سبل إنقاذ التعليم في العراق

  توقفت طويلا عند خبر تراجع الجامعات العراقية في التصنيف الدولي والذي مر بهدوء غريب…

 

توقفت طويلا عند خبر تراجع الجامعات العراقية في التصنيف الدولي والذي مر بهدوء غريب بين اخبار أخرى محبطة، اسمحوا لي ذكر قصتي عن التعليم: أنهيت امتحان السنة الأخيرة في كلية هندسة جامعة بغداد وغادرت مباشرة الى بريطانيا صيف العام 1976، وكان سفري شخصيا لدراسة ماجستير ولأختزل سنتين خدمة عسكرية واجبة لحاملي البكالوريوس الى سنة فقط لحاملي الماجستير.

 

بعد زيارتي عشر جامعات في 3 أسابيع وافقت جامعة ويلز على مقابلتي رغم أنى لم احمل وثائق تخرج جامعية ولا درجات نجاح، قرر رئيس قسم الهندسة ان يمتحنني، فوضع أساتذة القسم أسئلتهم على السبورة وحاولت الإجابة عليها بقرابة ساعة، رفضوا طلبي مقعد دراسة الماجستير لقناعتهم بأن تعليم بكالوريوس بغداد كان مقاربا لتعليمهم الماجستير، وعرضوا مقعد دراسة الدكتوراه والتي أكملتها بأربع سنوات.

 

هكذا كان مستوى جامعات العراق، وهكذا كانت بقية مؤسسات الدولة قبيل تدهورها المستمر منذ السبعينات.

 

تصدر العراق قائمة الدول النامية وفاق استراليا في العام 1979 بمعدلاته في مستوى المعيشة والخدمة الصحية والتعليم المجاني وفرص العمل (حسب ما نشرته حينها مجلة الايكونومست).

 

تمر كل الدول والشعوب بأزمات واخطاء وكل المجتمعات تتعلم بالتجريب والمجتمعات الذكية تتعلم من تجارب الأخرين والنخب الذكية تتعلم خصوصا من تجارب الخصوم والاعداء.

 

لا نزال نمتلك القدرات لإعادة ذلك وبإمكاننا ان ننهض ونتنافس مجددا وفرصنا أفضل من كوريا الجنوبية عام 1950 حينما غيرت مجتمعها الزراعي المتخلف حينها وصارت دولة صناعية اليوم، ولكن ثمة أسبابا موضوعية تؤخرنا اليوم عن التعلم السريع ومنها أسباب ثقافية فينا ومنها أسباب مفروضة علينا.

 

أعرف جيدا أن تدمير الدولة العراقية وخراب التعليم والجامعات كان عملا منهجيا ضمن أجندات اضعاف الدولة العراقية، ولإعادة بنائها وفق أجندات غير وطنية.

 

وأعرف جيدا أن من تورط بتنفيذ مخططات تخريب الدولة هم خليط منهم جهلة سذج ومنهم انتهازيون طلبوا السلطة بثمن تخريب العراق ومنهم كارهون للعراق وقوة دولته وعراقة هويته.

 

ولكن لماذا يستمر بعضنا في دعم مؤسسات خربت العراق ولماذا ندعم ما ينشر الجهل والخرافة والزيف والفساد في كل شارع ومدينة؟

 

ثمة مثل بالإنكليزية يقول “اذا خدعتني مرة فعيب عليك، ولكن اذا خدعتني مرتين فعيب علي”. اذا انخدع بعضنا مرة باسم الدين او تحرير العراق او رفع الظلم وصدق ذلك، فالعيب أولا على من خدعنا، ولكن اذا نجحوا في تكرار الخديعة فالعيب فينا نحن.

 

لا نتوقع من العاجز او القاصر او المخرف فينا ان يتعلم لأنه معذور ولا نتوقع من السكير او المحشش ان يتعلم لأنه في غيبوبة أوهامه ولا نتوقع من الجاهل القاصر ولا من هو عبد تابع ان يتعلم لأنه يفتقر فرص التعليم “ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج”، لكن نتوقع من طلبة وخريجي الجامعات ان يتعلموا ويغيروا أجواء التعليم في العراق، فلا مستقبل ولا ارتقاء لمن لا يتعلم والبقاء للاقدر على التعلم والتنافس في عالم اليوم.

 

أرى أربع عقبات تعرقل التعلم السريع في عراق اليوم:

 

أولا: تقديس الخرافات وأقاويل تراثية لحماية المألوف والموروث (المنسوب ظلما وزورا للدين)، على حساب تشويه التعليم والمنهج العلمي

 

ثانيا: الارتياح المخدر كالافيون والتنعم بالجهل كالسكر كما يصفه المتنبي “ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم”.

 

ثالثا: استعجال النجاح الزائف بالاستفادة والمتاجرة بالخرافة وجمهور الجهلة في بيئة تحتضن الغش والمحاباة ويصعب فيها الصدق والإنتاج.

 

رابعا: تجنب مخاطر الاصرار على التعليم العلمي في بيئة خطرة مشحونة بالمسلحين وتغيب فيها الحماية ويسهل فيها اضطهاد العلماء والمتعلمين.

 

 

ما العمل؟

 

أولا: لنطور استراتيجية اصلاح التعليم اساسا لنهضة العراق، ونراعي مخاطر البيئة ونعمل في مناطق الفراغ الامنة داخل ماكنة التعليم الحكومي وخارجه.

 

ثانيا: لنبدع ونصمم دورات تعليمية تقنية مرتبطة مباشرة باحتياجات السوق المحلية والعالمية ويمكن البدء بذلك بالمعاهد الأهلية وخصوصا في المحافظات.

 

ثالثا: لنعلم الشباب كيفية الاستفادة من بوابات التعليم الرقمي وهو أسرع وأرخص تعليم في القرن الـ21 والذي يربط شباب المنطقة العربية فيما بينهم ومع مصادر التعليم في العالم.

 

رابعا: لنكثف الجهود على تنشئة شباب يجيد مهارات التعلم والتعليم ويقدس العلم وقيمته ويلتزم المناهج العلمية من اجل جودة الإنتاج والابداع في صناعة الحلول.

 

أتطلع دائما الى العمل والتواصل معكم ومتابعة مبادراتكم ومقالاتكم وان يكون لنا شرف وحظ المساهمة في نهضة العراق وشعبه.

إقرأ أيضا