بعد قطيعة دامت نحو عامين، فوجئت بغداد ان \”العدو الصديق\” رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي المنتمي لتيار الاخوان المسلمين، عاود الى خطب ودها، متخلياً عن سياسة \”تضييق الخناق\”، بتوجيه دعوة رسمية الى رئيس الوزراء نوري المالكي الى زيارة تركيا في وقت يتفق عليه لاحقاً وفق الاعراف الدبلوماسية، والتي بالضرورة يجب ان تسبقها زيارة رسمية لوزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو الى بغداد.
تحول الموقف التركي يأتي في لحظة التقاط الانفاس. بعد خفوت حدة الكراهية تجاه سورية من قبل المجتمع الدولي، والتقارب الايراني الاميركي الخاطف، والانكفاء القطري، والتيه السعودي ازاء التغيرات غير المتوقعة في المنطقة، وعراقياً بدت \”المعارضة\” السُنية في ست محافظات متراجعة الى الخلف نحو تذويب الخلافات، ومن ثم التوصل الى اتفاقات سياسية قُبيل الانتخابات النيابية المقبلة.
الدعوة التركية تجيء ضمن لعبة \”التوقيتات الحرجة\”، قُبيل سفر رئيس الوزراء نوري المالكي الى واشنطن للقاء المالكي، بذات التوقيت الذي اعلنه زعيم القائمة العراقية إياد علاوي الغريم التقليدي لزعيم \”الدعوة\”، عن عزمته التوجه الى واشنطن لاجراء عملية جراحية في \”مفصل الركبة\”، وهو ما يعده مراقبون بأنه خارطة طريق جديدة لتسوية الازمة العراقية في واشنطن، بشكل غير معلن.
في بغداد، استقبل المالكي بمكتبه في المنطقة الخضراء، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان التركي فولكان بوسكير، في يوم مشجع خالٍ من العنف او التهديدات الخطرة للامن في العاصمة بغداد.
وكان نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي اتفق في اواخر أيلول الماضي مع الرئيس التركي عبد الله غول، على تشكيل لجنة للعمل على حل المشاكل العالقة بين البلدين، بعد ان وصلها رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي اوائل الشهر ذاته على رأس وفد برلماني لطرح مبادرة العراق للسلام في المنطقة، حيث استمرت زيارته أربعة أيام التقى خلالها بالمسؤولين الأتراك من بينهم رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وبين النجيفي أن الزيارة تضمنت إعادة العلاقات العراقية التركية لسابق عهدها.
الحكومة العراقية التي لم تحرك ساكناً ضد تركيا التي صعدت الموقف ضد بغداد، بدت غاضبة على خروج المدان بتهمة دعم الارهاب والمحكوم غيابياً بالاعدام (نائب رئيس الجمهورية) طارق الهاشمي، من انقرة الى بروكسل، السبت الماضي.
وهددت بغداد بلجيكا بقطع التعاملات الاقتصادية معها ومنع شركاتها من العمل في العراق اذا لم تلق القبض على الهاشمي، وتسلمه للانتربول الدولي.
الفراق الذي بدا بيّناً بين المالكي واردوغان، كان على خلفية اتهام بغداد للهاشمي بدعم الارهاب غداة انسحاب القوات الأميركية من البلاد أواخر العام 2011. ومن ثم محاكمته غيابياً، وادانته، والحكم عليه بالاعدام. ما اثار حفيظة الزعيم الاخواني التركي الساعي الى تحصين التنظيمات والرموز الاخوانية في المنطقة العربية. ومن ثم ضمان تمدد تركي مريح.
الرسالة التركية وصلت الى بغداد بيد بوسكير. فيما ستظل انقرة في حالة الانتظار الحذر على الدعوة التركية والتي قد تنظر اليها بعين الريبة. وحتى ذاك الوقت، اعلن بوسكير ان رئيس مجلس الامة التركي سيزور بغداد قريباً. ومن ثم زيارة وزير خارجية بلاده تمهيدا لتلبية الدعوة.
البيان الرسمي العراقي، جاء من مكتب رئيس الوزراء وتسلمت \”العالم الجديد\” اكد استقبال المالكي لرئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان التركي السيد فولكان بوسكير، وتسلم الدعوة الرسمية.
المالكي حمّل بوسكير، رسالة شفوية لاردوغان مفادها بحسب البيان الرسمي ان \”هناك قضايا كثيرة في المنطقة يمكن الاتفاق عليها، ويمكن أيضاً أن يتفهم بعضنا البعض الآخر في ما نختلف عليه\”، مشددا على ضرورة \”تكون العلاقة مبنية على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل\”.
الزيارة النيابية التركية، بدت وكأنها تراجعاً تركيا واضحاً عن المواقف المتشنجة السابقة. وتشير الى التأثير الجلي لتبدل الموقف على الارض السوري وتداعي المعارضة السياسية والعسكرية على حد سواء وصعود نجم \”داعش\” على تخوم الحدود التركية، ما دعا الساسة الترك الى استشعار خطر محدق بالامن القومي ازاء جبهة جديدة قد تكون اعنف من جبهة حزب العمال الكردستاني. ولم تخف تركيا من معاداتها الصريحة لـ\”داعش\” مع ترشح انباء عن تحرير كوماندوز تركي للمخطوفين اللبنانيين في اعزاز والذي كانوا بقبضة لواء عاصفة الشمال الذي سحقه مقاتلوا \”الدولة الاسلامية في العراق والشام\”.
المالكي المح الى ان تبدل الموقف التركي جاء على اساس التغيرات الصعبة في سوريا، قائلاً لبوسكير ان \”التطورات الجارية في المنطقة لاسيما في سوريا، تعد حافزا إضافيا يدعو الى التقارب وتعزيز العلاقات الثنائية وتنميتها\”.
سياسياً يجد المالكي نفسه الان في \”لحظة انتصار\” محدودة، يجب ان تعزز بقوة باتجاه تسوية الخلافات بالكامل لصالح بغداد. ويخشى مراقبون ان \”يهرول رئيس الوزراء الى انقرة دون ضمانات، او شروط\”.
ومن القضايا الملحة التي يجب على بغداد ان تعرضها كشروط لقبول وساطة اعادة الصلة مع اردوغان، تسليم المُدان طارق الهاشمي، والحصص المائية العراقية، وتقليل اثار سد اليسو التركي على العراق، وسحب يدها المتغلغلة في الشأن السياسي العراقي. فضلا عن اعادة العمل ببروتوكول التعاون المشترك الذي وقع في بغداد منتصف العام 2011، والذي عُطل بعد قضية الهاشمي.
وبحسب الناشط البيئي، ومدير مشروع (عدن الجديدة)، الذي ترعاه منظمة (طبيعة العراق لإحياء الأهوار)، عزام علوش، في مقال نشرته مجلة The Economist الاسبوعية البريطانية، وترجمته وكالة \”المدى برس\” المحلية إن \”استمرار تركيا بإقامة سد اليسو العملاق سيؤدي إلى انخفاض مناسيب نهري دجلة والفرات بنحو أكثر خطورة\”.
وينبه الباحث الى ان \”تركيا تقوم ببناء سد ثانٍ أكبر يتم تشييده حالياً في قرية أليسو سيؤدي إلى حرمان العراق أكثر من الموارد المائية، وموت ثروته الزراعية\”.