بزخم أقل من المتوقع، مرت تظاهرات الذكرى الثالثة لانتفاضة تشرين يوم أمس السبت، وقد أقر ناشطون بأن أعداد المتظاهرين ليست كبيرة، لكنهم شخصوا الأسباب، وأعربوا عن أملهم في تجاوزها مستقبلا، مشددين على ضرورة استمرار الحراك لتحقيق التغيير المنشود، فيما ربط محلل سياسي تراجع قوة تشرين وبين الحرب الروسية- الأوكرانية.
ويقول عضو اللجنة المركزية المنظمة لتظاهرات تشرين واثق لفتة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “تظاهرات الأمس كانت بمثابة إدامة لزخم الثورة، وهذا كان واضحا عبر الكثير من منشورات الحركات الاحتجاجية، سواء في اللجنة المركزية أو غيرها، وهذا الزخم للثورة أرعب الطبقة السياسية الفاسدة، فلجأت إلى قطع الطرق وشل حركة مرور الناس وتنقلاتهم وقطع كثير من الجسور، وكل هذا تسبب بصعوبة وصول الناس إلى ساحات التظاهر”.
ويبين لفتة، أن “90 بالمئة من الناس الذين كانوا يرغبون بالمشاركة في التظاهرات لم يحضروا، حرصا على عدم جر تشرين إلى منطقة العنف، لأن هناك أطرافا كانت تنوي تعنيف التظاهرات والعودة إلى ممارسة القتل، وهذا بالطبع سيستدعي رد فعل من المتظاهرين، لذلك غاب الكثيرون لكي لا يكونوا في المكان الخطأ خلال الظرف الحالي”.
ويتابع “على الرغم من كل الإرهاب والتضييق الموجود في الشوارع، والسلاح المنفلت الذي يتجول منذ أكثر من شهر، حضر كثيرون إلى ساحة النسور، ليسجلوا تحديا واضحا لأحزاب السلطة وأذرعها المسلحة، ثم انسحبوا لكي لا يسمحوا للطرف غير المعني بالتظاهرات بأن يستغلها ويذهب بها نحو المجهول”.
ويشير إلى أن “الزخم الجماهيري ضروري لإضفاء الشرعية على الحركة الاحتجاجية، ومحاصرة الطبقة السياسية في المنطقة الخضراء، لكن هذه الطبقة نجحت في تبديد هذا الزخم من خلال التضييق وقطع الطرق وبث بيانات الخوف والقتل والإبادة وخلق ثغرات بالسلاح في مناطق معينة”، معبرا عن أمله في أن “تعي الناس هذه الثغرات فهي مقصودة، ومن الممكن أن تتجاوز هذه الصعوبات لتحقق زخما جماهيريا لإبادة هذه السلطة”.
ويضيف أن “بيان ساحة النسور كان واضحا ودعا إلى تصفير العملية السياسية وتشكيل حكومة إنقاذ وطني مع عقد وطني جديد، ومحاسبة الفاسدين وتوقيع تأييدات بشكل استمارات إلكترونية أو ميدانية لإزالة هذه الطبقة لأنها لا تمثلنا ومنقوصة الشرعية”.
وكانت تظاهرة انطلقت، صباح أمس السبت، في ساحة التحرير وأخرى في ساحة النسور في بغداد بمناسبة مرور ثلاثة أعوام على انتفاضة تشرين.
وبدأت التظاهرتان بأعداد قليلة، لكنها ارتفعت تدريجيا بعد الظهر، غير أنها لم تبلغ المستوى الذي كانت عليه في 2019، حين اكتظت ساحة التحرير والشوارع المحيطة بها بعشرات الآلاف من المتظاهرين.
وحاول المتظاهرون في ساحة التحرير الاقتراب من الحواجز الخرسانية الموضوعة على جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء، لكن قوات مكافحة الشغب المرابطة عند الحواجز ردت عليهم بقنابل دخانية وصوتية، فضلا عن حدوث تراشق بالحجارة بين الطرفين.
كما تحرك متظاهرو ساحة النسور نحو المنطقة الخضراء بهدف دخولها وقراءة بيانهم الاحتجاجي داخلها، لكن القوات الأمنية منعتهم من ذلك فقرأوا بيانهم في مكانهم.
إلى ذلك، يوضح الناشط الاحتجاجي محمد الياسري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “حجم الرعب الذي بثته الحكومة، وقطوعات الطرق، إضافة إلى تظاهر أبناء المحافظات كل في محافظته، كل ذلك تسبب بقلة أعداد المتظاهرين، ولكن بالمجمل فإن العدد لا بأس به”.
ويلفت الياسري، إلى أن “الانسحاب من الساحات دليل على التنظيم العالي، وسيتم خلال الأيام المقبلة وضع ترتيبات معينة وعقد اجتماعات بين ممثلي المحافظات من أجل تظاهرات يوم 25 تشرين الأول الحالي ليكون الحضور أكبر”.
يذكر أن البصرة والناصرية والنجف والسماوة شهدت تظاهرات أيضا إحياء للذكرى الثالثة لتشرين، ووقعت احتكاكات بين المتظاهرين والقوات الأمنية في البصرة والنجف.
ولم يتم تسجيل حالة وفاة في تظاهرات الأمس، ولكن تم تسجيل عدد من الإصابات بين صفوف المتظاهرين والقوات الأمنية.
وأعلنت خلية الإعلام الأمني، أمس، أن 19 عسكريا بينهم ضباط ومراتب أصيبوا في الاحتكاكات، فضلا عن إصابة 9 من المدنيين المتظاهرين، مشيرة إلى وجود “مندسين” في تظاهرة ساحة التحرير ألقوا قنابل “مولوتوف” على القوات الأمنية وحاولوا جر التظاهرات إلى العنف، فيما طالبت المتظاهرين بتسليمهم إلى رجال الأمن.
وفي بيان آخر لها، أعلنت خلية الإعلام الأمني إلقاء القبض على متهمين اثنين بحوزتهما كرات زجاجية وأدوات لرمي هذه الكرات على القوات الأمنية، كما ضبط بحوزتهما دروع واقية وقناع لإخفاء الوجه وعصي عدد 2، حيث تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهما لإكمال أوراقهما التحقيقية.
وكان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أصدر أوامر إلى القوات الأمنية بعدم استخدام الذخيرة الحية والقنابل الدخانية والرصاص المطاطي ضد المتظاهرين، متوعدا بمحاسبة أي قائد أو مسؤول عسكري يتم استخدام أسلحة ضمن قاطع مسؤوليته.
من جانبه، يفيد المحلل السياسي علي البيدر خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المنظومة السياسية بكافة مكوناتها ترى أن تشرين عدوة لها، لذلك تجبر الحكومة على اتخاذ خطوات تصعيدية في هذا الجانب”.
ويضيف البيدر، أن “استخدام العنف ضد تشرين في السابق وتحول انتباه العالم عن العراق ساهم في تراجع أعداد المشاركين في التظاهرات، فالفرد العراقي اليوم يشعر أن العالم لن ينتبه له إذا واجه الرصاص والموت لانشغاله بالحرب بين روسيا وأوكرانيا وتداعياتها”، مشيرا إلى أن “ظروفا عدة ساهمت في خلق صورة جديدة لأوضاع البلاد، ربما جعلت الأحزاب السياسية تتفوق على الاحتجاجات والتظاهر والتمرد”.
وبالتزامن مع التظاهرات، أصدرت بعثة الأمم المتحدة في العراق “يونامي” بيانا قالت فيه “بينما نتذكر ضحايا أكتوبر 2019، نكرر التأكيد على أن الحق في الاحتجاج السلمي أمر أساسي في الديمقراطية. بينما نحيي قوات الأمن العراقية لتعاملها مع الاحتجاجات بشكل مهني، ندعو الجميع إلى الامتناع عن العنف ومنع التصعيد”.
وبعد الساعة الخامسة عصرا بدأ متظاهرو ساحة النسور الانسحاب من موقع التظاهرة بعد أن قرأوا بيانا أثنوا فيه على جهود وسائل الإعلام والقوات الأمنية، فيما دعوا إلى العودة للتظاهر يوم 25 من الشهر الحالي.
وتوجه بعض متظاهري النسور نحو ساحة التحرير للالتحاق بالتظاهرة القائمة هناك، والتي بدأت تتفرق هي الأخرى مع حلول الليل، إلى أن خلت الساحة تماما من أي متظاهر بعد العاشرة ليلا، لتدخلها كوادر أمانة بغداد بغية تنظيفها.
وفي البصرة، عمدت السلطات إلى قطع الكهرباء مع حلول الظلام عن ساحة التظاهر، لتشرع القوات الأمنية بتفريق المتظاهرين بالقوة، الأمر الذي حصل في النجف أيضا، بينما انسحب متظاهرو الناصرية والسماوة من تلقاء أنفسهم.