آه من انتقائية التأريخ

كثيرا ما تؤسس احكام فقهية وعقيدية وتكفيرية احيانا، انطلاقا من حدث تاريخي هنا او هناك. لدى المسلمين تاريخ طويل من المتغيرات الدراماتيكية في السلم والحرب، ايا منا بإمكانه الاستنجاد بالتاريخ اشباعا لأمزجته ورغباته، وهناك مدونات تاريخية تلبي طموح جميع الاطراف. امامك عزيزي القارئ صفحات التاريخ .. تصفحها كما تشاء، تجاوز ما لا يرضيك.. وخذ منها ما يعجبك فقط! هكذا يصبح الخطأ صوابا والعكس صحيح، وعلى طريقة \”لا تقربوا الصلاة..\”  ينهدم ركن من الاسلام وتصبح الفريضة خطيئة لا تغتفر! وعلى تلك الشاكلة دارت الكثير من الدوائر.
انتقائية التاريخ تجعل منك قارئا وباحثا بعين واحدة لا تشاهد سيلا من الدسائس في خندق موروثك فيما تتصيد سقطات الاخرين، بل احيانا تدفعك تلك الانتقائية للتشويه المتعمد وخلط الاوراق مع سبق الاصرار والترصد. انتقائية التأريخ تتفشى هذه الايام بين الغث والسمين، بين كثير ممن يقلبون اوراق الماضي من اجل العبث بالحاضر وتشويه المستقبل، في زمن الطائفية يحاول كثيرون استحضار الماضي للانتقام من الحاضر، انه اسلوب اخر من التعبئة والشحن بدوافع التجييش.
في تراثنا المتناقض الى ابعد الحدود، رفوف مملوءة من الكتب التي ترضي جميع الاذواق، وتغضب في ذات الوقت جميع الاذواق ايضا، تركت هذه القنابل الموقوتة دون معالجة من قبل المؤسسات الدينية التي فشلت في رأب الصدع وخلق مساحات مشتركة بين المذاهب، لا بل حتى ابطال التقريب انقلبوا على انفسهم وندموا على خوض تلك التجربة ومن ابرزهم المثير للجدل يوسف القرضاوي. الدولة من جانبها لم تعالج هذه الاشكاليات وتفرض بقوة القانون هوية مدنية تضمن الحد الادنى من التعايش السلمي بين مكونات المجتمع، هذا الفشل المشترك يطل برأسه في بيئتنا الموبوءة كلما اشتدت الازمات السياسية وبلغت ذروتها، موجات من الذبح والقتل والتشويه وكل ما يندى له الجبين بفعل تلك الانتقائيات البائسة من تاريخنا المتناقض، لقد انكشفت سوءاتنا امام الملأ في زمن التكنولوجيا، لم نعد قادرين ابدا على الدفاع عن هوياتنا المشوهة بفعل هذه الانتقائية المزمنة. انتقائية كلما ازدادت عند فئة خلقت لها عند الفئة الاخرى مساحة توازيها في التطرف، ونتيجة تلك التراكمات الانتقائية ادمنا تقديم القرابين تلو القرابين على مدار اليوم الواحد. كلما اطلعت على مزيد من اخبار العنف الدموي استحضرت تلك الانتقائية البائسة. 
gamalksn@hotmail.com

إقرأ أيضا