هذا ما يحتاجه العراق اليوم

القيادة – Leadership هذه المفردة التي فُتِن بها الغربيون، والتي لا تجد مجالا من مجالات العمل لا يهتم بها، ولا مؤسسة من مؤسسات التعليم ان تخلو من تدريس مادتها. اذا دخلت صفوف المدارس الابتدائية، في امريكا، ستجدها مكتوبة على الجدران مع غيرها من المفردات، كالاخلاص، والصدق، والثقة والاحترام.

 

هذا لانهم يعرفون اهميتها وبغيابها يغيب النجاح ويصبح تحقيق الهدف امرا مستحيلا لان الامور تترك الى الاجتهاد الفردي بغياب القائد الذي ينسق، ويرشد، ويوجه، ويقود بصبر واناة من اجل تنفيذ ستراتيجية العمل للوصول الى الغاية المرجوة. ان التقدم والانجازات التي حققتها الدول المتقدمة والمراحل التي حرقتها في كل المجالات كانت ورائها اشخاص توفرت بهم صفات القيادة.

 

يقول البروفسور ريد ماركهام عن هؤلاء ان “القادة الناجحين هم الذين يرون الفرص في كل صعوبة بدلا من الصعوبة في كل فرصة”. ان كل المؤسسات والشركات العملاقة التي تمتلك امكانيات مالية هائلة، وتحقق تقدما مطردا في مجالات عملها مثل General Electrics، Royal Dutch Shell، Boeing، Microsoft، Apple،Exxon Mobil، Facebook تجد وراء نجاحاتها رؤساء يمتلكون مواصفات القيادة مثل بل غيت، والراحل ستيف جوب والشاب مارك زكربرك واخرون غيرهم.

 

والشخص القائد سواء كان رجلا ام امرأة لابد ان تتوفرفيه شروط ومواصفات وجزء من هذه المواصفات هي عبارة عن صفات يمكن ان يكون قد اكتسبها بالوراثة ثم طورها بالتدريب والممارسة. يقول الباحثون ان من صفات القائد الجيد ان يكون صادقا لكي ينال ثقة معيته وبخلاف ذلك فانهم لن يطبقوا اوامره او يطيعوه، وان يتحمل مسؤولية القرارات التي يتخذها وان لايتىصل من تبعاتها ويلقي باللوم على الاخرين. يجب عليه ان يتعامل مع المواقف التي تبرز ويتحمل مسؤولية النتائج التي تنتج عنها وان لا يوكل بالمسؤولية الى معيته لانهم ان اخفقوا فهذا يعني اخفاق له . لا حظنا هذا الامر قد حدث كثيرا مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي غالبا ماكان يلقي بتبعات قراراته غير المدروسه على وزرائه الذين لم يكونوا افضل حالا منه. يجب ان يتمتع القائد بثقة عالية بالنفس وان يؤمن بكل كلمة تصدر عنه وان يبدي موقفا صلبا عندما مواجهته للمواقف الصعبة لان معيته سينتظرون منه التوجيه والارشاد عندما تشتد المواقف وتزداد صعوبة. وان تكون لديه حماسة عالية كفيلة بان تدفع الاخرين للعمل وان لم يكن لديهم الرغبة فيه.

 

يقول المختصون ان الحماسة تنتقل بالعدوى فاذا لاحظك معيتك مهتما بالامر ومتحمسا اليه سيكون لديهم نفس الحماس في تنفيذه ومن صفات القائد اذا اعلن عن نيته اتخاذ قرار ما، ان لا يتراجع عنه لانه سيفقد ثقة الاخرين به ويعتبر شخصا لايمكن الاعتماد عليه. ويرى البعض ان هذا الامر ينطبق بعض الشئ على رئيس الوزراء العبادي الذي اكد في اكثر من مناسبة انه سيتخذ قرارات حاسمة في مكافحة الفساد واحالة المتورطين فيه الى القضاء ومحاربة نظام المحاصصة الطائفية الذي اضر كثيرا بعملية اعادة بناء الدولة على اسس صحيحة وسليمة كونه اتى باشخاص كالوزراء، ووكلاء الوزارات، والمدراء العامين وغيرهم ممن لايمتلكون اي صفة من صفات القيادة، فقط لانهم ينتمون الى هذا الحزب او تلك الكتلة، ليضعهم في المناصب العليا لمؤسسات الدولة ولتأتي النتائج كارثية، نظام تعليمي فاشل، مصانع خاوية، ومعطلة تأكل اكثر مما تنتج، خدمات بلدية تكاد تكون معدومة رغم المليارات التي خُصصِت لها ونظام صحي بائس.

 

هذا الامر لاينطبق على السيد العبادي فحسب بل ينسحب على رئيس الدولة ورئيس البرلمان اذ لم يطبقوا الوعود التي قطعوها على انفسهم وها هو السيد ممثل المرجعية يقول في خطبته في ثاني جمعة من العام الجديد          – انقضى العام 2015 ولم يتحقق شئ من الوعود التي الزمت بها نفسها الرئاسات الثلاث والتي تقضي باجراء اصلاح حقيقي ومحاسبة المفسدين والقضاء على الفساد.

 

ومن صفات القائد الاخرى ان يكون صبورا وحاسما باتخاذ القرارات السليمة المبنية على دراسة مستفيظة ومخلصا في عمله وان يكون شجاعا وهذه الصفة تعتبر من اهم الصفات التي يتمتع بها اي قائد ناجح، فلكي يكون القائد حاسما في اتخاذ القرارات يجب ان لايخشى الفشل وان لايخشى تجربة نهج جديد من اجل تحقيق الهدف. وفي هذا الصدد حاول الدكتور العبادي ان ينهج نهجا يخرج فيه من شرنقة المحاصصة الحزبية ليصدر عنه اكثر من تصريح رسمي يفيد بترشيح شخصية مستقله امينا عاما لمجلس الوزراء وهو السيد عماد الخرسان الذي يمتلك من العصامية والمواصفات القيادية الاخرى – وفقا لشخصية سياسية مرموقة تعرفه عن قرب، لانني لا اعرف الرجل ولم التق به – تؤهله لان يحدث تغييرا واضحا في عمل الوزارات، لكن العبادي تراجع في اخر الامر عن قراره امام ضغوظ الكتل المسيطرة على الحكومة ليعود الى شرنقته محاطا بنفس الاشخاص الذين عجزوا عن تحقيق اي تغيير. يقول الرئيس الامريكي السابق تيودور روزفلت، 1901 -1909، وهو رجل الدولة والمؤلف والمستكشف والعسكري والمصلح، ان افضل قائد او زعيم هو من يمتلك حسا ثاقبا يمكنه من اختيار الرجال الجيدين القادرين على تنفيذ مايريد دون التدخل بعملهم. في هذا السياق لا اعتقد ان السيد العبادي كان موفقا او قادرا على فعل ذلك لاسباب قد تطرقت لها في هذا المقال.

 

في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها العراق ومنها الوضع المالي الحرج نتيجة هبوط اسعار النفط يحتاج البلد الى عقول ودماء جديدة يمكنها ان تقود وكل من موقعه والا شبح العودة الى السنوات العجاف التي عاشها العراقيون ايام الحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي تلوح في الافق. مايحتاجه العراق في هذه الازمة هو قادة حقيقيين وهم الذين يصفهم البروفسور جون سيمان كارنز، رئيس حركة الفكر العالمي الجديد، هم الناس العادييون الذين تصدر عنهم قرارات غير عادية.

 

اما عمنا العبادي ففي اخر الكلام اعيد عليه قول احد العظماء الذي يقول اذا اردت ان تفعل شيئا عظيما فلا تطلب الاذن من احد.

 

أقرأ أيضا