ألفة الخراب وإدمان العبودية

تظل تتقلب على فراشك قبل النوم حتى تجد حلا للمعادلة العراقية، وسلسلة التفجيرات، أقصد الأسئلة التي تبدأ دائما بلماذا؟ وحين ترى أن تسلسل العلل باطل ـ كما يقول المناطقة أي أهل المنطق، وهم مجموعة من المتمنطقين الذين يفكرون بطريقة رياضيات ابتدائية ـ تضع حدا لتهور تلك الأسئلة برفع سيف التبرير العراقي المعروف، إنت تعرف شي واحنه نعرف شي، فتلوم من استلم زمام إدارة البلاد لتجدهم صنفان: أولهما منفي ألِف الكزرخان، أو دولت آباد في قم وطهران، وآخر في الحجيرة والصوص في ريف دمشق، وثانيهما عاش الديكتاتورية وانسحق تحت الحصار، حتى لم يبق منه إلا ملامح بشرية في غاية الانكسار والهزيمة رغم أم المعارك وأم الحواسم وأيام النصر المبين، ويا حوم اتبع لو جرينا.

أعرف أن اختزال معادلة الخراب العراقية في وصول المنكسرين والمهزومين إلى إدارة البلاد فيه الكثير من التعسف، إلا أنني لا أستطيع تجاوز حقيقة أن وجود من يمتلك رؤية النهوض بهذا البلد لن تخفى على العراقيين، وأن وصول رجل متحضر لم تلوثه جاهلية المنفى والحصار بخرابها سيكون كفيلا بسماعنا لمطالعته في مجلس النواب العراقي وهو يضع النقاط على الحروف، لكننا منذ عشر سنين نتابع شاشات الفضائيات المملة لا نجد من يمتلك تلك الرؤية الحضارية يطرحها على زملائه لتكون ولو بعد حين مشروع عمل عراقي لتجاوز حالة الخراب والتخلف المدني ماديا ومعنويا.

لا يحتاج الواحد منا إلى عبقرية فذة ليدرك ـ حين يفيق من نومهـ أننا نعيش البؤس في كل تفاصيل الحياة، وأننا أكثر من هذا كله نسير من الفاو إلى ربيعة على طريق ألف كيلومتر مليء بالحفر لا رصيف له، لماذا؟ ألأننا لا نمتلك قوت يومنا كمنفي في إيران أو سوريا خلال التسعينات يبحث عما يسد به رمقه؟ لا بل لأننا ببساطة أدمنا الخراب، واستسغنا التردي و\”من يهن يسهل الهوان عليه، ما لجرح بميت إيلامُ\”.

ونظن أن لدينا في العراق مستنيرين قادرين على تشخيص أعطال من يديرون الدولة، وإصلاحها وإصلاحهم، لكننا نرتطم يوميا بآلاف من الإمعات الذين ينتظرون (المدير) السياسي الذي يحلمون بأن يصبح ديكتاتورا في زمن (لا ديكتاتورية بعدي) ليوقع على صك ثقافتهم ليضعوا لافتة (برعاية.. راع للخراب..) أدمن التخلف كما أدمنوا هم الديكتاتورية، حتى باتوا يرون كل من في العراق مشروعا صداميا.. وهم اليوم وإن لم يصرحوا بهذا يرددون في خلدهم وهم يرون هذا السياسي الفذ، أو ذاك: ترى أيمكن أن يكون هذا صداما جديدا، هل ممكن ذلك،  أنا أراهن على هذا، نعم بما يملك من أدوات الإقصاء والتصفية والشراسة وغيرها من الصفات العراقية، أن يصبح ديكتاتورا، فأكون أنا من جماعة اشهدوا لي عند الأمير، أنا من أوائل من تنبأ بعبقريتك سيدي، حتى عندما كنت في قماطك، أنا الإمعة الأولى، الذي توسم فيك ملك العباد والبلاد (العبيد والبلادة).

إنه الإدمان يا أيها الناس، إدمان الحضيض، والرضا بالدرك الأسفل من العيش. فهل لما تبقى من الأحياء أن يعيدوا لهذه البلاد الخربة نهر ماء الحياة؟

إقرأ أيضا