أزمة خليفة السيستاني (4)

 

لعل مرجعيته، مستثناة من معايير التفاوت الطبقي، كونه وأصوله العلمية والأسرية ينتمون إلى الطبقة البرجوازية الدينية منذ عقود ماضية، فهو ليس بحاجة لاثبات نجفيتهِ وأعلميتهِ داخل المحيط الحوزوي والاجتماعي في صلب العاصمة البابوية (النجف الأشرف). أية الله الفقيه محمد سعيد الحكيم، وريث المدرسة العربية في الفقه والأصول دون منازعٍ أو شريك، لا ينفرد عن أقرانهِ بشيء ولا هم ينفردون عنه، بغير اندكاكهِ بالموروثات الأصولية، أكثر من غيره. لكن المرجعيات الأربع تبقى متساوية المهام، متناسقة المقام، إلا أن علاقته بالمرجعية السيستانية هي الأقرب من نظيراتها الأخريات، بيد أن الجميع درس على يد الفقيهين الكبيرين، أية الله الشيخ (حسين الحلي) و أية الله السيد (أبو القاسم الخوئي). لكن الميزة العلائقية بين (السيستاني والحكيم) تمتد إلى سنوات المحنة، أيام النظام البائد، حيث قضيّا سوياً في زنازين أبو غريب، حتى أُفرج عن الأول، ليعاود الثاني وبقية أسرته إلى أقبية السجون السرية، جراء الرحم المشترك بينهم والمعارض السياسي الراحل (محمد باقر الحكيم)، الذي لاقى أبناء عمومته أشد مراحل الحياة قساوةً على يد جلاوزة البعث، جراء ارتباطه ووقوفه إلى الجانب الإيراني أبان الحرب (العراقية – الإيرانية)، حيث أفضت المُحصلة، إلى إعدامِ وتغييب بعضٍ، وتسريحِ آخر، والآخر كان هو المرجع الحكيم وثلة من أهل بيته.

 

من ميزات مرجعية (محمد سعيد الحكيم) أنها تُحرم العمل السياسي في ظل غيبة الإمام المهدي المنتظر، إذ لا ترى من مصلحة الدين زجه في أتون المهالك السياسية، فضلاً عن اتخاذه مطية للوصول إلى السلطة، فهو تقليديٌ خام، وهذه التقاطة ايجابية، تغفل عنها قوى العلمنة في العراق، والأخيرة يحتاج لها وقفة تحليلية جادة في مقالٍ ثان.

 

بُعيد آذار العام 2003 لحظة سقوط النظام الصدامي، خشيت مرجعية السيد السيستاني من تبيان آرائها للشارع العراقي، لكون المرجع الأعلى حاملاً للجنسية الإيرانية، مما دعاه إلى استشارة المرجع الحكيم ومطالبته بالتصدي للشأن السياسي نيابة عنه، على اعتبار (الحكيم) مرجعاً عراقياً أدرى بشعاب بني وادي الرافدين، لكن طلب المرجعية الدينية العليا جوبه بالرفض، الأمر الذي ولّدَ نوعاً من القلق لدى المرجعية السيستانية حيال تضارب مواقف (النجف) إزاء العملية السياسية،  ليُطمئن المرجع الحكيم نظيره المرجع السيستاني بالقول (إن كان لي عليك خلاف فلا أظهره).

 

ولغاية الآن لا يعلم عوام شيعة العراق، بأن المرجعية الحكيمية لا تتبنى “فتوى الجهاد الكفائي”، التي طرحتها مرجعية السيستاني بعد اجتياح داعش للبلاد. جميع المؤشرات العلمية داخل أوساط المؤسسة الدينية حيال خلافة السيستاني، تميل لصالح المرجع الحكيم، علماً أن مرجعيته فاعلة داخل الوسط المجتمعي إلى حد ما، لما تمتلك من مؤسسات خيرية تعطيها زخماً معنوياً أكبر من باقي المرجعيات القاطنة بجوار المشهد الحيدري، وما يؤرق مرجعية أية الله (محمد سعيد الحكيم)، هو الخط السياسي للعائلة المتمثل بالسيد (عمار الحكيم) الذي يلتقي وإياه في الجد المباشر، المرجع الراحل السيد (محسن الحكيم)، حيث معظم سلوكيات المجلس الأعلى في السلطة، تأكل من جرف مرجعيتهِ وعلى الصعيد الشعبي تحديداً، نتيجة الالتقاء في المسميات والاتصال العائلي.

 

 

أقرأ أيضا