدول المتقدمة ومنها الكونغرس الامريكي الذي يعتبر واحد من ابرز المؤسسات التشريعية في العالم، والذي تجري فيه باستمرار جلسات استماع ولمختلف القضايا. ولا اعتقد ان اعضاء البرلمان العراقي يمارسون دورهم في هذا المجال كما ينبغي وذلك لان النتائج على الارض تشير الى ان القادة الامنيين وغيرهم فشلوا في عملهم لايقاف نزيف الدم المستمر من المدنيين منذ 2003 حتى يومنا هذا. وهذا يعني ان البرلمان لم يمارس دوره الحقيقي لايصال الرجل المناسب الى المكان المناسب.

 

في الصفحات الاولى من مذكراته التي نشرها في كتاب تحت عنوان “الواجب” تحدث روبرت غيت ـ وزير الدفاع الامريكي السابق في ادارتي الرئيس بوش والرئيس اوباما للفترة من 2006 الى 2011 وقد عمل قبلها مع ثمانية رؤساء للولايات المتحدة من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وشغل منصب رئيس وكالة المخابرات المركزية (سي آي اي) في فترة حكم الرئيس بوش الاب، وعمل في البيت الابيض لمدة 9 سنوات كعضو في مجلس الامن القومي خلال فترة حكم 4 رؤساء ـ تحدث عن الاجراءات التي رافقت تعيينه وزيرا للدفاع بعد ان رشحه الرئيس بوش لهذا المنصب. بعد كل هذه المناصب الحساسة التي تولاها يقول روبرت غيت قبل لقائي الرئيس بوش الذي طلب الحديث معي حول موضوع الترشيح، اتصل بي رئيس هيئة موظفي البيت الابيض سائلا فيما اذا كانت هناك قضايا اخلاقية قد تشكل عائقا قي موضوع الترشيح كتشغيل مربية او مديرة منزل من المهاجرين غير الشرعيين. انظر كيف تأخذ ادق المور في نظر الاعتبار. ثم توالت بعدها الاسئلة الاستقصائية بعد انتهاء اللقاء مع الرئيس الذي امر بالمضي قدما في عملية التثبيت في المنصب والتي تتطلب اجتياز مرحلة تحقيق الهوية التي تتضمن الاجابة على سلسلة طويلة من الاسئلة التي تتعلق بالمناصب التي شغلها في العديد من مجالس ادارات المؤسسات المختلفة واستثماراته المالية ثم تبعها ملء استمارة تتضمن اسئلة حول مناصب الامن القومي التي شغلها والتي يقول عنها غيت “ان حالي هنا كحال اي متقدم للعمل لاول مرة بوظيفة حكومية على الرغم من انني كنت يوما ما مديرا لوكالة المخابرات المركزية (سي آي اي) الذي يمكنه الوصول الى جوهرة تاج الاسرار الامريكية” كان عليه ان يملأ الاستمارات الخاصة بكشف الذمة المالية واستمارات اخرى يتوجب على الموظفين الجدد ملأها وفي حالة وقوع اي خطأ وان كان غير متعمد سيكلف صاحبه الكثير لذلك عمل بنصيحة مفادها تكليف شركة قانونية من اجل المساعدة في ملأ الاستمارات تجنبا للخطأ. ناهيك عن 65 صفحة من الاسئلة للجنة القوات المسلحة في الكونغرس، والتي تتبعها لقاءات استجواب فردية حول ستراتيجيته في العمل والتأكد من امكانية تطبيقها، من قبل عدد من رؤساء اللجان في الكونغرس قبل موعد التصويت النهائي الذي تتم فيه تثبيت المرشح او رفضه.

 

هذه هي الالية التي تتبعها معظم الدول المتقدمة، التي تهتم بمصالحها العليا ومصالح شعوبها، من اجل ايصال الرجل المناسب للمكان المناسب لخدمة الشعب والدولة، الرجل الذي يكون ولائه للوطن ويتمتع بسجل نظيف خالي من اية شائبة. نظرة سريعة لما جرى ويجري في العراق نتيجة تقديم مصلحة الحزب والكتلة ، والطائفة على مصلحة الوطن العليا من خلال الدفع بمرشحين لمناصب هم ليسوا اهلا لها ، نراه قد كلف البلد الكثير من الاموال والارواح. فكم وزيرا ونائبا وكم عسكريا فر من العراق بعد ان كشف امره اما نتيجة تورطه في قضايا ارهاب او فساد اداري. وهكذا يبقى المواطن يدفع الثمن والوطن يراوح في مكانه.

 

أقرأ أيضا