اسطنبول – باسم دباغ
سرّبت صحيفة \”ميليت\” التركية، الجمعة، أنباء عن قيام وزارة الداخلية التركية والقيادة العامة للجيش التركي بتوقيع بروتوكول مشترك مكون من 14 مادة، وذلك في الثامن عشر من إبريل/ نيسان الماضي، يمنح القيادة السياسية الحق في استدعاء وحدات عسكرية لحفظ الأمن في حال حصول حوادث اجتماعية في أي ولاية تركية، وذلك من خلال أمر خطي من الحكومة وفي حالات الطوارئ تستطيع الحكومة استدعاء الوحدات وفق أوامر شفوية فقط، مما لاقى اعتراضات شديدة شبّهت البروتوكول الجديد بـ\”الإصدار المدني\” لقانون سابق –قام حزب العدالة والتنمية بإلغائه في العام 2010- كان يمنح الحق للجيش بجمع المعلومات الاستخباراتية ضد أي خطر داخلي محتمل، وتنفيذ هجمات في المدن بدون أخذ موافقة مسبقة من السلطة المدنية.
يأتي هذا التسريب بعد أن قامت صحيفة \”طَرَف\” التركية المعارضة في وقت سابق من الشهر الحالي بالكشف عن مشروع مسودة قانون يخص تنظيم عمل الاستخبارات التركية لا يسمح لها فقط بمراقبة المواطنين، لكن أيضاً العاملين في المؤسسات العامة، كما يسمح لها بإجراء ضربات استباقية لتهديدات محتملة سواء داخل البلاد أو خارجها، وطبقاً لمسودة القانون لن يتم محاكمة العاملين في الاستخبارات إلا أمام محاكم خاصة وسرية.
في الحقيقة إن أردوغان منذ اعتلائه السلطة قبل ما يقارب العشرة سنوات أقدم على الكثير من الخطوات لدمقرطة تركيا، لكن في السنوات الأخيرة بالأخص بعد الانتصار الذي حققه في عام 2011 تحولت سياسته نحو خطوات للحصول على أكبر قدر من السلطة؛ حيث يمكننا تعقب عدة مفاتيح استُخدمت لترسيخ \”الأردوغانية\” كأيديولوجية تسلطية:
أولها: البراغماتية: بعد العلمانية الأتاتوركية القاسية التي تعرض لها الشعب التركي، جاء أردوغان المتدين كمخلّص، ليعتبروه المحيطين به قائداً إلهياً أُرسِل لحماية العالم الإسلامي من الاضطهاد الغربي، لذلك فإن البقاء في السلطة أمر ضروري لتحقيق أهدافه في حماية العالم الإسلامي، لا أحد حول أردوغان من السياسيين بطبيعة الحال يتحدث عن هذه الأهداف المثالية، لكن الأنصار لا يترددون بالحديث عن مثالية أردوغان وصحبه الذين على ما يبدو بأنهم يعيرون انتباهاً أكبر لمطالب الفلسطيني في غزة أكثر من مطالب محتجي حديقة \”غيزي\”، وللبقاء في السلطة لتحقيق الأهداف المقدسة فإن البراغماتية هي أهم الوسائل حيث لا يتوقف أردوغان عن رد أي قانون مقيد للحريات لقوانين مشابهة في كل من أوروبا وأميركا فكان آخرها قانون منع بيع الكحول من العاشرة مساء حتى السادسة صباحاً، ومسودة قانون إعادة تنظيم عمل الاستخبارات، وقوانين أخرى سمحت له بإلقاء القبض على قيادات الجيش بتُهم محاولة الانقلاب أوالتخطيط لها وإبدالهم بقيادات موالية مما جعل المعارضين يتهمون بتشكيل نواة قمعية جديدة لكن \”للجمهورية العثمانية\”.
ثانيها: الشباب المسلم: كما كان الأتاتوركيون يتشدقون برغبيتهم في إنشاء شباب أتاتوركي يحمي علمانية الجمهورية التركية، فإن أردوغان أيضاً يحلم بإنشاء جيل من الشباب المسلم الذي يحمل رؤيته ويسعى لتوحيد الشرق الأوسط مرة أخرى تحت حكم \”مسلمي تركيا\”، وفي سبيل ذلك أعاد استخدام الأدوات التي كانت تنتج الشباب الأتاتوركي في الداخل، لكن لإنشاء الشباب المسلم، أما في الخارج فقد إنشئت المدارس التركية في معظم الدول المسلمة، وأعطيت الكثير من المنح الجامعية للشباب المسلم في الجامعات التركية، وذلك بالتعاون مع الجماعات الإسلامية الصوفية، وعلى رأسها حركة نور الصوفية بقيادة العالم المنفي في أميركا \”فتح الله غولان\” الذي تغلل تلامذته في كل مفاصل الحياة التركية بما فيها الجيش.
ثالثها: الإعلام: إن الأمر بات واضحاً بأن الإعلام التركي بشكل كبير تحت سيطرة الحكومة، خاصة إبان احتجاجات تقسيم الأخيرة عندما تجمعت جموع كبيرة من المحتجين أمام بعض وسائل الإعلام التركية مثل محطة NTV بعد رفضها تغطية الاحتجاجات في أول يومين من اندلاعها.
رابعها: الاقتصاد: بعد الانفتاح الاقتصادي الذيتم في عهد رئيس الوزراء السابق في الثمانينات بدأت تظهر طبقة من التجار والصناعيين المتدينين الذين كانوا بعيدين عن ماكينة الجمهورية العلمانية لإنتاج الشباب الأتاتوركي، حيث استفادت هذه الطبقة من الاصلاحات وحاولت محاربة الديكتاتورية العسكرية فدعمت ولازالت تدعم أردوغان من خلال قنواتها الإعلامية وأموالها، يأتي هذا في الوقت الذي بدأ فيه الحديث عن \”اللوبي الرَبَوي\” المكون من أكبر ثلاثة عشر شركة في تركيا يتهمها أردوغان بمحاولة إيقاف عجلة التنمية لإسقاط مشروعه، بعد أن كبدتها إصلاحاته خسائر عالية،كما توعّدها في مناسبات عديدة.
مع أنه يوجد مفاتيح أخرى مهمة أيضاً كالخطوات الثقافية والاجتماعية والتي يمكن أن تضاف بل وتعتبر أساس المشروع، لكن يمكن القول بأن الأمثلة السابقة كافية لإيضاح مفاتيح ترسيخ \”الأردوغانية\” كأيدلوجية تسلطية قد تنتهي إلى السقوط مثلما انتهت اليه باقي المشاريع التلسطية مثل النازية على يد هتلر على الرغم من نجاحاتها الهائلة في أول عهدها.