صراع المنجز الأوحد

  تحول مشروع قانون “حرية التعبير والتظاهر السلمي” الى قانون مزمن في مجلس النواب العراقي،…

 

تحول مشروع قانون “حرية التعبير والتظاهر السلمي” الى قانون مزمن في مجلس النواب العراقي، نتيجة الصراع بين الإرادة السياسية المهيمنة على مفاصل وقطاعات الدولة والمجتمع، وبين الشارع الذي يَعتبر حرية التعبير هي المنجز الوحيد الحاصل عليه في عراق ما بعد 2003.

 

وقبل استنتاج مرادات الكتل السياسية المهيمنة على البرلمان، لابد من سرد تاريخي سريع لحكاية الصراع بشأن القانون، إذ صاغته حكومة المالكي عام 2011، وارسل الى مجلس النواب في ذات العام، وكان بمثابة الورقة السياسية المثالية للضغط على خصوم رئيس الوزراء السابق.

 

ومنذ عام 2011 وحتى قبل أيام قُدمت عدة مسودات لتعديل مشروع القانون من منظمات مجتمع مدني وكتل سياسية ولجان نيابية وهيئات مستقلة كالاعلام والاتصالات بالتعاون مع شبكة الاعلام العراقي، الا ان القانون تعطل نتيجة الصراع السياسي الممتد من السلطة الى أروقة البرلمان انذاك، والذي أدى الى إيقاف صفقات تمرير القوانين تحت مسمى “السلة الواحدة”.

 

مع تسنم حيدر العبادي منصب رئاسة مجلس الوزراء عام 2014، أعاد كل القوانين المعطلة والمؤجلة وبضمنها هذا القانون الخطير، وغيره الأخطر كـ”جرائم المعلوماتية”، في أولى اجتماعاته، الى مجلس النواب، دون ان يعدل في مسودته او صياغاته.

 

وكلف سليم الجبوري رئيس البرلمان لجنة حقوق الانسان بدراسة القانون والتشاور مع اللجان القانونية والثقافة والاعلام، من اجل انضاج المسودة التي اعتبرها الجبوري منجزا لمجلس النواب في حال تمريره.

 

وبعد سلسلة مباحثات ونقاشات بين اللجان المعنية والمنظمات المختصة، خلصت لعقد جلسة استماع داخل البرلمان، بحضور اكثر من 45 منظمة محلية ودولية معنية بالقانون، قدمت خلالها 3 مسودات جاهزة، الا ان اللجان النيابية رفضت اعتماد أي من النسخ، وطلبت وقتا لدمجها في التعديلات المبنية على الملاحظات المقدمة في الجلسة، حتى عقد اجتماع أخير بينها وبين المنظمات، وتم الاتفاق على صياغات مرضية للطرفين.

 

وبينما تجمّد القانون في أروقة البرلمان لعدم قبول الإرادة السياسية المهيمنة على اللجان البرلمانية بالتعديلات الناتجة، شهدت بغداد موجة تظاهرات واعتصامات على محيط المنطقة الخضراء، قادها التيار الصدري، أدت الى اقتحام البرلمان ومجلس الوزراء؛ وخشية تكرار ذلك دفعت كتلا سياسية لنفخ الروح في هذا القانون، فانعكست تلك الاحتجاجات على المشرع السياسي، واستخدمت كذريعة لاقناع النواب بالمساهمة في تمريره.

 

اختُبرت منظمات المجتمع المدني والتيارات الأخرى على مدى السنوات الثلاث الماضية 3 مرات، الأولى عندما نظمت اللجان المعنية والمنظمات المدنية جلسة استماع شاملة، والثانية عندما دفع رئيس اللجنة القانونية السابق محمود الحسن لجنة حقوق الانسان لادراجه على جدول اعمال المجلس، والثالثة هذه الأخيرة التي نجحت فيها المنظمات باقناع البرلمان تأجيل التصويت لحين نضوج مساحة مشتركات بينها وبين الإرادة السياسية المتمثلة بالتحالف الوطني، وهو ما لن يحصل خلال الدورة النيابية الحالية على الأقل.

 

وفي الوقت الذي عقدت فيه منظمات المجتمع المدني لقاءات باللجان القانونية والثقافة والاعلام وحقوق الانسان (السبت الماضي)، كان التحالف الوطني يعقد جلسته الخاصة لمناقشة تمرير القانون، ودراسة اعتراضات الشارع عليه، وكان البعض من أعضائه يعتقد ان القوى المدنية تعترض على مسمى القانون لا جوهره، فطالبوا بتنظيم قانونين منفصلين احدهما لحرية التعبير والأخر للاجتماع والتظاهر السلمي، في حين رفض بعضهم الاخر تخفيف العقوبات الواردة في القانون، والإبقاء على الاذن في التظاهر بدل الاخطار.

 

اما اجتماع المنظمات بلجنة حقوق الانسان فشهد تبرؤ جميع أعضاء لجنة حقوق الانسان الحاضرين من المسودة التي بلغت هيئة الرئاسة وادرجت في جدول اعمال الجلسة المقررة اليوم الاثنين، وتدخلت لجنة الثقافة والاعلام التي اعترضت على عدم الاخذ بملاحظاتها وتعديلاتها في اجتماعها الأخير مع ممثل اللجنة النائب حبيب الطرفي، وهو ما أنكره الأعضاء الحاضرون أيضا.

 

هذا السرد، مثال بسيط على محاولات الإرادة السياسية فرض هذا القانون على الشارع، بالرغم من انه يمس المواطن لا السياسي، والدفع باتجاه دس مبدأ حرية التعبير والاجتماع العام في مبدأ التظاهر السلمي، مع علمهم بعدم دستورية ذلك وفقا للمادة 38، إضافة لزجهم بعبارة “وفقا للقانون” الذي يعيدنا الى منظومة القوانين الموروثة من النظام الدكتاتوري السابق، وابرزها قانون العقوبات العراقي، الذي يذهب بعض مخالفي هذا القانون الى حبل المشنقة.

 

وهنا يجدر التذكير ان العديد من دوائر الدولة ووزاراتها كانت منعت الموظفين من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، او انتقاد أي حالة او مسؤول بالدولة، والملاحظ ان جميع من اصدر هذه الاعمامات هم من المنتمين لاحزاب السلطة، وهذا يؤكد الرغبة الوحشية للكتل السياسية بتحديد حرية التعبير، خلافا للدستور.

 

ندرك جيدا ان التماس وتلقي ونشر المعلومات أو الأفكار يشمل تعبيرات لا تتساهل حيالها إلا القليل من المجتمعات مثل التحريض على القتل او بث الفتن الطائفية أو بيع الصور الفاضحة للأطفال، وكنتيجة لذلك فإن حرية التعبير ليست مطلقة، ويمكن تقييدها عندما تتعارض مع حقوق أخرى؛ لكن في ذات الوقت لا يمكن تقييد الحق في حرية التعبير بحسب أهواء أو نزوات مسؤول عام، كما لا يمكن اعداد لائحة معايير او نصوص او تعليمات غامضة، كما جاء في هذا القانون كعبارة “الامن القومي”، او “الاضرار بالدولة”.

 

لذا ينبغي أن يلبي القانون أو اللائحة معايير الوضوح والدقة، بحيث يستطيع الناس معرفة عواقب أي أفعال أو تصرفات تصدر عنهم، فاي عبارات غامضة في القانون سيكون نطاقها غير واضح، ولن تلبي هذا المعيار وستعد غير مشروعة.

 

 

(*) رئيس جمعية الدفاع عن حريات الصحافة في العراق

 

إقرأ أيضا