هروب إلى الأمام

 

دائماً ما يٌميّز العقلاء عن غيرهم هو اهتمامهم بالأولويات، لكن المجتمع العراقي وبسبب تعرّضه لضغوط كبيرة يعاني من تركة ضخمة في ترتيب الأولويات. وقد نجح المنتفعون في إبعاد الناس عن الواقع، وبدلاً من التركيز على قضايانا الحيوية أصبحت تقليعة الإلحاد والدين هي الشغل الشاغل لكلا الطرفين. لقد وقع بعض طلبة العلوم الدينية في هذا المطب، وتركوا الخطاب الديني وانشغلوا بموضوعة الإلحاد.

 

وعلى الرغم من الجهد الاستثنائي الذي يبذله السيد كمال الحيدري في نقد القراءة الرسمية للدين، يتجه بعض الطلبة إلى الضفة الأخرى، بين مؤيد لهذه الدروس النقدية المهمة، وناقم على خروج مرجعٍ دينيٍّ معروف عن مشهور الفقهاء!. ومهما يكن من أمر، يبقى بعضهم مؤيداً لكنّه لا يقوى على التصريح خوفاً من ردود أفعال (العوام)، أو تعريض شعبيته للهبوط.

 

فمن هذه الناحية ليس من الضروري نقد بعض خطباء المنابر الذين يساهمون بشكل لافت لزرع الكراهية في عقول الشباب. وليس من الضروري أن يساهموا في نشر الخطاب النقدي الذي يقوم به الرجل، ربما ليس من أولوياتهم تحويل هذا الخطاب إلى ثقافة شعبية.

 

أشاهد بعض المدونين في مواقع التواصل الاجتماعي، وهم من طلبة العلوم الدينية، لا همَّ لهم سوى نقد نظرية التطوّر، والرد على خطاب الملحدين، ومحاربة العَلمانية. ومن الناحية المبدئية ، من يعترض على هذا الطابع من الحوارات إذا كانت حقاً لزرع روح التسامح والاعتراف بالآخر، غير أنها لا تنطلق من هذا الجانب، وإنما يجري التمسّك بها تعبوياً من ناحية، والهروب من الواجب الحقيقيّ الذي يمكن أن يلعبوه من ناحية أخرى، وهو نشر الخطاب النقدي للقراءة الرسمية للدين مثلما يفعل السيد كمال الحيدري.

 

لا يعني هذا تغليب طرف على آخر، أو اتهام طرف دون آخر؛ فالأغلبية مشتركون في هذه الانتقائية المتسرّعة في اختيار القضايا المتعالية عن الواقع، والابتعاد عن الهموم الحقيقة التي يحتاجها الناس.

 

وبما إن المجتمع العراقي ذو أغلبية دينية، فبالطبع ستكون مهمّة نشر الخطاب المتسامح وإشاعة الروح النقدية تجاه القراءة الرسمية للدين على عاتق طلبة العلوم الدينية.

 

ومن وجهة نظري البسيطة، إن انشغال الطلبة بمواضيع تعبوية وردود أفعال، يساهم في ردود أفعال مضادة من الطرف الآخر، ويساهم في تأخير عملية الإصلاح الديني التي يقوم بها الرجل بمثابرة وجديّة وإخلاص منذ سنين ، لكن بعض طلبتنا الأعزاء انشغلوا بالعَلمانية والإلحاد وتركوا ماهو اهم من ذلك بكثير.

 

تركوا ذلك خوفاً من العوام الذين يتخذون الديانة الشعبية مصدراً لقناعاتهم، واتخذوا من القضايا الهامشية التي تطمئن (العوام)!، ولا تثير حسّاسيات الناس، خصوصاً أن التعامل مع مرجع دينيّ في أغلب الأحيان ينطلق من قضية الالتزام بالتقليد, أي أنهم ليسوا ملزمين بآرائه، كما لو أن المصلحة الدينية لا تتطلّب ذلك!, فهذا المبرر يجد في نفوس البعض سلوة عزاء واطمئنان، للتفرّغ للعَلمانية والإلحاد حباً بالدين!.

أقرأ أيضا