لم تجف بعد السطور التي روّج لها بعضهم لبغداد في زمن التحالف الجديد \”المواطن، التيار الصدري، متحدون\”، ولم تنته الحملة التبشيرية التي روجت للمحافظ، حتى من وسائل إعلام تتنفس برئة يسارية، وإذا بالوعود والأحلام تنهار في ليلة ظلماء. الملفت أن سقف الحريات ليس فقط لم يتسع، بل تراجع بشكل رهيب تحت رعاية \”خادم بغداد\” الذي لم يمض على تبوئه المنصب سوى بضعة أسابيع، حيث وصلت الأمور إلى إغلاق حتى المقاهي.
إن ما يحصل حاليا في بغداد بين القوى الإسلامية، والتي تريد فرض ذوق معين على مظاهر الحريات العامة في العراق، وبين المعسكر الآخر الذي يضم بقية التيارات والتوجهات الفكرية والسياسية والاجتماعية، ما هو إلا معركة مؤجلة كان لها أن تبدأ منذ العام 2003 لولا استفحال ظاهرة الإرهاب في السنوات الماضية، مما ترك تلك المعركة نارا تحت الرماد. أما اليوم وبعد أن بدأت الأمور تسير في اتجاه أسوأ من الماضي على صعيد الحريات، حانت الفرصة المناسبة لانطلاق شرارة ذلك الصراع الذي لم ولن يكون اختلافا في وجهات النظر فحسب بين المعسكرين، بل هو مرشح في أية لحظة إلى التصعيد أكثر مما حصل، ولذلك فان وسمه بـ\”المعركة\” لم يأتِ بدوافع المبالغة أو الديماغوجيا.
ما أثار حفيظة الجميع هو ليس التضييق على حريات هذا التجمع أو ذاك، وليس فقط إغلاق النوادي الاجتماعية وما شابه، بل ما زاد الطين بلة، هو سلسلة من القرارات والإجراءات التي تحد من حريات الآخرين في بغداد وبعض المدن العراقية الأخرى، كان العامل المشترك فيها هم الإسلاميون!
إن المرحلة الحالية هي اختبار حقيقي لقدرة الإسلاميين على تمرير قناعاتهم بشكل حضاري ومرن دون المساس بحقوق الآخرين، ولهم قد سخرت إمكانيات الدولة للدفاع عما لحقهم من ضرر في فترات سابقة، لذلك عليهم أن يتحلوا بروح المسؤولية، وأن لا يسيئوا إلى الدين الإسلامي أولا، وإلى أحزابهم ومعاقلهم السياسية ثانيا من خلال الممارسات اللامسؤولة، والتي تتعاطى مع الدين فقط من زاوية الحدود والقصاص، وتلغي المساحات المفتوحة الأخرى في الدين الإسلامي.
إن الإسلام لم يعد بحاجة إلى مزيد من التشويه يا أيها الإسلاميون، فقد أسهم الأغبياء في رسم ملامح صورة قبيحة جدا عن الإسلام والمسلمين، طالما استنكرتموها انتم، وادّعيتم بان ما تحملونه من فكر إسلامي لهو مختلف كثيرا عما قدم حتى الآن من نماذج إسلامية مشوّهة، لكنكم بتلك القرارات تقلبون الطاولة على أنفسكم، وتسهمون بشكل أو بآخر في تقديم صورة قاتمة عن الإسلام السياسي. إن من يضع نفسه في مواجهة \”الحريات العامة\” يكون قد وضع نفسه في موقف لا يحسد عليه، ومن يريد تطبيق الشريعة بهذا الشكل، فانه قد أساء لجميع المقدسات، وللمعسكر الآخر أيضا. لابد من الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الفورة لا ينبغي اختزالها في معركة الدفاع عن \”النبيذ\”، فان ذلك لوحده لا يكفي لإثارة مسألة غاية في الأهمية ومبدأ أساسي من مبادئ الديمقراطية، ألا وهو مبدأ \”الحريات\” في إطاره العام.
gamalksn@hotmail.com