أجل العراق الآن هو الأوهن

نشرت صحيفة الواشنطن بوست في السابع والعشرين من شهر آب الماضي مقالا بعنوان: التحضير لضربة عسكرية ضد سوريا، وتضمن المقال مخططا للأهداف المنتخبة لشن الضربة الجوية التي ستقوم بتوجيهها الولايات المتحدة الأمريكية إلى سوريا بزعم أن الأخيرة استخدمت أسلحة كيماوية (غاز السارين أو ما يعرف بغاز الأعصاب) بتاريخ الحادي والعشرين من آب الماضي ضد الجماعات المتمردة والخارجة عن سلطة حكومة البعث فيها منذ ثلاث سنوات, وبحصيلة بلغت مئات القتلى. وتضمنت تلك الأهداف مراكز القيادة وخمس قواعد جوية كبرى لتحييد دورها في التفوق الجوي للقوات النظامية، في حين أن مواقع تخزين ترسانة الأسلحة الكيماوية التي يمتلكها النظام هي أهداف غير محتملة لكون استهدافها قد يزيد من مخاطرها المميتة.
وأوردت الواشنطن بوست في ذات التأريخ مقالا آخر بعنوان: مسؤولون يصرحون أن الاستخبارات الأمريكية حددت وقت الهجوم الكيماوي السوري. وجاء فيه \”لقد أصبحت إدارة الرئيس أوباما على يقين بأن الاستخبارات الأمريكية قد تثبتت من الكيفية التي تبنتها القوات النظامية في خزن وتجميع وتوجيه الضربة ضد المتمردين بواسطة الأسلحة الكيماوية. حصد أوار الحرب المستعر في سوريا 100.000 قتيل وتسبب بنزوح 4.25 مليون شخص في الداخل السوري و5000 شخص يفرون يوميا من حمامات الدم إلى دول الجوار السوري (لبنان, الأردن, العراق, تركيا). وبحسب بيانات الأمم المتحدة, فإن العراق يتحمل الآن وزر 171.984 لاجئا، وأيضاً تتوقع إذا ما بقي الحال على ما هو عليه سيبلغ عدد اللاجئين في دول الجوار السوري 3 ملايين بنهاية هذا العام. وصف السيد أنتونيو غوتيريس المفوض السامي لشؤون اللاجئين موجات النزوح البشري هذه بـ\”أنها أعظم مأساة لهذا القرن\” وناعتا مستوى المعاناة في جولته الأخيرة للاطلاع على حال المخيمات وحال  قاطنيها بقوله \”لا سيان لها في التأريخ الحديث\”.
الوضع السوري والقلق من نتائج عقابيل الضربة الجوية وبحر الأزمات اللُجي الذي يطفو عليه العراق وعلى مدى عقد من الزمن صعد من وتيرة المخاوف الحكومية وهو ما حدا برئيس وزرائه نوري كامل المالكي أن يعلن حالة الاستنفار القصوى في حديثه الأربعائي المتلفز بتأريخ 28-8-2013.
بالتأكيد أن القلق له مبرراته المنطقية كون، الأزمات الداخلية التي تعصف بالعراق جعلت منه المفصل الأوهن في المنطقة التي تموج باضطرابات خطيرة لم يسبق أن شهدتها من ذي قبل، وأخطر هذه الاضطرابات هي الطائفية منها التي باتت تطل برأسها في بعض دول المنطقة, حيث نرى وهن العملية السياسية وتصارع الأطراف الداخلة فيها وعجز البرلمان عن لعب دور المشرع للقوانين التي تخدم البلد ومواطنيه وعن النهوض بواجبه كسلطة رقابية للأداء الحكومي، وكذلك التدهور الأمني المخيف الذي دفع بوزارة الخارجية الأمريكية لتحذير رعاياها من السفر إلى العراق لأنه يعاني من دوامة عنف لا مثيل لها منذ العام 2008، وهناك أزمة الفساد المستوطن في أغلب مؤسسات الدولة وكيف باتت، وبشكل واضح للعيان، تؤثر في أدائها.
الاستنفار هو خطوة واحدة مُعلنة تجاه تفادي عواقب الضربة الجوية، ولكن هل ستكون هذه الخطوة كافية؟ بالتأكيد لا, بل يجب إعقابها  بإجراءات وخطوات مدروسة ومناسبة ومتسلسلة ومنسقة بشكل مِسبحة يحكم عقدها إجماع وطني من كل الأطراف المشاركة بالعملية السياسية، فيتم تبنيها من أجل ترميم الداخل العراقي من أزماته الخانقة. ومما لا يرتقي إلى الشك أن هذه الإجراءات ستفضي إلى تحسين وتدعيم الوضع الإقليمي للعراق والنظر له كدولة مستقلة وتقطع دابر تدخلات كل الدول الإقليمية المجاورة (تركيا, إيران, الأردن, السعودية, ودول الخليج) بمزاعم أن لها امتدادات تسعى للحفاظ عليها, أما فيما يتعلق بالإجراءات على المستوى الدولي فالتذكير يجدر دوما بأهمية العراق في كل الأصعدة. وعلى المدى البعيد سيلتزم الحفاظ عليه مستقرا قدر المستطاع، وخصوصاً كونه المارد النفطي العملاق الثاني بعد العربية السعودية الذي يخرج من قمقمه الذهب الأسود ليتكفل بإشباع الأسواق العالمية في بداية العقد الثالث من الألفية الثالثة، وهذا ما أكده خبراء وكالة الطاقة الدولية IEA. نعم تسلسل هذه الإجراءات سيكون كفيلا لوصف الترياق الأمثل والملائم لهذا الوقت العصيب الذي يمر به العراق أو ربما بأضعف الإيمان سيحصن العراق ولا يجعل منه الأوهن.
* كاتب ومترجم عراقي

إقرأ أيضا