عزل مكوّنات السلطة القضائية

  بالعودة إلى الشكل الجديد لهيئة الاشراف القضائي بموجب التشريع المثير للجدل الذي تم التصويت…

 

بالعودة إلى الشكل الجديد لهيئة الاشراف القضائي بموجب التشريع المثير للجدل الذي تم التصويت عليه داخل مجلس النواب مؤخراً، تّتضح ملامح نوايا الهيمنة على القضاء بوصفه المؤسسة المسؤولة عن تحقيق العدالة في المجتمع.

 

يبدو أن هناك محاولات للتغطية على هذا الخرق والتعدي على المؤسسة القضائية، من خلال التعاطي حالياً مع تشريعات اخرى تتلاعب بمشاعر المواطن العراقي، جاءت جزء من وثيقة توزيع المناصب بين الكتل السياسية.

 

الواجب يقع حالياً على جميع الجهات ذات العلاقة في الحفاظ على المؤسسة القضائية، التي كانت سبباً في دخول العراق إلى عصبة الامم مطلع القرن الماضي، أي انها باكورة الاعتراف بالعراق دولياً.

 

اليوم بعد أن افرد الدستور لهذه المؤسسة جناحاً خاصاً، يحاول البعض اخضاعها مجدّداً من خلال التلاعب بالأساس القانوني لمكوناتها بين تغلغل سياسي ومحاولة لاقتحام مكوناتها أو عزلها عن بعضها وهو مؤشر خطير يجب الالتفات له من قبل المؤثرين في الرأي العام.

 

إن الجهات المسؤولة عن طرح القوانين واعني على وجّه الخصوص اللجنة القانونية في مجلس النوّاب ابدت منذ بداية التعاطي مع قوانين التي تنظم العمل القضائي سوء نيتها من خلال وضع مواد خطيرة تحرف هيئة الاشراف القضائي عن مسارها.

 

الكثير تحدّث عن خطورة حق عضو مجلس النواب في احالة القاضي على التحقيق بموجب هذا القانون الخطير، لكنّ ثمّة مواد اخرى لا تقل تأثيراً سلبياً على النظام القضائي العراقي.

 

الدستور أشار إلى أن هيئة الاشراف القضائي أحدى مكونات السلطة القضائية الاتحادية، في حين أن القانون الجديد وضع حاجزا كونكريتياً بمنح الهيئة الاستقلال المادي والاداري، أي بداية لإخراجها عن الرحم القضائي.

 

هذه المادة لم تأت اعتباطاً، بل لحقتها مادة اخرى وسعت من الاستثناء الوارد على مبدأ الفصل بين السلطات في الدستور الذي اوجب عرض رئيس هيئة الاشراف القضائي للتصويت عليه في البرلمان، في حين جاءت الاضافة في القانون بعرض نائبه ايضاً.

 

وهذا يعني أن عزّل الهيئة عن السلطة القضائية، سيلحقه خضوع رئيسها ونائبه لرحمة الكتل السياسية داخل السلطة التشريعية، التي تتقاسم المناصب على اساس طائفي وعرقي، وبالنتيجة سيكون الرئيس من جهة ونائبه من جهة اخرى على وفق ما جرى عليه العرّف في توزيع المناصب العليا لمؤسسات الدولة العراقية بعد العام 2003.

 

اذا كان التعامل مع قانون هيئة الاشراف القضائي بهذه الصورة الخطيرة، فللمتابع أن يتخيل كيف سيتم التعاطي مع قوانين السلطة القضائية الاخرى وقسم منها اكثر اهمية، كمجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية العليا وجهاز الادعاء العام.

 

على المتابع الالتفات إلى خطورة مساعي الهيمنة وإقحام المحاصّصة في القضاء الذي ظلّ بعيداً عن هذه المسميات طوال السنوات الماضية، فالأمر لا يعني شخصيات بذاتها تقف حالياً على راس الهرم القضائي، بل يطال مؤسسة كاملة تنذر الايام بأن المخاطر لن تبتعد عنها ما يستدعي وقفة جادة بوجهّها.

 

إقرأ أيضا