(لوثر كنك) قاهر التمييز العنصري في أمريكا

إن الشجاعة والاصرار، وقوة الارادة، والايمان بعدالة القضية كانت كلها عوامل حفزت الناشط، والمناضل، ورجل الدين الدكتور مارتن لوثر كنك – الذي يحي الشعب الامريكي ذكراه في مثل هذا اليوم من كل عام، ودفعته الى المطالبة بالحرية وتحقيق العدالة والمساواة بين افراد الشعب الامريكي على اختلاف اجناسهم والوانهم ومشاربهم.

 

لقد قاد الدكتورمارتن كنك المسيرات السلمية من اجل احداث تغيير في تركيبة المجتمع الامريكي التي كانت قائمة انذك على نبذ المواطنين السود من خلال تطبيق سياسة الفصل العنصري، واحداث تغيير في سياسات الدولة اتجاه السود الذين تعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية، وقد تحقق له ما اراد بعد سنوات طويلة من الكفاح السلمي المستمر.. في شهر اب من عام 1963 احتشد 250 الف مواطن من مؤيديه في العاصمة واشنطن، حيث القى اهم خطاب له والذي يعتبر لحظة حاسمة في تاريخ حركة الحقوق المدنية الامريكية، إذ دعا فيه الى انهاء العنصرية في امريكا. تصدرت الخطاب، الذي الهم فيه مشاعر الالاف من الامريكيين السود والبيض عبارة لدي حلم. قال انني احلم بيوم ارى فيه الاطفال البيض والسود يلعبون معا كأشقاء.

 

لقد راوده هذا الحلم منذ صغره حيث كان يسأل والدته عن العلامات التي وضعت في اماكن محددة من الاماكن العامة في المدينة التي نشأ فيها والتي كتب عليها “للبيض فقط”، اي لايسمح للسود التواجد فيها. كان يعتصره الالم عندما يسمع ان هذه العلامات لاتقتصر على مدينته فقط، بل تتعداها الى كل مدن الجنوب. وعندما كبر مارتن كنك بدأ يستخدم الكلمات الكبيرة التي اعتاد ان يسمعها من والده في الكنيسة التي كان راعيا لها حتى اصبح معاونا لابيه في ادارة شؤون الكنيسة والقاء الخطب والمواعظ الدينية التي وظفها لتحرير الناس من الخوف والتردد الذي سيطر عليهم وجعلهم يقبلون بواقعهم الاليم. بث فيهم الحماس وروح التحدي والمواجهة السلمية التي تنبذ العنف من اجل تحقيق مطالبهم المشروعة في العدالة والمساواة مع اقرانهم البيض. تعلم من والديه ان كل انسان يمكن ان يكون عظيما من خلال القيام بعمل يخلده. درس تعاليم وافكار المهاتما غاندي – الذي قال تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر، وتعلم اسلوب اللاعنف الذي اعتمده المهاتما غاندي حتى نال الشعب الهندي حريته واستقلاله دون ان تصدر منه اطلاقة نار واحدة على المستعمر البريطاني.

 

عندما اصر الاخرون على الكراهية قابلهم مارتن كنك بالمحبة لانه يؤمن بأن الكراهية لايمكن ازالتها من قلوب الناس الا بالمحبة. وعندما نادى الاخرون بالفصل قال لهم لابد ان نكون معا موحدين وعندما دعوا الى الحرب، قال بالسلم نحقق اهدافنا. كان يعتقد ان شعوب العالم عاجلا ام اجلا لابد ان تهتدي الى وسيلة للعيش معا بسلام.

 

انطلقت شرارة الاحتجاجات والمسيرات السلمية في شتاء عام 1955 في مدينة مونتكمري بولاية الباما على اثر اعتقال السيدة روزا باركس وهي سيدة سوداء، كانت عائدة من عملها في احد باصات النقل العام عندما تقدم منها احد الركاب البيض، وطلب منها ان تخلي مكانها المخصص للبيض لكي يجلس محلها لكنها رفضت طلبه، مما دفع سائق الباص للاتصال بالشرطة لالقاء القبض عليها، وعندما بلغ الامر سكان المدينة السود استشاطوا غضبا وقرروا عدم ركوب الباصات حتى يٌسمح لهم بالجلوس اينما يريدون واستمر الامر على هذا الحال مدة 381 يوما كانوا يمشون فيها الى اماكن عملهم والى المدارس ودور العبادة في ايام البرد وتحت المطر، وفي ايام الصيف الحارة وفي هذه الاثناء لم يتركهم مارتن لوثر كنك، حيث كان يمارس دوره كقائد، كان يمشي معهم، ويتحدث ويصلي، وينشد معهم حتى اضطر قادة المدينة من البيض الى السماح للمواطن الاسود بالجلوس في المكان الذي يريد بعد ان تم الغاء الفصل العنصري في الاماكن العامة من قبل المحكمة العليا التي اعتبرته اجراءً غير دستوري.

 

كان مارتن لوثر كنك يستنهض دائما هممهم ويشحذ عزيمتهم. كان يقول عندما يٌكتب التاريخ لابد من يقول ان السود كانت لديهم الشجاعة للدفاع عن حقوقهم. وبعد مرور 10 سسنوات احتجوا مطالبين بالعدالة والمساواة في الحقوق، وكعادته سار مارتن كنك معهم ولم يتركهم الامر الذي جعل المسؤولين البيض من حكام الولايات والقضاة وقادة الشرطة يطالبونهم بالتوقف، لكنهم لم يذعنوا واستمروا بالمسيرات، كانوا يقولون لهم انتظرنا اكثر من 340 سنة لكي ننال حقوقنا، لكن دون جدوى، لذلك لن نتوقف حتى تتحقق مطالبنا. سُجن الكثيرين منهم وضُرِبوا وقتل البعض الامر الذي جعل بعض السود يطلب السماح لهم بالاشتباك مع الشرطة لكن مارتن لوثر كنك رفض وكان يذكرهم دائما بقوة المحبة كسلاح لمواجهة العنف، كان يقول دائما ان المحبة هي المفتاح لحل مشاكل العالم. شعر السكان البيض في الجنوب بخطورة كلمات كنك عليهم فهددوه بالقتل وفجروا بيته لكنه رفض التوقف وكان يقول اذا ما توقفت فان هذه الحركة لن تتوقف لان الله معها.

 

استمرت المسيرات اكثر فاكثر وازداد عدد المستمعين من البيض لكلماته المؤثرة والمفعمة بالامل. الاحتجاجات الطويلة والمستمرة حققت هدفها حينما دفعت اعضاء الكونغرس للتصويت ضد سياسة الفصل العنصري ليحصل المواطنون السود على حقوقهم في الحرية والمساواة وبذلك اسقطت اليافطة التي تقول للبيض فقط.

 

حصل مارتن لوثر كنك على جائزة نوبل للسلام في 1964 واغتيل على يد احد المتشددين البيض في عام 1968 في مدينة ممفس حينما ذهب كعادته لمساندة عمال التنظيف في تظاهراتهم للمطالبة بحقوقهم.

 

إن من أسباب صمود ونجاج المسيرات التي نظمها المواطنون السود في امريكا والتي لم تتوقف او تنتهي حتى انتهاء سياسة الفصل العنصري وحصولهم على حقوقهم المدنية هو وحدة القيادة المتمثلة بشخصية الدكتور مارتن لوثر كنك الذي ألهم الجموع الكبيرة من السود وغير السود الحماسة والصبر والاصرار على مواصلة المسسيرة مهما كانت النتائج والسبب الاخر تحديد الهدف المتمثل في تحقيق العدالة والمساواة مع نظرائهم البيض. وربما هناك من يسأل عن سبب فتور وعجز التظاهرات والمسيرات التي انطلقت في العراق عن تحقيق غايتها والتي طرحت الكثير من المطالب ومنها انهاء المحاصصة الطائفية والقضاء على الفساد واحالة المفسدين الى المحاكم وحل البرلمان وحل القضاء.

 

في هذا الشأن قد يعود ذلك الى افتقارها الى القيادة المُلهِمَة التي تساعدها على ادامة الزخم لمواصلة الاعتصامات السلمية حتى تتحقق الغاية منها، وربما ايضا افتقارها الى الهدف المحدد الذي لاينبغي ان يحيد عنه احد حتى يتحقق.

 

هناك من يقول متعجبا: مازال العراقيون يبحثون عمن يلهمهم العزيمة والحماسة والاصرار وارضهم تحتضن رفاة الحسين حيث تزحف الملايين منهم صوب ضريحه كل عام، هذا الامام الثائر على الظلم الذي الهمت مبادئ ثورته الكثيرين من احرار العالم الحماسة والاقدام ودفعتهم لاقتفاء سيرته لاحراز النصر.

 

أقرأ أيضا