أطفالنا أدوات لتصفية الحسابات السياسية

لا يختلف اثنان ان الحلقة الاضعف في جميع بلدان العالم التي تشهد نزاعات او حروب او حالات عدم استقرار هي الاطفال، انهم يتعرضون للقتل، للعنف الدموي للاستغلال البشع بجميع اشكاله، لإثارة العواطف وللتوظيفات السياسية، العسكرية والاعلامية المختلفة بين جميع المتخاصمين الذين لا يتورعون عادة عن انتهاك الضوابط الانسانية في ازمة صغيرة او كبيرة تحدث فيما بينهم. كان ذلك التوظيف البائس للطفولة فيما سبق، ولا زال قائما ويبدو إنه سيستمر بدرجات مختلفة.

ولان المنطقة العربية والاسلامية تعوّدت ان تكون ساخنة لسبب او لآخر فان الاطفال فيها هم الضحية الاكبر. في بلدان الربيع العربي شاهدنا الكثير من المشاهد المؤلمة والمفزعة بالنسبة للأطفال، في سوريا استخدموا دروعا بشرية، ذبّحوا، حرموا من التعليم، بل جنّدوا في الجبهات، حملوا السلاح وهناك من علمهم قطع الرقاب للأسف الشديد. في الشأن المصري كانوا ضحية لتصفية الحسابات السياسية، هناك من اخرج اطفالا من دور الايتام والمشردين من اجل الخروج بمظاهرات مؤيدة لهذا الطرف او ذاك. وهناك تقارير كثيرة تحدثت عن اطفال في ساحة الاعتصام برابعة العدوية وساحات مصرية اخرى ينظمون مسيرات يرتدون من خلالها الاكفان ويرفعون لافتات \”شهيد عند الطلب\”!   

في العراق ايضا يمكنك ان تشاهد الكثير من لقطات الفيديو التي توثّق اطفالا لقّنوا استهجان هذا الفصيل السياسي او ذاك، زجّوا في معارك سياسية ليس لهم فيها ناقة ولا جمل. ومن تلك المشاهد التي انتشرت اخيرا مقطع لطفلة عراقية تذم القائمين على الكهرباء وتتحدث عن الطبقة السياسية والفساد الاداري وغياب الامن! رغم ان الطفلة لا تعرف شيئا عن جميع تلك المعطيات فهي تعيش في النصف الاخر للكرة الارضية. ورغم ان تلك المشاهد لا تخلو من طرافة لكنها بلا شك تمثل تجاوزا على حقوق الطفل. والغريب ان ذلك التجاوز لم يواجه بموقف واضح من قبل الطيف المدني في العراق. لماذا نزجّ اطفالنا مبكرا في قضية اكبر منهم، الوضع بائس جدا وسوف يأخذون حصتهم من الالم والبؤس والمعاناة لاحقا، لماذا تعجّلون عليهم تلك المآسي؟! الملفت ان اولياء امور الطفلة العراقية التي ظهرت مؤخرا في ذلك الفيديو الشهير يعيشون في امريكا، ويفترض انهم على معرفة تامة بحقوق الانسان عموما وحقوق الاطفال بشكل خاص، ان تلك جريمة قانونية يعاقب عليها القانون الامريكي وجميع بلدان الاتحاد الاوروبي، ويتحمل من يروّج لها مسؤولية اخلاقية ايضا، هناك بلدان تمنع حتى اصطحاب الاطفال في المظاهرات. ما لفت نظري ايضا ان بعضا ممن روّج لذلك الفيديو هم ممن عرف عنهم النشاط المدني والدفاع عن حقوق الانسان! امثلة من هذا النوع ربما تلخّص الى حد ما قصة الجاليات العربية واستثمارها الايجابي او السلبي للبيئات الغربية التي تعيش فيها! وتلخص ايضا سقف النضج الذي تمتلكه القوى المدنية والمدافعة عن حقوق الانسان بشكل عام والطفل بشكل اخص. 

gamalksn@hotmail.com

إقرأ أيضا