بعد انتصافِ العمرِ أمشي في بلادي
بين اتساعِ الموتِ والكذبِ المعادِ
وأرى أناسًا دونما كفّينِ أو قدمينِ
يستجدون في مدن الرمادِ
مغرورقاً بالدمعِ والأحزان
حتى القاع من هذا الفؤادِ
أنا لم تعلّمني المنافي غير أن أبكي على الذكرى
وأعوي في البوادي
أو غير أن تُلقي عليَّ الماءَ بعد الإتّقادِ
أو غير أن أرنو الى شمسِ الطفولةِ
خلف هامات البنايات الغريبه
وأزيح بعض الغيم عن ذكرىً حبيبه
بعد انتصاف الأربعين
أسيرُ في هذي الدروبِ
محدِّقاً كالطفل في كلّ الوجوه
ولا أرى فرقاً كبيراً بين صحبٍ أو أعادي
أمشي طويلاً في بلادي
لا قيمةٌ للابتسامِ
في أوجهِ الجند الكثيرة في الطريقِ
ولا لما ألقي عليهم من سلامِ
أمشي طويلاً في اتّئادِ
ليس اتّئاد السائرين على بقية
أهلِهم تحت الشوارعْ
ليس اتئاد السائرين على بقايا الطيرِ
في الطرقِ السريعةِ
ليس سيرَ الفتيةِ النائينَ في وسنِ الصوامعْ
ليس اتّئاد العائدين من المنافي
بعد أوجاعِ ابتعادِ
أمشي طويلاً في بلادي
وأرى شجيراتٍ تؤجّل مطلعَ الأغصانِ
حتى تأكل السنوات أكداسَ العَتادِ
وأخافُ من غضبِ البنادقِ في الأيادي
وأخافُ مما قد ترسَّب في القلوبِ من السّوادِ
وأخاف من تلك العلاقةِ
بين أطراف الاصابعِ والزنادِ
أمشي طويلاً باكياً في كلّ دربٍ من بلادي