أنثروبولوجيا العراق – مقارنة بين سكان العراق والشعوب المجاورة والشعوب القديمة لبلاد ما بين النهرين

  نظراً للظروف الراهنة التي يمر بها العراق والمنطقة، والتي يشكل فيها البحث عن هوية…

 

نظراً للظروف الراهنة التي يمر بها العراق والمنطقة، والتي يشكل فيها البحث عن هوية جديدة عنصراً مهماً غالباً ما يتم تجاهله، تبدو الدراسات الأنثروبولوجية مهمة جداً لفهم عمق الصلات بين شعوب الشرق الأدنى وكونهم يمثلون كتلة بيولوجية تطورية واحدة – ذات صلات كبيرة يمكن أن تصنفهم كعرق متقارب – على اختلاف لغاتهم وأديانهم وطوائفهم – ولهذا السبب بدأت بقراءة كتاب الآثاري وعالم الأنثروبولوجيا الأميركي هنري فيلد (1902-1986) والذي عمل في جنوب العراق في الموسم التنقيبي 1927-1928 ليدرس بذلك مع عالم الأنثروبولوجيا والتشريح الأسكتلندي السير آرثر كيث (1866-1955) – والذي عمل أميناً لمتحف الكلية الملكية للجراحين في إنجلترا – الصفات الجسدية والملامح الثقافية لسكان العراق ومقارنة تلك النتائج مع الشعوب المجاورة لتحديد إذا ما كانت هذه الكتلة البشرية تشكل عرقاً منفصلاً أم لا. لستُ متأكداً إذا ما كان هذا الكتاب قد تمت ترجمته ولكنني سأورد الفقرات المقتبسة – مترجمة من قبلي – بين قوسين، وستكون هذه فرصة لمناقشة الكتاب والأفكار الواردة فيه بشكلٍ ملخص قد يساعد غير المتمكنين من قراءته بالإنجليزية من الإطلاع على محتواه والإستفادة منه. أعتقد بأن دراسات من شأنها أن تثبت الوحدة التطورية لشعوب المنطقة قد تفيد في بناء هوية جديدة جامعة يمكن لها أن تسهم في تحقيق الإستقرار في الشرق الأوسط، مع إمكانية أن تثير مثل هذه الدراسات المزيد من الإختلافات والإنشقاقات وفقاً للنتائج وقراءات الأفراد لها.

 

تتناول هذه الدراسة الخصائص الجسدية ومناقشة البيانات المتعلقة بالقياسات البشرية “الأنثروبومترية” التي جمعها من البدو و”العرب” المقيمين بالقرب من موقع مدينة كيش القديمة في العراق. تم جمع هذه البيانات في الموسم التنقيبي الممتد من كانون الأول 1927 وحتى آذار من عام 1928. وقد حظيت هذه الجهود البحثية – فيما بعد – بدعم الملك غازي والحكومة العراقية في حينها لسد النقص المتعلق بالمعلومات حول أنثروبولوجيا سكان العراق الحاليين وخصائهم العرقية. وهي المشكلة التي واجهها الدكتور أل. أتش. دودلي بكستون عندما كان يحاول كتابة تقارير عن البقايا البشرية القديمة التي تم العثور عليها في كيش من قبل البعثة المشتركة لمتحف فيلد وجامعة أكسفورد، حيث شعر بكستون بالإحراج نتيجة لإنعدام البيانات المتعلقة بالسكان المحليين. لم يتمكن الدكتور بكستون من تحديد المدى الذي تتمثل فيه الأجناس البشرية التي عاشت في تلك المدن القديمة في سهل ما بين النهرين بين سكان العراق الحاليين. ففي أور وجد السير آرثر كيث رجالاً ونساءاً برؤوسٍ طويلة وكبيرة، فيما وجد بكستون في كيش رؤوساً مستديرة فضلاً عن رؤوسٍ طويلة. لكنهما لم يمتلكا أيّة بيانات لترشدهم فيما إذا كان أولئك السكان القدماء ذوو الرؤوس الطويلة والمستديرة لا يزالون ممثلين بين صفوف “العرب” الشماليين أو كم تبلغ نسبة تمثيلهم بين صفوف السكان الحاليين. لكن الصور الفوتوغرافية الدقيقة لأكثر من 581 شخص – التي يدرسها هذا الكتاب – قد نقلت معرفتنا عن العرب في وسط العراق من حالة فقر معرفي إلى حالة ثراء وبشكلٍ مفاجيء، كما يقول السير كيث.

 

يحاول الكتاب دراسة البنية الجسدية لسكان وسط وجنوب العراق، ومقارنتهم بالهياكل العظمية القديمة التي تم اكتشافها في ذات المنطقة (كيش وأور)، ومقارنة السكان المحليين بمجندين من عموم العراق (بما في ذلك مناطق بغداد والموصل والسليمانية والعمارة والبصرة)، فضلاً عن مقارنة هذه المجموعات بجماعة من البدو تتألف من 38 شخصاً – بهدف معرفة صلة باقي العراقيين المصنفين كعرب بالبدو الذين يفترض أنهم يمثلون مجموعة عربية خالصة – ومن ثم يقارن الكتاب هذه المجموعات المختلفة مع سكان الهند ومصر ومناطق القوقاز وجنوب أوروبا، وعرب الجنوب “الجزيرة العربية” بهدف التوصل لمعرفة الخصائص العرقية لسكان العراق المحليين وإذا ما كان بالإمكان تصنيفهم في فئة بعينها. وبهدف تحديد إمكانيات إطلاق صفة عرق معين على مجموعة بشرية ما، نقرأ ما كتبه آرثر كيث في مقدمته، “من أجل أن تكون درجة التمايز العرقي للعرب عن الأقوام والأعراق الأخرى المحيطة بهم، فإن من الواجب إجراء دراسة دقيقة لعددٍ مماثلٍ من الصور – وبالزي الرسمي للجيش العراقي –  لجنودٍ مصريين، وجنود من المناطق المختلفة في الهند، وأفغانستان، وإيران، ومن الجيش التركي، والجيوش الإيطالية، والفرنسية، والإسبانية، وصورٍ لجنودٍ جزائريين على وجه الخصوص. فإذا ما كان بالإمكان، في وسط هذه السلسلة الكبيرة والمختلطة من الصور الفوتوغرافية، تمييز كل فرد من سكان المنطقة العربية، عندها فقط سيكون بالإمكان إثبات كون العرب عرقاً متميزاً بصورة تامة، أو Pan-diacritic، أو عرق بنسبة مئة في المئة. أما إذا حصل، وهو ما أعلم بأنه سيحصل، ونجحت في تمييز نسبة معينة فقط من الجنود العرب، فعندها سآمل في معرفة نسبة نجاحي لأن ذلك سيكون مؤشراً على مدى تمايز العرب عن الشعوب المجاورة لهم. لاسيما وأنه سيتوجب عليّ معرفة الشعوب التي يرجح بشكلٍ كبير أن أمزجها مع العرب، حيث إن نسبة أخطائي تلك ستكون مؤشراً على العلاقة بين العرب وهذه الشعوب الأخرى.”

 

في البداية، يحلل آرثر كيث أبعاد الرأس من حيث الطول والعرض والحجم، فضلاً عن نسبة طول القسم العلوي للقسم السفلي من الوجه. ويذكر بأن الآثاري البريطاني ليونارد وولي قد وجد بأن الجماجم التي عثر عليها في موقع العبيد قرب أور (من الألف الرابع قبل الميلاد) أطول بمقدار 8 مم وأعرض بمقدار 10 مم مقارنة بالسكان المحليين الحاليين في ذات المنطقة. فمن ناحية حجم الرأس، وجد كيث بأن سبعة من أصل عشرة جماجم قديمة ترتفع لتكون من ضمن الرؤوس الكبيرة، بينما لا يمتلك سوى إثنين من سلسلة من 50 من السكان المحليين نسباً مساوية لتلك الخاصة بالقدماء. كما إن ثلاثة من الجماجم القديمة تقع ضمن فئة الرؤوس متوسطة الحجم، وهي الفئة التي تضم ثلاثين من أصل خمسين جندي عراقي. ويلاحظ كيث ما يأتي، “العراقي (العربي) الحالي له نفس شكل رأس السكان القدماء في أور، لكن رأسه أصغر بما يقترب من 100 مليليتر بالنسبة لسعة الدماغ.” لذلك فإن كيث يمضي مع الإفتراض القائل بأن العربي الحالي يمثل ذات العرق الذي عاش في مدن أسفل سهل ما بين النهرين، لكن إندثار الحضارة القديمة قد نجم عنه بقاء الجنس ذو الرأس الأصغر على قيد الحياة، أو أن الجنس ذو الرأس الأكبر قد إنقرض وهو ما أدى إلى إندثار الحضارة، كما يتساءل آرثر كيث. وعلى صعيدٍ آخر، وجدت الدراسة بأن نسبة عالية من عينات الجنود العراقيين يقعون ضمن فئة الرؤوس الصغيرة – وأرجح أن يكون وجود أشخاص من مناطق شمال بغداد السبب في التأثير على نسب الرؤوس المتوسطة – وهو ما أشار إليه كيث في موضعٍ آخر من تحليله للإختلافات بين المجموعات المختلفة حيث كتب، “الإختلافات تظهر بأن المجندين ليسوا من ذات المجموعات العربية الممثلة في مخيمات العرب بالقرب من كيش أو من خيم البدو.” وهنا، يتوجب الإشارة إلى أن هذا يعني وجود فارق معين – ربما بسبب إختلاط أكبر بأعراق أخرى – بالنسبة لسكان مدن العراق أو سكان شمال بغداد.

 

يعتقد كيث بأن “التعامل مع الخصائص العرقية قد أقنعه بأن الأبعاد الحقيقية لطول وعرض الرأس أكثر أهمية في تحديد هوية العرق مما قد يمنحنا إياه المؤشر الرأسي Cephalic Index”، ومع ذلك فإنه يجري مقارنات بالإعتماد على الأبعاد نفسها فضلاً عن المؤشر الرأسي. وقد وجد بصورة عامة أن شعوب المنطقة “ذوو الثقافة العربية حالياً” كما سأسمح لنفسي بتسميتهم ذوو رؤوسٍ متوسطة الحجم وطويلة بعض الشيء وهي أقرب ما تكون لرؤوس الأعراق القوقازية والأرمنية، لكن لون البشرة هو ما يجعلهم متميزين عن القوقازيين الأنقياء، فضلاً عن وجود بعض الملامح الأفريقية.

 

وفيما يخص عرض جبهة الرأس، يجد كيث بأن العرب من منطقة كيش لديهم رؤوس أكثر عرضاً من البدو، لكن البدو يتوفرون على جباهٍ عريضة، وهي الصفة التي تظهر في العديد من عينات الجنود العراقيين أيضاً. ولمقارنةٍ أوسع أترككم مع هذا الجدول المأخوذ من المقدمة بقلم السير آرثر كيث:

 

الفئات السكانية جبهة ضيقة جداً – أقل من 100 مم جبهة ضيقة 100-110 مم جبهة عريضة 110-120 مم جبهة عريضة جداً – أكبر من 120 مم
البدو (38 فرد) 0 19 18 1
العرب من منطقة كيش (50 فرد) 3 31 15 1
الجنود العراقيين (50 جندي) 0 2 36 12

 

وبذلك لاحظ كيث بأن الجباه العريضة صفة شائعة لدى الجنود العراقيين – الذين أفترض بأنهم أكثر تنوعاً عرقياً لكونهم من المدن الرئيسية أو من مناطق شمال بغداد – وهي صفة موجودة مع ذلك في جميع الفئات الأخرى – مع هيمنة للجباه الضيقة لدى عرب كيش في الجنوب – وبالتالي فإن صفة الجباه العريضة الموجودة بين البشتون Pathans في شمال الهند بكثرة (30 من أصل 50) تدعم الصلات بين البشتون وسكان شمال بغداد، فيما تكون الجباه العريضة نادرة بين طبقة التشاتري في جنوب الهند (حوالي 2 من اصل 50) وهو ما يقول كيث بأنه دليل على وجود بعض الصفات الدرفيدية بين سكان عرب كيش. حيث نقرأ ما يلي، “هنالك تشابه بين العرب في وسط العراق مع الأجناس الدرفيدية-الآرية –أي البشتون كمثال – في الهند، لاسيما في عرض الجباه.”

 

يعتقد كيث بأنه “في حكمنا على الأعراق فإننا سنتأثر بملامح الوجه أكثر من شكل وحجم الرأس” ومن هذه الناحية، يجد كيث بأن وجوه “العرب الذين تمت دراستهم” تميل لأن تكون معتدلة في طولها وعرضها أقل من المتوسط بقليل، فيما تظهر الوجوه الطويلة والعريضة بشكلٍ متكرر بين صفوف الجنود العراقيين وهو أمرٌ نادر في الجماعة البدوية الصغيرة – وهذا ما يجعلني أعتقد بأن السكان في المدن ليسوا من البدو وبالتالي فإنهم قد يكونون من عرقٍ آخر مختلط في الغالب – فيما كانت الجماعة الأكثر حضوراً بالنسبة لعرب منطقة كيش ممثلة في وجوهٍ ضيقة ومعتدلة الطول. وبالتالي فإن هنالك تبايناً بين السكان المحليين في الشرق الأوسط على العكس من المصريين الذين يشكلون مجموعة أكثر تجانساً.

 

من النقاط الأخرى التي يثيرها السير كيث مسألة إنطباق الفكين أو صفي الأسنان على بعضهما البعض، حيث نقرأ ما يأتي، “في الأعراق البدائية، وفي أوساط الشعوب التي تعيش بشكلٍ كبير بالإعتماد على الطعام غير المطهي وتستخدم القواطع في المواضع التي تستخدم فيها الشعوب المتحضرة السكين، وبذلك تتخذ القواطع في هذه الأعراق في أثناء تقطيع ومضغ اللحوم وضع إنطباق حافتي الاسنان في الفكين. أما في الشعوب الأكثر تحضراً فإن حالة تقدم الفك العلوي على السفلي الموجودة منذ الطفولة تبقى على حالها، حيث أن إنطباق حافتي الأسنان القواطع بصورة طبيعية يُشاهد في نسبة ضئيلة جداً من الأفراد المتحضرين.” وفي هذه النقطة بالذات، لا يختلف العرب عن الأوروبيين كثيراً، بحسب السير كيث.

 

وفيما يتعلق بلون البشرة، الفارق الكبير بين من يصنفون كعرب وبين الكتلة القوقازية التي ينتمون إليها تطورياً، نجد من تحليلات كيث بأن البدو أقل تلوناً، وهي مفارقة غريبة بعض الشيء، بينما نسبة البشرة الأكثر تلونا تصل إلى 77.2% بين أوساط عرب كيش، وحوالي 86.6% بين أوساط الجنود العراقيين – وهنا أتساءل إن كان لذلك علاقة بكونهم يتلقون تدريبات في فصل الصيف في العراق وأن لتعرضهم للشمس علاقة بذلك أم أنهم فعلا أكثر تلوناً من بقية السكان، خصوصاً وأن ملامحهم الأخرى أكثر ميلاً للبحر المتوسط كما سنرى فيما بعد. لكن نسبة العيون البنية المائلة للإخضرار تثبت بأن البدو أقل تلوناً مرة أخرى، حيث أننا نلاحظ بأن نسبتها تبلغ 58% في أوساط المجموعة البدوية الصغيرة، مقابل 8.3% في عرب كيش، و5.4% فقط بين الجنود. بينما كانت نسبة العيون البنية المائلة للرمادي منعدمة في البدو، وبحدود 2.5% في عرب كيش، و0.7% في الجنود. ومن المفارقات التي يعلق عليها كيث بالنسبة للبدو، إرتباط وجود الشعر الأسود (38% منهم) مع العيون الزرقاء البنية (58% منهم) وهي صفة يمكن ملاحظتها، كما يقول كيث، في الشعوب السلتية الأكثر تلوناً في أوروبا الغربية. لكن السؤال الذي أطرحه هنا، هل يمكن إعتبار هذه المجموعة البدوية المؤلفة من 38 شخص مثالاً للتعبير عن العرق النقي الذي يمكن إعتباره كممثل لعرب الشمال أم لا، لاسيما أن البدو من الشعوب التي إعتادت السبي عبر تاريخها مما يجعلها قابلة للإمتزاج مع غيرهم من شعوب من بلاد بعيدة.

 

ننتقل الآن لمناقشة صفة مهمة ومميزة للأعراق السامية بصورة عامة ألا وهي الأنف البارز. فعن تحدّب الأنف يقول كيث بأن “الصفة السامية أو الأرمنية للأنف إشارة إلى فرعٍ محدد من الكتلة القوقازية، وهي خاصة بشكلٍ تام بالساميين والأقوام الأرمنية، وبذلك يكون الأنف والرأس الأرمني قد تطور في جنوب غرب آسيا”. ويُذكر أن رأس الأقوام المصنفة كعرب شماليين يتقارب مع شكل الرؤوس الأرمنية أيضاً – أي الرؤوس الطويلة وهو مختلف عن رأس سكان الجزيرة العربية. ونقرأ أيضاً ما يأتي، “ينمو الأنف في الحجم نسبياً وبشكلٍ مطلق بعد منتصف العمر. وبعد منتصف العمر تكون هنالك فرصة لفقدان الأسنان ونقص في حجم الفكين، وهو ما يجعل الأنف يبدو أكثر بروزاً. والأنف لوحده كافٍ ليمنح “العربي” مكانه في الكتلة البشرية القوقازية على الرغم من لون بشرته السمراء أو الداكنة. فبين أوساط العرب، وكما هو الحال في اليهود، لا يكون الأنف في العادة مضغوطاً من الجانبين عند منتصف طوله، وفي كلٍ من المجموعتين يكون هنالك إمتلاء في العادة عند الجزء الأعلى من الجزء العظمي من الأنف.” وبذلك يكون الوجه الطويل والأنف المعقوف “الصقري” ميزة للمصنفين كعرب، وقد وجد كيث بأن 31 من أصل 38 من البدو الذين شملتهم الدراسة ينتمون لهذا الصنف.

 

وبهذا نعلم بأن الأنف الطويل ميزة قوقازية وسامية، يثبت ذلك من خلال إنعدام وجود أنوف قصيرة في المجموعة البدوية التي تمت دراستها (38 فرد)، وعدم وجود أنوف طويلة إلا بنسبٍ محدودة أو تكاد تكون منعدمة في الهند ومصر. فنقرأ ما كتبه كيث، “إن متوسط طول الأنف أكبر ما يكون عليه في صفوف البدو، وأقل ما يكون عليه بين الجنود العراقيين. في حين أن عرض الأنف أقل ما يكون عليه في صفوف الجنود وأكبر ما يكون عليه في صفوف عرب كيش.” وهو ما يراه كيث بأنه بروز للعناصر الدرفيدية “من جنوب الهند” في صفوف عرب كيش – التي يفترضها – وتتمثل هنا بالأشخاص ذوي الأنوف العريضة بشكل أكبر من معدل البقية في المنطقة. حيث أن الأنوف العريضة صفة أفريقية وتبرز بوضوح في مصر وأفريقيا وجنوب الهند وتكاد تكون منعدمة في العرق القوقازي. فبالنسبة لطبيعة الأنف في أوساط البدو نلاحظ الجدولين الآتيين كما أوردهما السير آرثر كيث.

 

الفئات أنف قصير – أقل من 50 مم أنف متوسط 50-60 مم أنف طويل – أكثر من 60 مم
عدد الأفراد من أصل 38 0 16 22

 

 

عرض الأنف ضيق جدا – أقل من 30 مم ضيق نسبيا 30-36 مم عريض نسبيا 36-42 مم عريض جدا – أكبر من 42 مم
عدد الأفراد من أصل 38 0 22 15 1

 

 

وبحسب كيث، تميل أنوف الجنود الأكثر شيوعاً لأن تكون متوسطة الطول، وليست هنالك أية أنوف قصيرة ضمن الخمسين جندياً الذين شملتهم الدراسة. فيما كان هناك 41 جندياً بأنوف متوسطة الطول و9 بأنوفٍ طويلة. أما في المجموعات الأخرى من “العرب” فتميل الأنوف الطويلة للهيمنة. ولم تكن هنالك أنوفٌ ضيقة في مجموعة الجنود مع جندي واحد بأنف عريض. وبالتالي يمكن لنا أن نستنتج بأن صفة الأنف الزنجي “القصير والعريض” غير شائعة في سكان العراق لأن الكتلة المهيمنة هي السامية القوقازية. ويعلق كيث بالمثل فيكتب، “لطالما تمت تغذية بغداد والبلدات الأصغر الواقعة على أعالي الفرات بمجيء حرفيين من جماعاتٍ سكانية أخرى من غير السكان المحليين في العراق. ولهذا فإن الجنود القادمين من هذه المناطق يتوفرون على جباهٍ عريضة وأنوفٍ أقصر وأضيق.” وهنا أعتقد بأن هنالك حاجة ماسة لإجراء دراسة على سكان المناطق الواقعة شمالي بغداد – فهم وعلى الرغم من إنتشار الفكر القومي العربي في أوساطهم – أبعد بدرجة عن الصفات الخاصة بجنوب الجزيرة العربية، أو أن هذا يثبت – كما أفترض وكما يقول الباحث إيغور ليبوفسكي – بأن العرق السامي أساساً من الشعوب القوقازية في الشمال، وأن صفاتهم إنتشرت جنوباً للجزيرة العربية فيما بعد وليس العكس، وأن السكان الأصليين للجزيرة العربية من الملونين ذوو الصفات الحامية كما يفترض كيث في الكتاب صدد المناقشة أيضاً.

 

 

العرب “ثقافيا” جزء من الكتلة التطورية القوقازية

 

ذكرنا فيما تقدّم بأن شكل الرؤوس والوجوه لدى المصنفين على أنهم عرب يميل لأن يتشابه مع الرؤوس والوجوه الطويلة للأرمن والقوقازيين، فضلاً عن الأنف البارز الذي يعتبر بحد ذاته كفيلا بوضع العرب ضمن الكتلة القوقازية بجدارة وبغض النظر عن لون بشرتهم الداكنة – لأن هذا الأنف سمة للساميين والقوقازيين – فضلاً عن كونه صفة تدل على التميز العالي بين الأفراد. وعن تفسير ذلك نقرأ ما كتبه كيث، “هنالك سببٌ وجيه للإعتقاد بأن الشكل الأرمني للرأس ينتقل من جيلٍ إلى آخر بحسب قانون مندل للوراثة. ولما كان العرب ينتمون للعرق ذي الوجوه الطويلة، فبإمكاننا أن نفترض، عندما نعثر على جماجم أرمنية الشكل في المجتمع العربي، بأنها تمثل استيراداً من الشمال.” وأتساءل هنا إذا ما كان لذلك علاقة بالأصل الشمالي للشعوب الحالية وهجرتها نحو الجنوب – وليس العكس – أم لا. وعن لون البشرة يعلق السير كيث بما يلي، “يجب أن نعتبر العربي عضواً في الكتلة البشرية القوقازية. فعلى الرغم من القدرة على تمييزه من خلال المظهر الخارجي عن الحاميين والأعراق الأفريقية الأخرى، إلا إن العربي يتوفر على العديد من الصفات الزنجية الصغيرة.” الأنف البارز يتواجد أيضاً في شمال غرب الهند، حيث يمل الناس هناك لمنافسة العرب في تطور الأنف، بحسب كيث، وهذا ما يجعلني أفكر في أننا كلما إتجهنا شمال خط الإستواء كلما أصبح الأنف أكثر ميلاً للنمو – حتى تجاوز المنطقة المعتدلة الشمالية، فضلا عن التفسير التاريخي للموجات الآرية التي دخلت مناطق باكستان وأفغانستان وشمال الهند. ويؤكد كيث الإنتماء القوقازي لعرب الشمال بما يأتي، “الأنف العظيم ميزة قوقازية، فعلى الرغم من الخصائص الزنجية، والبشرة الملونة، والنمو المتفرق للحية، والشفاه الغليظة، وغيرها من صفات، فإن للعربي خصائصه القوقازية المتطورة إلى أقصاها. كما ويرتبط الأنف العظيم مع التفرد الواضح للأشخاص.”

 

 

العناصر الدرفيدية بين “عرب الشمال” وشيوعها مع الإتجاه جنوباً:

 

في البداية، يختلف سكان العراق عن السلالة الدرفيدية بشيوع الأنوف البارزة والوجوه الطويلة والرؤوس الأكبر نسبياً، وكل هذه عناصر قوقازية، لكن هنالك استثناءات لا يمكن إغفالها تحمل صفات درفيدية وأخرى درفيدية-آرية، بحسب ما وجده السير كيث. وتميل العناصر الدرفيدية للتركز بين عرب كيش بينما العناصر الدرفيدية-الآرية تنتشر بين سكان بغداد والمدن الواقعة إلى شمالها. لكن هنالك تقارب في حجم الرؤوس ولون البشرة بين المصنفين كعرب والسلالة الدرفيدية في الهند، لاسيما طبقة التشهاتري Chatri، ويلاحظ ذلك بكثرة في عرب كيش في جنوب العراق. وهذه الصفة موجودة عند المصريين مع كون الأخيرين متميزين جداً بالصفات الحامية أكثر من سكان الشرق الأدنى ذوو الطابع القوقازي. ولإجراء مقارنة حول حجم الرؤوس سأترككم مع الجدول الذي أورده السير آرثر كيث الذي يظهر إختلاف البدو والجنود العراقيين والمصريين في حجم رؤوسهم عن حجم رؤوس الهنود الدرفيديين وعرب كيش وعرب الجزيرة العربية أيضاً.

 

  رؤوس صغيرة رؤوس متوسطة الحجم رؤوس كبيرة
المصريون (50 فرد) 18 31 1
الجنود العراقيون (50 جندي) 18 30 2
البدو (38 فرد) 13 24 1
الدرفيديين – التشهاتري (50 فرد) 27 23 0

 

 

يقول كيث بأن “هنالك أسباب، إلى جانب شكل الرأس، تجعلنا نفترض بأن السلالة الدرفيدية والعربية تمتلكان صفات موروثة من كتلة بشرية تطورية مشتركة – وهي المورثة التي تم الإحتفاظ بها بشكلٍ أكثر كمالاً من قبل السكان المحليين في الهند عما هو عليه الحال بالنسبة لسكان الجزيرة العربية.” وأعتقد بأن العوامل الجغرافية المتعلقة بموقع الشرق الأوسط وكونه قد تعرض لغزوات متعددة من جهات مختلفة تلعب دوراً في هذا الإختلاف وغلبة العناصر القوقازية عن الدرفيدية والأفريقية. ولهذا نرى أن سكان الأجزاء الشمالية من العراق أقرب للعناصر الدرفيدية-الآرية في شمال الهند كما هو الحال في الشبه بين جنوب الهند وجنوب العراق، وأفترض بأن للمد الآري على شمال الهند وباكستان سبب في ذلك التغيير، وبالتالي فإن شمال كلا البلدين أكثر إمتزاجاً مع أعراقٍ أخرى من بقية أجزاء البلاد. فنقرأ ما كتبه كيث، “يقترب السكان المحليون في البنجاب من السكان “العرب” في العراق من ناحية شكل وحجم الرأس، وهو ما يجب أن يُعطى أهمية بالغة عند العمل على تحديد إنتماءات الشعوب العربية.”

 

ومن العناصر الأخرى المهمة للمقارنة هنا “الأنف البارز”، حيث لم تكن هناك أية أنوف طويلة في صفوف طبقة التشهاتري الدرفيدية في جنوب الهند، وهو ما يعني بأن “العربي” لم يحصل على أنفه الطويل من الهند أو مصر. في حين أن البشتون، الذين يعتبرون من سلالة درفيدية-آرية، يمتلكون أنوفاً بارزة كالقوقازيين “من أرمن وساميين”، حيث أن الدماء الآرية تؤدي لإنتاج أنوف أطول وأرفع بحسب كيث. وبذلك يكون “الأنف البشتوني أقرب بخطوة إلى الأنف العربي منه إلى الأنف الدرفيدي أو المصري.” وبالتالي فإن هناك صلات بين المصنفين كعرب والهنود من السلالتين الدرفيدية والدرفيدية الآرية، كما إن هنالك فوارق، ومن المؤسف أن آرثر كيث لم يذكر نسبة إمكانية المزج بين هذه الأعراق من ناحية المظهر الخارجي. لكن تبقى عناصر أخرى كفوارق بين هذه السلالات لترجح كفة الكتلة القوقازية بالنسبة لسكان العراق.

 

 

الناطقون بالعربية اليوم: قوقازيين مع القليل من الصفات الأفريقية

 

يقول كيث بأن “المرء قد يعتقد بأن عدداً معتبراً من العرب يحملون ملامح حامية، كتلك التي من الممكن أن تقودنا للخلط بينهم وبين المصريين أو حتى الصوماليين، لكن الأمر ليس كذلك”، ففي قائمة كيث لم يُظهر سوى تسعة عرب ملامح تحمل شبهاً بالمصريين. وعن الصفات الزنجية بين العرب – وأظنه يقصد سكان الجزيرة العربية هنا – يكتب كيث، “من بين الملامح الزنجية التي يمكن اعتبارها طبيعية في العرب: الشفاه الممتلئة والبارزة إلى الخارج قليلاً، قصر وامتلاء الأنف، وبعض الفراغات في مناطق نمو اللحية بين الشفة السفلى والذقن وكذلك على الخدين، والعيون الفاتنة المماثلة لعيون الغزلان، والبشرة السمراء الداكنة، وميل لنمو الشعر بشكلٍ ملفلف.” لكن كيث يعتقد بأن “صفات العرب الأكثر زنجية غالباً ما تكون مشتقة من السلالة الدرفيدية الهندية أكثر من كونها موروثة من أفريقيا الحامية.” لكن كيث يلاحظ عن عرب الجزيرة العربية شيوعاً أكبر للصفات الزنجية، حيث نقرأ، “على الرغم من أن العربي اليوم متمايز بشكلٍ شديد الوضوح عن زنوج أفريقيا، إلا أنّ مما لا شك فيه إنهما قد إمتلكا في وقتٍ ما تمثيلاً في كتلة أسلاف واحدة، حيث إنه ليست هناك أية طريقة أخرى تفسر شيوع بعض الملامح الزنجية بين سكان الجزيرة العربية.” وهنا أفترض بأن هنالك تفسيرين لذلك، إما أن السكان الأصليين للجزيرة العربية سود في الأصل وأصبحوا أفتح بمرور الوقت من خلال الإختلاط بأعراقٍ أخرى، وهو ما سيفترضه كيث فيما بعد، أو أن تكون العناصر السوداء وافدة من خلال الهجرات عبر مضيق باب المندب، أو من خلال التزاوج مع العبيد القادمين من أفريقيا أيام إنتشار الرق، وهي ظاهرة لم تنتهي في الخليج حتى ستينيات القرن الماضي، وعبر تاريخهم كان العرب معروفين بتصدرهم لتجارة الرقيق. ومما يعزّز ذلك كون العناصر الأفريقية تقل كلما إتجهنا شمالاً. يفسر كيث ذلك بوقوع المنطقة على الحد الفاصل بين خطوط تطورية متباينة، حيث يكتب، “كان السكان الأصليين للجزيرة العربية ملونين بشكلٍ داكن ولهم صلات بالحاميين في أفريقيا من جهة والسلالة الدرفيدية في الهند على الجانب الآخر. فإلى الشمال من الحزام الأسود يقع مركزان تطوريان آخران هما: المركز المغولي، الممتد إلى شمال جبال الهملايا، والمركز القوقازي، إلى الشمال من الهضبة الجبلية المرتفعة الممتدة غرباً من جبال الهملايا مروراً بإيران وآسيا الصغرى.” وعليه فإن سكان المنطقة يمثلون عرقا هجينا بين كل هذه المراكز التطورية وليسواً عرقاً محدداً بشكلٍ تام.

 

 

المصريون كتلة بشرية أكثر تجانساً وتمايزاً عن العرب:

 

أما بالنسبة للمقارنة مع المصريين، فإن الشعب المصري يبدو ككتلة بشرية أكثر تجانساً ممّا هو عليه الحال في سكان الشرق الأدنى، وأميل للإعتقاد بأن ذلك يمكن أن يُفسر جغرافياً، لأن التركز البشري حول وادي النيل منعزل شرقاً وغرباً بصحارٍ شاسعة ساهمت في تدفق موجات صغيرة من المناطق الأخرى مما يسهل إنصهارها مع الكتلة الأكبر وعدم شيوع صفاتها بشكلٍ ملحوظ بين صفوف المصريين. فمن ملاحظة كيث لحفل يظهر في جنود مصريين – أغلبهم من منطقة الدلتا – يكتب ما يأتي، “لقد توصلت إلى استنتاجٍ مفاده أن جنسية ما لا يقل عن 85 في المئة من أولئك الجنود المصريين بالإمكان تحديدها بمجرد النظر. فالمصري متمايز بشكلٍ أكثر وضوحاً كمجموعة عرقية أكثر ممّا هو الحال عليه في العربي، والسبب في ذلك يعود لكون علاقته بالكتلة القوقازية أكثر بعداً من علاقة العربي بها.” ويوضح في موضعٍ آخر بأن “المصري والعربي متناقضان أو متمايزان بوضحٍ كبير في المظهر الجسدي.” ومن الفوارق البارزة بين المجموعتين البشريتين “الأنف”، حيث أن الأنف المصري، بحسب كيث، يشبه ذلك الذي يظهر خصائص حامية أفريقية. ففي عينات المصريين من واحة الخارجة، كان معدل طول الأنف 49 مم، ومعدل العرض 37.3 مم، ليشكل العرض بذلك نسبة 76.3% من طول الأنف. ففي المصريين تميل الأنوف لأن تكون قصيرة وعريضة، وهو العكس تماماً في الساميين والقوقازيين. فمن بين 50 “عربياً” هنالك 26 فرد بأنوفٍ ضيقة للغاية “أقل من 30 مم” مقابل مصري واحد من بين الخمسين مصري. وفي ذات العينة لم يكن هنالك أي عربي بأنفٍ عريض “42 مم وأكثر” مقابل وجود خمسة مصريين من هذه الفئة. فيما تشكل فئة الأنوف الضيقة بشكلٍ معتدل الفئة الشائعة بين “عرب الشمال” مع 29 شخص من أصل 50، مقابل شيوع الأنوف العريضة بشكلٍ معتدل بين المصريين مع 15 شخص من أصل 50، أي إن التوزيع يمثل العكس تماماً. أما من ناحية طول الأنف، فقد كان هناك 16 عربياً شمالياً بأنوف طويلة (60 مم وأكثر) مقابل 3 مصريين من أصل 50، في حين أن الأنوف القصيرة سائدة في مصر مع 28 مصري من أصل 50 مقابل 4 من العرب فقط. وبذلك يكون تطور الأنف صفة مميزة “للعرب”. وهنا يجب أن أشير إلى أن سكان الجزيرة العربية لهم أنوف أكثر قرباً للأفارقة، وأن هذه النتائج تخص “عرب الشمال”.

 

 

علاقات ضئيلة مع الكتلة التطورية المغولية:

 

وبمقارنة السكان المحليين بالكتلة التطورية الآسيوية (المغولية) نجد كيث يسجل صلات ضئيلة جداً مع هذه الكتلة، حيث نقرأ، “من بين 223 عينة من “عرب الشمال”، فإن المجموعة التالية من العرب ذوو الأشكال الشاذة عن المجموعة – بعد الشبه مع الأوروبيين – تظهر صفات تربطهم بشعوب آسيا الصغرى والشعوب الإيرانية، حيث أن هنالك 16 عربياً من ضمن هذه المجموعة، ما يعني أنهم يشكلون نسبة أكثر من 7 في المئة. فيما كانت هناك صلات ضئيلة محددة تربط هؤلاء العرب مع شعوب أفريقيا والهند.” وتعبيراً عن إستغراب كيث لهذه النتائج نراه يكتب، “ولما كان العرب يشغلون موقعاً جغرافياً يقع بين مركز تطور النوع الزنجي في أفريقيا ومركز تمايز النوع المغولي في آسيا، فمن المتوقع أن من الواجب أن تتواجد بينهم صفاتٍ مغولية فضلاً عن الصفات الأفريقية، لكن الأمر ليس كذلك.” وأتساءل هنا إذا ما كان كيث قد أولى العينات التي درسها بين الجنود العراقيين إهتماماً يختص بالخلفية العرقية لهم كأن يكونوا من التركمان أو الأكراد أو الآشوريين أم أنه إعتبر الجميع عرب، أم أن العينات كانت فعلاً لمن يصنفون على أنهم من القومية العربية في خانة الهوية فقط، لاسيما وأن بعض الجنود منحدرين من مناطق بغداد وكركوك والموصل والسليمانية وبعقوبة كما سنرى فيما بعد.

 

 

ملامح أوروبية بنسبة معتبرة كلما إتجهت شمالاً وشرقاً:

 

أما عن الصلات بجنوب أوروبا ومناطق البحر المتوسط، الفئة التي تظهر النسبة الأكثر شبهاً بسكان العراق، لاسيما من الجنود، فنقرأ ما يكتبه كيث، “التشابهات الأكثر شيوعاً التي إكتشفتها في سلسلة الجنود العراقيين هي لرجالٍ من نوع البحر المتوسط”. ففي سلسلة مؤلفة من 223 “عربياً شمالياً”، وجد بأن هناك 54 منهم يمكن للمرء أن يخلط بينهم وبين اليونانيين وسكان جنوب إيطاليا، مما يمنحهم علاقات مع جنوب أوروبا نسبتها أكثر من 24 في المئة. كما يلاحظ كيث علاقة بين التقدم في السن وزيادة الملامح الأوربية بين السكان المحليين، فنقرأ، “أميل لفكرة أن العربي عندما يكبر في السن يصبح أكثر شبها بالملامح الأوروبية. في الحقيقة، لقد وجدت من الصعب جداً التمييز بين العرب، والمصريين، والهنود، وسكان جنوب أوروبا عن بعضهم البعض في فترة الطفولة عن ما هو الحال في فترة البلوغ.” كما يذكر كيث مثالاً في صورة العربي الوسيم رقم 320، وكيف أنه إذا ما كان يرتدي بذلة أوروبية فإن لون بشرته وتوزيع اللحية عنده قد يكشف عن أصله للعين الخبيرة، ولكنه يشك في إمكانية تمييزه. ويشير كيث إلى أن الملامح الأوربية تزداد كلما إتجهنا شمالاً وشرقاً، حيث كتب، “ينحدر الجنود ذوو الأشكال الشبيهة بالأوروبيين من بغداد والمناطق الواقعة إلى شمالها – الموصل، وكركوك، والسليمانية. كما إنهم ينحدرون أيضاً من الجانب الشمالي الشرقي للسهل – من الضفة الشمالية لنهر دجلة وما بعدها.

 

على سبيل المثال، توفر العمارة، وبعقوبة، والبصرة نسبة أعلى من الأفراد ذوو الملامح الشبيهة بالأوروبيين من أولئك القادمين من الجانب العربي للسهل – أي جانب نهر الفرات.” ويكرر كيث بأن “54 من أصل 223 جندي (أي أكثر من 24%) من الممكن أن يعتبرهم المرء من سكان جنوب أوروبا”. وأعتقد هنا بأن كيث يتكلم عن الملامح مع إغفال اللون، لأنه لم يذكر شيئاً بهذا الخصوص. كما إنه لم يطلع بالتأكيد على معلومات تفيد بحدوث هجرات قديمة – قبل 10000 عام – من العراق وسوريا إلى أوروبا وصولاً إلى أسكتلندا. لكن كيث توصل من خلال مقارنة البدو بالأوروبيين إلى أن البدو يمتلكون رؤوساً وأدمغة أصغر من الأوروبيين، حيث تبلغ سعة الجمجمة لرجلٍ إنجليزي عادي 1480 مليلتر، في حين أن الرؤوس الكبيرة في البدو بحدود 1450 مليلتر. وفيما يتعلق بملامح الوجوه، فإن الأمر يتشابه من حيث التوزيع الجغرافي مع ما ذكره كيث سابقاً، حيث كتب، “تشاهد الوجوه الأوروبية بين الرجال من بغداد، وكركوك، والموصل، والسليمانية، بالإضافة إلى 19 شخص من كوت العمارة.” وبالتالي فإن كيث يستنتج بأن السكان المحليين لهم “وجوه قوقازية تشبه تلك الموجودة في جنوب أوروبا إلا إن لهم لون بشرة أغمق مع خواصٍ زنجية تربطهم بالدرفيديين والحاميين.”

 

 

عرب الشمال أكثر قوقازية وعرب الجزيرة أكثر صلة بالدرفيديين والحاميين:

 

يختلف العرب في الجزيرة العربية عن “العرب” في العراق والشام، وهذا ما يرجح فكرتي بأن العرق السامي أساساً لم ينشأ في الجزيرة العربية بل في الشمال، وأن هناك فروق كبيرة – أكثر قوقازية في الشمال – عن سكان الجزيرة العربية كلما إتجهنا جنوباً – حيث تزداد الملامح السوداء. حيث يكتب كيث، “العربي الجنوبي ذو رأسٍ مستدير بشكلٍ كبير، في حين أن العربي الشمالي يكون ذو رأسٍ طويل بشكلٍ كبير. بل أن نوع الوجه، الشائع جداً بين البدو في الشمال، لا يظهر أبداً في الجنوب. لكن كلاً من عرب الشمال والجنوب “هنا يقصد البدو الذين تمت دراستهم وليس سكان المدن” يتشابهون في إمتلاكهم لرؤوسٍ صغيرة الحجم.” ومع ذلك فإن حجم رؤوس عرب الجنوب أصغر من رؤوس الشماليين. وأترككم هنا مع جدول يقارن بين المؤشر الرأسي للمجموعتين كما أورده آرثر كيث:

 

المؤشر الرأسي أقل من 70 أقل من 75 75-80 أكثر من 80 أكثر من 85
عرب الجنوب 0 0 1 11 20
عرب الشمال 8 22 6 2 0

 

 

وبالتالي فإن التوزيع هو تماماً العكس بين المجموعتين. وبالتالي يكون عرب الجزيرة، والبشتون، والدرفيديين في الهند هم من ذوي الرؤوس الصغيرة بشكلٍ فائق، في حين أن العربي الشمالي يمتلك تمثيلاً بأكثر من النصف (50%) ضمن فئة الرؤوس المتوسطة الحجم. لأننا ذكرنا سابقاً بأن المنطقة بصورة عامة ذات رؤوس أصغر من الأوروبيين، بل وأصغر من أحجام رؤوس الهياكل العظمية من الألف الرابع قبل الميلاد. فالتوزيع بالنسبة لحجم الرأس من عينة من 200 عربي شمالي كانت كما يأتي: 4% رؤوس كبيرة، و49.5% رؤوس متوسطة الحجم، و46.5% رؤوس صغيرة، ومن بين الرؤوس الصغيرة كان هناك 5 أفراد فقط (2.5%) بحجم رأس أقل 1150 مليلتر. وأعتقد بأن الإستثناءات قد تمثل تزاوجات من خارج المنطقة، أو نتيجة عوامل تتعلق بالتغذية أو خلل في هرمون النمو. وبالتالي فإن عرب الجزيرة لديهم رؤوس صغيرة ومستديرة بينما يمتلك عرب الشمال رؤوساً طويلة وصغيرة – مع نسبة 10% فقط من الرؤوس المستديرة. كما إن عرب الجنوب يمتلكون شعراً مجعداً – وهي صفة حامية تربطهم بسكال شمال شرق أفريقيا – أكثر مما هو عليه الحال بين عرب الشمال، ويعلق كيث على ذلك بما يلي، “في الجنوب، لن يرى المرء على الإطلاق الملامح الواضحة للبدو الشماليين.

 

وقد قادتني المقارنة بين العرب الشماليين والجنوبيين إلى الإستنتاج بأن هذين الشعبين يجب أن يعتبرا من ضمن ذات العرق. ففي كلٍ من عرب الشمال والجنوب، نرى تماثلاً من ناحية لون البشرة الداكن، والملامح الجسدية وملامح الوجه، والتي تربط العرب بالكتلة القوقازية وتفصلهم عن شعوب أفريقيا والهند ذات البشرة الداكنة بشكلٍ مماثل لهم.” لكنني أعتقد بأن المجموعة البشرية ككل ليست عرق بل تدرج بين أعراق مختلفة بسبب وقوعها على الخط الفاصل بين الكتل التطورية الرئيسية، وبالتالي فإن الملامح تتغير وتزداد الصفات التي تربطهم بالقوقاز أو أفريقيا أو الهند بحسب المناطق الجغرافية وقربها من تلك الكتل، وبالتالي فإنه عرق هجين، مع تجاهل تأثيرات الغزوات المتعددة من الشرق والغرب، كالفرس والمغول والسلاجقة والأتراك والإغريق والرومان وغيرهم. ويعزز هذا الرأي التباين في توزيع الملامح المختلفة بين المجموعات المختلفة ضمن العينات التي تمت دراستها في العراق، حيث يكتب كيث، “تظهر المجموعات المختلفة توزيعاً مختلفاً – فالبدو يختلفون عن المجموعات الأخرى في نقاطٍ أخرى – وتختلف مجموعة بغداد-الموصل عن المجموعات الأخرى.”

 

 

هل العرب نوع منفصل؟

 

شخصياً، أعتقد بأن “العرب” نوع هجين يمثل التداخل بين الكتل التطورية الرئيسية التي تقع المنطقة على حدودها، وكمنطقة تتوسط بين الأعراق المتمايزة بشكلٍ كامل. ويذهب السير آرثر لذات الإستنتاج، حيث نقرأ، “يشير دليلي، بحسب ما توصلت إليه، إلى أن العرب فرع من الكتلة التي تشغل منطقة جنوب غرب آسيا وجنوب أوروبا، فالعربي عضو غير متمايز بشكلٍ كامل – وبالتالي فإنه غير متكامل في مظهره الجسدي – عن الكتلة القوقازية الأكبر. وبحسب نظام التسمية الخاص بي، فإن العرب عرق متمايز جزئيا mesodiacritic، أي إنه عرق متمايز للدرجة التي يمكن معها تمييز 40-60% من أفراده من بين أي حشد بشري عالمي بمجرد النظر. ولم يكن الجندي المصري أو الهندي هو الذي يُرجح أن أخلط بينه وبين الجندي العربي “الشمالي” بشكلٍ أكبر. فللعربي الشمالي صلة بجنوب أوروبا، فمن بين الجنود العراقيين كانت هنالك نسبة 24% ممّن يمكن إعتبارهم من سكان البحر المتوسط. كما إن للعرب أيضاً صلات ببعض الأعراق الآسيوية (ما نسبته 7%).” ويضيف في موضعٍ آخر قائلاً، “أرى بأن العرب نوع من المجموعة السكانية للجزيرة العربية عبر تزاوجات إنتقائية إستمرت على مدى أجيالٍ عديدة”. ففي النهاية يمتلك “العربي” وجهاً قوقازياً مميزاً من ناحية الطول وبروز الأنف لكن بشرته داكنة، وهذا يدل على صلات بين العرب والحاميين، والدرفيديين، والدرفيديين-الآريين، والإيرانيين، والساميين، وسكان جنوب أوروبا، ليكونوا بذلك منصهرا لكل هذه الصفات المتباينة التي خلقت عرقاً غير متمايز عن كل هذه الأعراق بشكلٍ كامل.

 

 

نظريات تفسر هذا الخليط من الصفات:

 

يجب فهم المناطق التطورية في البداية لإستيعاب ذلك، وهنا نقرأ ما يلي: “بحسب راتزيل، يقع العراق على أو بالقرب من حدٍ إثنولوجي. فإلى الشمال منه، في المنطقة الجبلية، يقع موطن الإيرانيين والشعوب القريبة منهم. وفي مجموعة الشعوب الإيرانية يمكن لنا أن نضم شعوب آسيا الصغرى (العثمانيين كما أسماهم راتزيل). ثم منطقة الجزيرة العربية، من البحر الأحمر وحتى الخليج الفارسي، ومن الشام حتى المحيط الهندي، وهي ما يشير إليه راتزيل على أنه موطن الساميين. ويتمثل الساميون في إنتشار عبر شمال أفريقيا ليحتلوا السواحل الجنوبية للبحر المتوسط. وإلى جوار الجزيرة العربية من جهة الغرب والجنوب، ولكن منفصلاً عنها بالبحر الأحمر، يقع موطن الحاميين. حيث يشغل الحاميون مساراً في أفريقيا، من شرق النيل، والممتد من القاهرة في الشمال وحتى زنجبار تقريباً في الجنوب. وأبعد من ذلك في الشرق، تقع الهند، والتي تشغلها أعراق ذات بشرة داكنة ممثلة بالدرفيديين في الجنوب والدرفيديين الآريين في الشمال.” وبالتالي فإن “العرب” المنحدرين من الكتلة القوقازية قد تأثروا بكل هذه الصفات بشكلٍ أو بآخر نتيجة لموقعهم الجغرافي على تخوم هذه الكتل الإثنولوجية المتباينة. ويعتقد كيث بأن الجزيرة العربية في العصر البلستوسيني “العصر الحديث الأقرب من 2,588,000-11,700 سنة مضت) كانت أرضاً تجتذب المغامرين من الصيادين. وبالتالي فإن كيث يناقش أحد إحتمالين كما نقرأ في السطور التالية مترجمة من مقدمة الكتاب، “من الممكن أن تمثل شعوب المنطقة العربية مزيجاً من السلالة الدرفيدية ذات البشرة الداكنة تعرضت لتشريب دمائها بعناصر غازية من الحافة الجنوبية أو السامية للمركز القوقازي. وتفسر هذه النظرية العديد من الحقائق المرتبطة بالتركيب والصلات العرقية لسكان الجزيرة العربية. أم أن المركز التطوري للنوع القوقازي قد إمتدّ بالفعل إلى المنطقة العربية؟ وفي الحالة الأخيرة، سيكون من الممكن أن يمثل العرب عرقاً تطورياً نقياً.” وبهذا الصدد أرى بأنني أميل لنظرية وفود عناصر من الشمال، وأن تكون تلك العناصر قوقازية هي السبب في جعل المظهر الخارجي للسكان يختلف كلما إتجهنا جنوباً، وبالتالي فإن موطن الساميين هو شمال ما بين النهرين. أما عن الشبه مع جنوب أوروبا، فإن من شأن التواجد الهيليني التاريخي في الشام وشمال العراق أن يفسر ذلك.

 

 

أهمية دراسة أنثروبولوجيا المنطقة:

لما كانت هذه المنطقة مهد الحضارات الأولى، وموطن مؤسسي الديانات الإبراهيمية، فمن المهم دراسة علاقة السكان الحاليين بالسكان القدماء للمنطقة، ولأي درجة يمثلون عرقاً منحدراً من السكان الأصليين. ويعتقد كيث بأن التقصير في ذلك يعود لتحفظ السكان المحليين وليس بسبب تجاهل علماء الأنثروبولجيا لدراستهم.

 

ولذلك يتساءل كيث إذا ما كانت “حضارة الساميين الشماليين – يمثلون نفس السكان الحاليين من القوقازيين الأقل سمرة – حيث أن الفرق الوحيد بين سكان كيش من النهرينيين القدماء والسكان الحاليين للجزء المركزي من العراق يتعلق بحجم الجمجمة والدماغ. حيث أن معدل سعة الرأس للنهريني القديم يزيد عن معدل سعة رأس السكان الحاليين لوسط العراق. ولكنني أعتقد بأنه لا يزال بالإمكان إثبات كون “العربي” اليوم من نسل السكان الذين بنوا المدن القديمة والحضارات الأولى على ضفاف نهري دجلة والفرات.” وأعتقد هنا بأن التقارب اللغوي بين المجموعة السامية من اللغات هو الذي ساهم في إنتشار العربية بمرور الوقت، وأن السكان في أغلبهم من نسل الشعوب القديمة وقد تم تعريبها ثقافياً كما تم تتريك شعوب الأناضول خلال فترة أقصر بدءاً من القرن الثالث عشر الميلادي، بل وفي غضون أربعة قرون فقط تم تتريك القسطنطينية بشكلٍ كبير. وعليه، فإن هنالك وحدة من نوعٍ ما بين سكان العراق والشام، ليكونوا إنتقالاً تدريجياً بين سكان الجزيرة العربية في الجنوب والقوقازيين الأنقياء في الشمال.

 

أعتقد بأن دراسات جديدة تتناول الجانب الجيني ستكون أكثر أهمية من العناصر المظهرية فقط، فضلاً عن دراسات التاريخ العائلي للعينات، مع إمكانية إدخال المتغيرات الإقتصادية والطبقات الإجتماعية ضمن الدراسة، فضلاً عن فحص يتعلق بمعدلات هرمون النمو وإختلالاته، مع أخذ المتغيرات التاريخية من حروب وغزوات وأوبئة وفيضانات في إعتبارات من يقدم على دراسة جديدة من هذا النوع.

 

ختاماً، سكان المنطقة في الغالب من الكتلة القوقازية، مع وجود صفات درفيدية ودرفيدية آرية بينهم كلما إتجهنا جنوباً، مع وجود نسبة كبيرة من الشبه بين سكان العراق – لاسيما مناطق بغداد وشمالها وشرق دجلة – مع سكان جنوب أوروبا والبحر المتوسط (نسبة 24%)، ووجود صفات آسيوية بنسبة أقل (7% فقط). كما أن هنالك فروقات بين “عرب الشمال” وسكان الجزيرة العربية الذين تكثر فيهم الصفات الحامية والدرفيدية – ربما بسبب العلاقات التجارية بينهم وبين الهند أو الهجرات من القرن الأفريقي أو تجارة الرقيق، مع الأخذ بنظر الإعتبار نظرية أن يكون السكان هناك بالأصل داكني البشرة وتغيرت ملامحهم بسبب مد قوقازي من الشمال – وهو ما أرجحه – بناءاً على التوزيع المماثل للصفات بين جنوب الهند (الدرفيديين) وشمالها (الدرفيديين الآريين في البنجاب) بسبب مد آري أثر على الشمال أكثر من تأثيره على الجنوب. وبالتالي فأن العرق العربي عرق إنتقالي غير متمايز تماما (حيث يمكن تمييز نسبة 40-60% من أفراده فقط بدقة وسط كتلة بشرية عالمية) نتيجة لوقوعه على الحد الفاصل إثنولوجياً بين الكتل التطورية الرئيسية المتمايزة.

 

إقرأ أيضا