انتقد خبراء أمنيون ضخامة وكثرة الرتب العسكرية والأمنية الحالية، كونها لا تعكس خبرات حامليها ولا تناسب المؤسسات التي يعملون فيها، وفيما أكدوا أن للترقيات العسكرية الكثيرة تبعات خطيرة لأنها لم تراع القدم العسكري، فضلا عن الآثار المالية المترتبة عليها، أشاروا إلى أن هناك ضباطا “ارتموا بأحضان الأحزاب” لنيل الرتب والمناصب.
ويقول الخبير الأمني عماد علو، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “ترهل الرتب، إحدى المعضلات التي تعاني منها المؤسسة العسكرية والأمنية في العراق وتنعكس آثارها السلبية على مستوى الضبط العسكري واحترام الرتبة، فضلاً عن الكلفة المادية، إضافة إلى أنها تعرقل عملية صناعة القيادات الشابة وارتقائها في سلم التدرج المهني العسكري والأمني”.
ويضيف علو، أن “كثرة وضخامة الرتب اليوم لا يعكس الخبرات المتراكمة لدى حامليها بما يتناسب مع حجم الجيش وأعداده وحاجته إلى هذا النوع من الرتب، لذلك ينبغي على المؤسسة العسكرية وصانع القرار العسكري والأمني إعادة النظر بالهيكل التنظيمي للمؤسسة وتوزيع المناصب والرتب بما يتناسب وحجم القوات المسلحة والتشكيلات العسكرية وأدائها وواجباتها ودورها أسوة بالجيوش العالمية حتى يكون هناك توازن بين الرتب والمؤسسات”.
وبشأن تدخل الأحزاب في هذه الترقيات، يؤكد أن “القانون يفرض على القوات العسكرية عدم التدخل بالسياسة، وهذا يعتمد على مراقبة أداء الضباط والمعلومات التي تجمع من المصادر الاستخبارية، لدينا مؤسستان أمنيتان في وزارة الدفاع تراقب أداء وسلوك المنتسبين، لكن مسألة الانتماءات الفكرية والتوجهات السياسية لا أحد يستطيع حسمها، إذ يجب أن تحكمها ضوابط وتعليمات وتوجيهات المؤسسة العسكرية حول الضبط العسكري داخل المؤسسة”.
ويعتقد علو، أن “المحاصصة مازالت تؤثر على الأداء وعلى اختيار الضباط والمناصب وتوزيعهم على المديريات، ما ينعكس على أداء المؤسسة وواجبتها، وهذه المعضلة مشخصة في الدولة والمؤسسة الأمنية العراقية”.
وشهدت الأيام الماضية، ترقية ضباط وزارتي الدفاع والداخلية، ضمن جدول ترقيات تموز، وقد أثارت بعض الترقيات لغطا كبيرا، خاصة مع منح بعض الضباط رتبة أركان وهم في سن متقدمة ودخلوا كليات أركان خارج البلد، فضلا عن منح العديد من الضباط رتبا عالية مثل لواء وفريق.
وفي كل جدول ترقيات، وهي في كانون الثاني يناير وتموز يوليو من كل عام، يثار اللغط حول الترب العالية التي تمنح، حتى باتت أعداد الضباط الذين يحملون هذه الرتب كبير جدا، خاصة وهم جميها بحاجة لمناصب جديدة تتلائم مع رتبهم الجديدة.
يذكر أن رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي، قرر في العام 2017 إيقاف الترفيع العسكري، وذلك لأول مرة في تاريخ العراق الحديث منذ العام 1958، لأسباب مالية بسبب سياسة التقشف التي اتبعتها حكومته، لمعالجة الترهل في السلك العسكري.
من جانبه، يؤكد الخبير الأمني عدنان الكناني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المؤسسة العسكرية في السابق وضعت سلسلة لتدرُّج الرتب ومراحل الترقيات بمهنية وحددت ضوابط دخول كلية الأركان، وهذا يعطي انطباعا عن اعتماد الخبرات المتراكمة في الترقية إضافة إلى الدورات الحتمية ودورات الصنوف، وذلك من أجل خلق عقلية قيادية للضابط”.
ويضيف الكناني، أن “من سلوكيات القيادة عدم إصدار الأوامر للضباط الأقدم عسكرياً، والآن لو أخذنا مثلا وزير الداخلية عبد الكريم الشمري أنموذجا، فهو خريج دورة 1972 وهناك ضباط من دورات 68 و67 و66 لكنهم مازالوا عمداء، وهو ما يقود إلى السؤال عن كيفية تعامل ضابط برتبة فريق أول مع ضباط أقدم منه، كيف يصدر لهم الأوامر وكيف يستقبلونها”.
ويتابع أن “هذا الميزان في التعامل مع القيادات العسكرية أدى إلى الانحلال في المؤسسة، وهذا التأسيس خطير لاسيما في الظروف القتالية لأن بين النصر والهزيمة لحظات تسمى لحظات التردد والجيش بني على أن ينفذ بدون نقاش، فالأوامر التي تمنح من الضباط الأصغر للأقدم، غالبا ما تكون محل تردد وقد تؤدي إلى خسارة معارك ودماء”.
ويتساءل العميد المتقاعد عن “كيفية احتساب الرتب والترقيات وكتب الشكر خاصة للضباط الإداريين، فمن يستحق الشكر موجود على الحدود أو في الصحراء ومهمل”، لافتا إلى أن “هناك من يريد هدم المؤسسة العسكرية من خلال إعطاء مناصب لمن لا يستحقونها”.
ويكشف أن “بعض الأحزاب السياسية تحاول صنع قيادات لمن لا يسحقونها، كي تؤمن مصالحها، لذلك تقوم بتزكية ضباط أو تزج بهم في المؤسسات الأمنية”، مشيرا إلى أن “بعض الضباط مجندون من أحزاب معينة ومشكوك بولائهم يزجون بالمؤسسة العسكرية لتحقيق مصالح حزبية”.
ويكمل أن “بعض الضباط هم من ينضمون للأحزاب من أجل بقائهم في مناصبهم أو الحصول على مناصب أعلى، وهناك ضابط متأخرون في الترقية يضطرون للذهاب إلى الأحزاب وتفعيل الوساطات من أجل ترقياتهم بعد التوقيع على تعهدات معينة”، مشيرا إلى أن “أحزابا أتت بضباط لا يفقهون شيئاً ومنحتهم مناصب لا يستحقونها، وأنا هنا لا أتحدث عن الجيش كله، بل بعض الأحزاب التي صنعت قيادات عسكرية، وبعض القيادات التي ارتمت في أحضان الأحزاب”.
وبحسب القانون، فإن ترقية ضباط وزارتي الداخلية والدفاع تجرى مرتين في العام، الأولى في 6 كانون الثاني يناير والأخرى في 14 تموز يوليو، لكن في الأعوام الماضية، منح الضباط قدما أكثر من مرة، وذلك في مناسبات مختلفة، واستثناءات خاصة من رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة.
ويشير قانون الخدمة والتقاعد لقوى الأمن الداخلي في العراق، إلى أن ترقية الرتبة تتم وفق الضوابط التالية: ملازم إلى ملازم أول في ثلاث سنوات، ملازم أول إلى نقيب في ثلاث سنوات، نقيب إلى رائد في أربع سنوات، رائد إلى مقدم في أربع سنوات، مقدم إلى عقيد في أربع سنوات، عقيد إلى عميد في أربع سنوات، عميد إلى لواء في ست سنوات، لواء إلى فريق في ست سنوات.
ويستثنى من هذه الفترات الزمنية القدم في الخدمة، والذي يمنح من القائد العام للقوات المسلحة، بناء على شجاعة الضابط أو موقف له في إحدى المعارك.
بالمقابل، يرى الخبير الأمني فاضل أبو رغيف، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “عمليات منح الرتب تأتي ضمن الاستحقاقات الوظيفية والمهنية، وهي موجودة ضمن قانون الترقيات والعلاوات في الهيكلية العسكرية، ورغم أنها أصبحت كثيرة إلا أن الوزارات ملزمة بمنح الضباط المستحقين رتباً”.
ويضيف أبو رغيف أن “المؤسسة الأمنية والعسكرية أصبحت تئن جراء الترهل الحاصل في الرتب، ولكن هي ملزمة بتطبيق القانون”، مشيرا إلى أن “كلية الأركان من جانبها تمنح الشارة لمستحقيها الذين تخضعهم لاختبارات عسيرة وصعبة إذ يتم اختبارهم بـ20 مادة متنوعة بعد دراستها”.
وعن الرتب الموجودة في الحشد الشعبي وإمكانية تنقلها للمؤسسات الأمنية الأخرى، يشير إلى أن “الحشد جزء من منظومة الأمن، ويمكن لأي ضابط الانتقال إلى أي جهة أو وزارة أخرى بالرتبة التي يحملها نفسها إذا اقتضت الضرورة إجراء هذا التنقل وفيه مصلحة عامة”، فيما يؤشر أن “وزارة الدفاع هي الأكثر انضباطاً بقضية منح الرتب العسكرية وحسب استحقاقات الضباط”.
وفي تموز يوليو العام الماضي، أفاد مصدر مطلع لـ”العالم الجديد” بأن رتبا عسكرية في الترقيات الأخيرة لوزارتي الدفاع والداخلية في العراق ذهبت إلى ضباط لا يستحقونها، موردا أمثلة تثبت صحة إحاطته إذ كانت الوساطات والمحسوبيات حاضرة في توزيع الترقيات، فيما حذر خبراء أمنيون وعسكريون من أن تجاهل السياقات والضوابط في الترقيات العسكرية سيلقي بظلاله على الوضع الأمني في البلاد.