صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

آلية التصويت في البرلمان على طاولة المحكمة الاتحادية

يبدو أن الشد والجذب حول قانونية تمرير القوانين الجدلية الثلاثة (العفو العام والأحوال الشخصية وإعادة العقارات) قد عصفت بالدورة البرلمانية الحالية والتي باتت بحسب سياسيين مجرّد حلبة لتصفية الحسابات السياسية و منبرا للدفاع على المصالح الضيقة والرؤى الفئوية.

إذ أعلن النائب عن كتلة إشراقة كانون النيابية، زهير الفتلاوي، اليوم الأربعاء، عن تقديم دعوى أمام المحكمة الاتحادية لتحويل طريقة التصويت على القوانين داخل البرلمان إلكترونياً.

وقال الفتلاوي في تصريح تابعته “العالم الجديد”، إن “هناك دعوى قدمت إلى المحكمة الاتحادية، للنظر باعتماد آلية التصويت الإلكتروني على القوانين داخل مجلس النواب”.

وأضاف أن “المحكمة الاتحادية ستنظر بالدعوى، وصدور هكذا قرار سيلزم مجلس النواب باعتماد التصويت الإلكتروني على القوانين في الجلسات المقبلة”.

وبين الفتلاوي، أن “اعتماد التصويت الإلكتروني سيحل الكثير من المشاكل والقضايا مع المحكمة الاتحادية”.

يشار إلى أن العديد من القوانين يتم التصويت عليها داخل مجلس النواب من النواب برفع الأيدي، وهي آلية تعتبر غير دقيقة من وجهة نظر العديد من النواب، خاصة مع تمرير القوانين المهمة، مثلما حصل مع القوانين الجدلية الثلاثة، وهي قانون الأحوال الشخصية، وقانون العفو العام، وقانون إعادة العقارات إلى أصحابها.

وأعلن مجلس القضاء الأعلى، في وقت سابق من اليوم الأربعاء، عن موقفه الرافض للأمر الولائي الصادر من المحكمة الاتحادية العليا لايقاف تنفيذ القوانين الثلاثة التي صادق عليها البرلمان العراقي خلال الأيام القليلة الماضية، فيما اتهم المحكمة بالاستعجال في قرارها، لاسيما وان هذه القوانين لم يتم نشرها بعد بجريدة الوقائع الرسمية، ما يعني عدم نفاذها حتى الآن.

وكان ائتلاف إدارة الدولة، دعا صباح اليوم الأربعاء، إلى عقد اجتماع طارئ السبت المقبل، في القصر الحكومي بالعاصمة بغداد للتداول بمجموعة قضايا “مهمة”، على رأسها التصعيد الأخير ضد المحكمة الاتحادية بعد إصدارها الأمر الولائي الخاصة بإيقاف تنفيذ القوانين الجدلية الثلاثة.

فيما أكد رئيس مجلس النواب محمود المشهداني، اليوم الأربعاء، الالتزام بقرارات المحكمة الاتحادية، معتبرا أن اعتراض بعض النواب والطعن بالقوانين لدى المحكمة الاتحادية “تجسيد حقيقي للديمقراطية”.

وأصدرت المحكمة الاتحادية، أمس الثلاثاء، أمرا بإيقاف تنفيذ القوانين الثلاثة، الأحوال الشخصية، العفو العام، والعقارات، على خلفية طعن قدمه عدد من أعضاء مجلس النواب لديها، بشأن صحة إجراءات رئاسة البرلمان في التصويت على القوانين دفعة واحدة دون فصل كل قانون على حدة، وأكدت في قرارها أن الأمر الولائي صدر لحين حسم الدعاوى والتأكد من صحة دستورية إقرار القوانين.

يشار إلى أن رئيس البرلمان السابق ورئيس حزب تقدم، محمد الحلبوسي، كان أول من أصدر بيانا شديد اللهجة ضد الأمر الولائي، إذ عبر عن رفضه لإيقاف تنفيذ قانون العفو العام، مؤكدًا أن القانون يهدف إلى إنصاف الأبرياء والمظلومين فقط، ولا يشمل الإفراج عن “الإرهابيين”، وفيما اتهم المحكمة بتسييس قراراتها، شدد على عزمه مواجهة القرار بكل الوسائل القانونية والشعبية، ودعا إلى تنظيم مظاهرات ومقاطعة المؤسسات التي لا تحترم إرادة الشعب.

ومع حلول مساء أمس، بدأت محافظات سنية تعطل الدوام الرسمي، احتجاجا على الأمر الولائي، بدءا محافظة نينوى، ومن ثم تلتها محافظة الأنبار، ومن ثم التحقت صلاح الدين بهذه المحافظات، وأعلن أخيرا محافظ كركوك، ريبوار طه تعطيل الدوام الرسمي في المحافظة.

وفي مقابل ذلك، أعلن الإطار التنسيقي، دعمه للمحكمة الاتحادية العليا لإيقاف تنفيذ القوانين التي مُررت خلال جلسة مجلس النواب المنعقدة في 21 كانون الثاني يناير الماضي، مستغربا “الهجمة ضد المحكمة الاتحادية، في محاولة للنيل من سمعتها والسعي لسلب حقها الدستوري في الرقابة على دستورية القوانين”.

وتوصف حصيلة مجلس النواب العراقي في تشريع القوانين وإنجاز الأعمال الرقابية بالضحلة، حيث لم يتمكنّ المجلس سوى من تمرير عدد محدود من التشريعات بعضها هامشي وقليل الأثر على واقع البلاد وسكانه إن لم يكن ذا تأثير عكسي باتجاه إضعاف وحدة المجتمع وإذكاء النعرات الطائفية والعرقية داخله.

وتأخذ محاولة تمرير أيّ قانون من قبل البرلمان مددا زمنية طويلة بسبب كثرة الجدل والخلافات التي تدور عادة على خلفية مصالح الجهات الممثلة في البرلمان وتوجهاتها وانتماءاتها العرقية والطائفية.

ويواجه البرلمان العراقي، عقبات كثيرة تمنعه من ممارسة دوره الرقابي في إستجواب المسؤولين ممن أشرت عليهم ملفات إخفاق في العمل والأداء وشبهات فساد وغيرها، إذ أنه لم يجر إلا استجوابات بنطاق محدود جدا، على الرغم من التصريحات المتكررة من قبل نواب عن تقصير وفساد في مفاصل الحكومة، والسعي لاستجواب عدد من الوزراء والمسؤولين.

ويعد تعطل إقرار العديد من القوانين المهمة من شأنه إضعاف الدور التشريعي والرقابي لمجلس النواب، وفق ما يراه مراقبون للشأن السياسي، الذين ينتقدون لجوء البرلمان إلى مبدأ التوافقية السياسية التي أدت لتأجيل قوانين مهمة يرتقبها الشارع العراقي.

يشار إلى أن موضوع تمرير القوانين الجدلية وهي (العفو العام والأحوال الشخصية واعادة العقارات لأصحابها) بنظام ما يعرف بـ “السلة الواحدة” ليس جديدا على البرلمان العراقي، وهو إجراء يتم اللجوء إليه في حال وصول الخلافات بشأن قانون معين الى طريق مسدود، وبشكل يعزز مصلحة الكتل السياسية واستقطاباتها الطائفية والفئوية والجهوية.

وصوت مجلس النواب بجلسته الثالثة من فصله التشريعي الأول، السنة التشريعية الرابعة للدورة الانتخابية الخامسة، المصادف 21 كانون الثاني يناير الماضي، برئاسة محمود المشهداني رئيس المجلس على ثلاثة قوانين.

وبحسب بيان للدائرة الإعلامية للبرلمان، صوت المجلس بالمجمل على مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المقدم من اللجنتين القانونية والمرأة والأسرة والطفولة والذي جاء انسجاماً مع ما أقرَّته المادة (2) من الدستور بأنه لا يجوز سَن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام وما أقرته المادة (41) من ضمان حرية الأفراد في الالتزام بأحوالهم الشخصية وحسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم، أو اختيارهم، ولوضع تلك المادة موضع التنفيذ وتنظيم تلك الحرية في إطار القانون بالشكل الذي يحافظ معه على المحاكم كجهة قضائية موحدة بتطبيق أحكام قانون الأحوال الشخصية وفقاً للقانون، وبالنظر إلى طلب مواطني المكون الشيعي في مجلس النواب تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 بما يتيح للعراقيين المسلمين من أتباع المذهب الشيعي تطبيق أحكام المذهب الجعفري الشيعي عليهم، وعدم موافقة المكون السني في مجلس النواب بعدم سريان هذا التعديل على العراقيين المسلمين من أتباع المذهب السُني.

وصوت المجلس بالمجمل على مشروع قانون إعادة العقارات الى أصحابها المشمولة ببعض قرارات مجلس قيادة الثورة (المنحل) المقدم من اللجنة القانونية، لصدور العديد من قرارات مجلس قيادة الثورة (المنحل) باستملاك الأراضي العائدة للمواطنين ولأجل إعادة الحقوق الى أصحابها وإزالة الآثار الناجمة عنها.

كما صوت المجلس بالمجمل على مشروع قانون التعديل الثاني لقانون العفو العام رقم (27) لسنة 2016 المقدم من اللجان القانونية، والأمن والدفاع، وحقوق الإنسان، والذي يهدف إلى عدم إتاحة الفرصة لمرتكبي الجرائم الإرهابية والجرائم المنظمة لخطف الأشخاص لما تمثله من سلوك إجرامي خطير وما خلَّفته من آثار سلبية على المجني عليهم أو ذويهم وخطورتها على المجتمع وإعادة دمج ممن يشمل بقانون العفو بالمجتمع بعد إعادة تأهيله بدوائر الإصلاح ومنحهم الفرصة للعيش الكريم.

وشهدت الجلسة فوضى ومشادات بين عدداً من أعضاء مجلس النواب احتجوا على آلية التصويت على القوانين الثلاثة الجدلية، فيما لجأ البعض إلى الصعود فوق منصة المجلس، ما دفع النائب الثاني لرئيس المجلس شاخوان عبد الله إلى رفع الجلسة، وذلك بعد مغادرة المشهداني القاعة عقب إعلانه تمرير القوانين.

وعقب الجلسة، جمع العديد من النواب، تواقيع لإقالة المشهداني، بسبب اعتراضهم على آلية التصويت على القوانين.

وجاء التصويت على هذه القوانين بعد أشهر من الخلافات بين الكتل السياسية، والاعتراضات من قبل المتخصصين والمنظمات المدنية، دفعت لإلغاء العديد من الجلسات نتيجة المشاجرات والسجالات حولها.

إقرأ أيضا