أزمة كتّاب ساخرين

أزمة حقيقية يعيشها الأدب الساخر وخاصة في ما يتعلق بكتابة المقال الساخر والشِعر الساخر، وتتمثل هذه الأزمة بالمَلل الذي يُصاحب القارئ عند تصفحه لمواضيع تُسمى ساخرة كون أغلبها أصبح يتناول أخبارا سياسية روتينية وإن كان بعضها ينظر للخبر من جهة مغايرة، ولكن يبقى الهدف والمعطيات والنهاية معروفة مسبقا لدى القارئ.

إضافة إلى أن الكاتب الساخر أصبح يخشى من عدم تقبل الناس لمواضيعه الساخرة، فمثلا من الصعب أن تتناول موضوعا اجتماعيا مُعَينا مثل \”نَهوت شلاكَه على بِنت عمه رازقيه\” وفي نفس اليوم يُعقد اجتماع بين وفد من قائمة المالكي ووفد من قائمة مقتدى الصدر أو وفد من الحكومة المركزية ووفد من الأخوة في حكومة إقليم كردستان الشقيقة.

فَمِن أهم مواضيع الكاتب الساخر هي الهفوات الاجتماعية (المعثرات) ولكن من أين تأتي سلسلة الأفكار لعقل الكاتب وهو بس يصعد للكيا والسيارة تقبط والسايق يكَول سدوا الباب إخوان واجمعوا الكروه وإذا بالتحليلات السياسية تبدأ من أول طسة بالشارع:

\”عفيه حكومة مخلصتهه بس بوك\”.. \”يطبنه مرض غير إحنه انتخبناهم\”.. \”ها هسه طلع صوتكم شو بعهد صدام تاكلون خبز شعير وتوصوصون\”.. \”عَمي شيسوي المالكي إذا هي كلهه ضده\”.. \”يمعود شو اسكت رحمه لوالديك إذا يشوف نفسه ما يدبرهه ليش لازك بالكرسي لزكَة جونسن\”..

السياسة أصبحت حديث الناس وعلى اختلاف أعمارهم فما إن ترى مجموعة من الأطفال وتقول لهم: \”اشلونهم الحبابين الحلوين\” وإذا بيم يردون عليك \”عمو اليوم المالكي بروسيا راح يشتري طيارات\”..

تذهب لأصدقائك في القهوة \”السلام عليكم شباب اشلونكم، عصاااام.. فدوه لعينك استكان شاي واشويه حلّيه، فيردون عليك بس تره المرجعية دورها كلش ضعيف بالعملية السياسية أصلا السياسيين طاكَينهه بعرض الحايط وما يشترون شعورها بالقلق والانزعاج بفلس\”..

رب الأسرة أول ما يرجع من عمله وتستقبله أم الأطفال بعبارة الله يساعدك أبو فلان يجاوبهه: بشريني أَقروها الميزانية لو بعدها ووين التفجيرات اليوم وشكَد الضحايا\”…

الفتاة المخطوبة تنتظر رؤية خطيبها بفارق الصبر وما أن يأتيها وتقول له \”أهلا حبيبي اشتاقيتلك كلش بعد لا تتركني هيجي ويا ربي نعيش حياتنا تحت سقف واحد بدون أي مشاكل.. فيرد عليها خطيبها واني الأشوق حبيبتي وعلى طاري المشاكل تدرين السبب الرئيسي بتأزم العملية السياسية هو قانون الانتخابات\”.

نعم الشعب أصبح مسيسا والوضع الأمني متردٍ والمشاكل الاجتماعية لا تعد ولا تحصى، ولكن هكذا وقت يُعتبر الوقت المناسب للأدب الساخر الهادف، فالإنسان كُلما ازدادت همومه أصبح يبحث عن الابتسامة، وخاصة إذا كان الكاتب غير مُبتذل وذكي بحيث يُوصِل حقيقة مُرة للقارئ ويجعله يتقبلها وهو يضحك، بينما لا يوجد داع لوجود أدب ساخر في مجتمع مثالي وتتوفر فيه كل وسائل الترفيه.

إضافة إلى أنَ الفن الساخر يُعتبر مِعولا لهدم الأصنام التي يصنعها البشر سواء كانت هذه الأصنام سياسية أو دينية أو عشائرية أو اجتماعية طبقية، ويجب أن يكون هذا المِعول بأيدٍ أمينة تثق بها الناس، كما أصبح شرطاً على الكاتب الساخر أن يكون مستقلاً ولا ينتمي لأي جهة.

*كاتب عراقي

إقرأ أيضا