حملت نتائج الانتخابات مفاجآت كبيرة وصادمة لبعض الكتل السياسية، وخاصة الشيعية منها، حيث يعيش تحالف الفتح “انتكاسة” كبيرة بحصوله على 14 مقعدا نيابيا، في وقت حصلت فيه “قوى تشرين” التي تشارك للمرة الأولى بالعملية السياسية على نصف هذا العدد تقريبا، وهو ما عزاه تحالف الفتح الى “الالتفاف” على أصواته، فيما عزا تيار الحكمة (صاحب الأربعة مقاعد) الأمر الى العزوف عن الانتخابات، وذلك بالتوازي مع خسارة شخصيات سياسية معروفة، وهو ما أحاله قياديون الى عدم وجود “ثقافة انتخابية” لدى المواطن العراقي.
ويقول سالم العبادي، القيادي في تحالف الفتح بزعامة هادي العامري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “التحالف بانتظار صدور النتائج النهائية للانتخابات، ولا يمكن استباق الحدث والتنبؤ والتحدث عن عمليات تزوير واصدار الأحكام”.
ويضيف العامري “سوف يكون لنا تحرك إزاء كل حدث”، مبينا “وبهذه النتيجة، يتبين أن هناك التفافا على أصواتنا، خاصة وأن أمة الحشد كان دورها واضحا بالذهاب إلى صناديق الاقتراع”.
وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أمس الاثنين، النتائج الأولية للانتخابات التي جرت في 10 تشرين الأول أكتوبر الحالي، وأظهرت فوز الكتلة الصدرية بزعامة مقتدى الصدر بـ73 مقعداً نيابيا، وتلاها تحالف تقدم بزعامة رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي بـ41 مقعداً، ثم ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بـ37 مقعداً، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني بـ32 مقعداً.
فيما حصل مرشحون مستقلون على 20 مقعداً، يليهم الاتحاد الوطني الكردستاني بـ17 مقعداً، وبعدهم حل تحالف عزم بزعامة الأمين العام للمشروع العربي في العراق خميس الخنجر بـ15 مقعداً، يليه تحالف الفتح بزعامة الأمين العام لمنظمة بدر هادي العامري بـ14 مقعداً، تتبعه حركة امتداد المنبثقة من تظاهرات تشرين بزعامة الناشط علاء الركابي بتسعة مقاعد، وبالعدد نفسه من المقاعد فازت حركة الجيل الجديد بزعامة رجل الأعمال والسياسي شاسوار عبد الواحد.
وتأتي هذه النتائج، بعد سلسلة أحداث كبيرة شهدها الشارع العراقي طيلة العامين الماضيين، منذ لحظة انطلاق تظاهرات تشرين الأول أكتوبر في العام 2019، وما رافقها من قمع وعمليات اغتيال وتعذيب للناشطين، بمقابل عمليات حرق وهدم لمقار الأحزاب الشيعية في محافظات الوسط والجنوب.
وتواردت فجر أمس الاثنين، أنباء حول عقد القوى الشيعية اجتماعا في منزل زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، للتباحث بشأن نتائج الانتخابات وتشكيل تحالف بعدد مقاعد يوازي مقاعد الكتلة الصدرية.
وبالتزامن مع الاجتماع، أصدر الإطار التنسيقي المكون من بعض القوى الشيعية وفصائل المقاومة، بيانا أعلن فيه عن طعنه بنتائج الانتخابات وعدم قبوله بها، وانه سيتخذ جميع الإجراءات المتاحة لمنع التلاعب باصوات الناخبين.
وحول هذا الأمر، يبين المحلل السياسي صلاح الموسوي في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “نتائج الانتخابات في الحقيقة هي غير مفاجئة، وعلى سبيل المثال في محافظة ذي قار وتحديدا مرشحي قوى تشرين، فقد حصلوا على أكثر من 30 الف صوت، بفارق كبير عن منافسيهم حتى من الكتلة الصدرية”.
ويلفت الموسوي، الى أن “هذا الاكتساح حصل بسبب المقاطعة الكبيرة التي حصلت من قبل المواطنين لعملية الاقتراع، خصوصا في العاصمة بغداد إضافة الى أن المزاج الشعبي، فهو رافض ومن الصعب إقناعه بأن العملية السياسية ودية”، مبينا أن “ما جرى ينم عن تغير كبير في الشارع العراقي، ومن المحتمل أن تشهد الدورات المقبلة اكتساح الكتل التي لا تزال صامدة الآن، والتي حصلت على مقاعدها بسبب المقاطعة، إضافة الى عدد جمهورهم الكبير”.
وبشأن عدم فوز سياسيين بارزين، يوضح الموسوي، أن “سقوط الأسماء المعروفة، هو بسبب نقمة الشارع عليها، ولو عدنا إلى انتخابات 2014، فقد كان المزاج الطائفي هو المسيطر في حينها، والقوائم ذات الاعتدال لم تحصل على شيء، كما أن انتخابات 2010 أيضا كان المزاج فيها هادئا ولم يحصل تصعيد، وحصل فيها اياد علاوي صاحب القائمة السنية على مقاعد في كل المحافظات الشيعية، بالتالي هذا يؤكد نقمة الشارع حاليا على هؤلاء السياسيين”.
وبالتزامن مع النتائج المفاجئة، فان هناك وجوها سياسية معروفة وتسلمت مناصب عليا عديدة منذ سنوات طويلة، منيت بالخسارة ايضا، وأبرزها: عبد الحسين عبطان، وعدنان الزرفي، وهيثم الجبوري، وسليم الجبوري، وأسامة النجيفي، ومحمد الكربولي، ومحمد صاحب الدراجي، والا طالباني، وبهاء الاعرجي، ومزاحم التميمي، وخالد العبيدي، وكاطع نجمان الركابي، واراس حبيب، وخلف عبد الصمد، وظافر العاني، وسلمان الجميلي، وصلاح الجبوري، ووزير الشباب والرياضة عدنان درجال، وعبد الامير التعيبان، وسارة اياد علاوي، وانسجام الغراوي.
من جانبه، يبين محمد اللكاش، القيادي في تيار الحكمة الوطني بزعامة عمار الحكيم خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مزاج الناخب العراقي يختلف من فترة إلى أخرى، وهذه عملية ديمقراطية وليس بالضرورة أن تكون الكتل التقليدية في المقدمة، إضافة الى أن التقارير تشير إلى أن نسبة المشاركة هي 34 بالمائة، لكن لو خرج الجميع لتغيرت النتائج”.
ويتابع اللكاش، أن “الأحزاب حشدت جمهورها وحتى القوى الجديدة أيضا، لكن هناك عزوف من الجمهور العام”، مبينا أن “سقوط الوجوه القديمة وصعود أخرى جديدة، يعود أيضا للمزاج العراقي، حيث أنه يرى أن هذه الوجوه لم تقدم شيئا، كما لا توجد لدى الشعب ثقافة انتخابية، فانه لا يدرك أن عمل البرلمان هو تشريعي وليس لديه عمل آخر مثل التبليط والسبيس وغيرها (في إشارة الى دعاية بعض المرشحين التي اعتمدت على تعبيد الطرق)”.
ويسعى التيار الصدري للحصول على منصب رئيس الوزراء، باعتبار صاحب أكبر عدد مقاعد نيابية، فيما نص الدستور، وحسب تفسير المحكمة الاتحادية، بأن الكتلة الأكبر هي التي تتشكل داخل مجلس النواب، وليست تلك التي حصلت على العدد الأكبر بنتائج الانتخابات، وذلك في انتخابات العام 2010، وبقي هذا التفسير قائما لغاية آخر انتخابات جرت في العام 2018.
وخلال الانتخابات الماضية في 12 ايار مايو 2018، جرى جدل كبير بشأن الكتلة الاكبر، وحصر التنافس بين تحالف سائرون بزعامة مقتدى الصدر وتحالف الفتح بزعامة هادي العامري، وفي نهاية المطاف، جرى تشكيل الحكومة بآلية “التوافق” دون الاعلان عن الكتلة الأكبر.