شخص خبراء وأكاديميون جملة من المشاكل التي تواجه تطور العلوم الإنسانية والاجتماعية في العراق، في ظل انعدام أية مسحة نقدية أو منهجية حقيقية، عازين أسبابها الى ضعف الدولة وتشتت المجتمع وفقدان الحياة البحثية والعلمية خارج الأطر الاكاديمية التي أنشأتها الدولة، فيما دعوا الحكومة الى توفير دعم مالي لانجاز الدراسات العلمية التي ينتجها سنويا طلبة الدراسات الأولية والعليا مقارنة مع الدول الأخرى.
جاء ذلك على هامش الجلسة التي أقامها مركز أمارجي للتطوير الإعلامي، وهو أحد تشكيلات “العالم الجديد”، حول “أهمية الدراسات الإنسانية في معالجة الظواهر الاجتماعية”، والتي تحدث فيها كل من الدكتور عبد الجبار عيسى أستاذ الاجتماع السياسي في الجامعة المستنصرية والدكتور حيدر سعيد مدير قسم الأبحاث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ورئيس دورية “سياسات عربية”، والزميل أحمد حسن طالب دراسات عليا في الجغرافية السياسية بمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية IRES في باريس وباحث مشارك في المعهد الفرنسي للأبحاث حول العراق .CEFR، فيما أدارتها الباحثة هيام علي طالبة ماجستير علوم سياسية في الجامعة المستنصرية.
الدراسات الإنسانية في العراق- درسة نقدية
وتطرق الدكتور عبد الجبار عيسى ضمن محوره “الدراسات الإنسانية في العراق- دراسة نقدية” الى حداثة الدولة العراقية، فـ100 عام ليست كثيرة قياساً بعمر الدول، والمقصود هنا ه الدولة الحديثة وليس العمق الحضاري لعراق ما بين النهرين”.
ويضيف “موضوع الدراسات الانسانية في العراق موضوع سهل ممتنع، فالامتناع يأتي من كيفية تأليف رؤية نقدية وهذه هي الاشكالية في هذا الاطار، ففي أي بلد تعيش الدراسات الانسانية وتحلق وتتطور في جو من الحرية وفي ظل منهج نقدي، والسؤال هنا: منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة 1921الى الوقت الحاضر كم من الحرية قد أتيحت للدراسات الانسانية لكي تساهم في تغيير المجتمع؟ وهو ما يقودنا الى سؤال جوهري آخر ما جدوى الدراسات الانسانية إذاً؟ هذا الكم الهائل من البحوث والدراسات كم كانت قادرة على تغيير الواقع الاجتماعي؟ في الواقع لا توجد فسحات للحرية في العراق، نعم كانت بشكل بسيط في بداية تأسيس الدولة العراقية مع الاتجاه الليبرالي ولكن سرعان ما انتكس في مرحلة الانقلابات وما بعدها، وفي العراق هناك عدد من الكتاب يمتلكون الاسلوب النقدي في تحليل المشكلات ولكن لابد أن نتذكر أن غاية الدراسات الانسانية هي العمل على تطوير المجتمع نحو الأفضل من خلال حل المشكلات التي تواجه المجتمع والفرد، فإلى أي مدى ساهمت هذه الدراسات الانسانية في ذلك؟ هناك عملية “دولنة” تريد من خلالها الأنظمة السياسية تجيير العلوم الانسانية لصالحها وهذه مشكلة المثقف والسلطة، وهناك من كتاب الدراسات الانسانية كتبوا باتجاهات ايديولوجية وهو ما يجعل الباحث يأخذ جانب واحد في تفسير المشكلة الاجتماعية وفي ايجاد الحلول”.
ويتابع الدكتور عيسى “مع الأسف الشديد خلال المئة عام الماضية لا نذكر سوى عدد قليل من الباحثين أمثال (علي الوردي) و(حنا بطاطو) وفي كثير من الأحيان هناك ارتباك في تحديد الاتجاهات أو المناهج فالدكتور (علي الوردي) عادةً ما يصنف على أساس كونه عالم اجتماع، بالفعل هو عالم اجتماع ولكن منهجيته دائماً كانت تصب في علم النفس الاجتماعي. أما على صعيد الاجتماع السياسي فأيضاً لم تكتب الكثير من الأشياء في هذا المجال فكل ما كتب كان ضمن علم الاجتماع وأحياناً في التحليل الطبقي الاجتماعي مشوب بشئ من السياسة ولكن كنظرية وتفكيك سوسيو- سياسي قليل جداً، لكن بعد 2003 بدأت تظهر كتابات في هذا الاتجاه”.
ويرى أن “المشكلة التي تواجه الدراسات الانسانية في العراق ليست فقط المنهجيات وأسلوب النقل وانما مشكلة “السلطة”، أنت لا تستطيع أن تتجرأ على الحفر في الماضي، لا تستطيع أن تتجرأ على قضايا الجغرافية السياسية، لأن النظام ذو اتجاه ايديولوجي معين فقد لاقى (علي الوردي) الأمرين من كتاباته على الرغم من أنه لم يفعل شيئا أكثر من تشخيص أمراض المجتمع وعلى الرغم من أنه لم يقل أنها نهائية، وبالتالي ديدن السلطة في العراق أنها لا تقبل بأي نوع من الاطروحات النقدية في أي مجال، هل الدراسات الانسانية محددة من السلطة السياسية فقط؟ الجواب كلا على الرغم من أن السلطة السياسية تأخذ القدر الأكبر باعتبار السلطة السياسية هي الجهة الوحيدة التي تملك وسائل الارغام المادي ولكن نحن أمام سلطات أخرى أيضاً تقف حجر عثرة أمام الدراسات الانسانية بصيغها النقدية مثلاً السلطة الدينية، سلطة اللغة، فسلطة اللغة بحد ذاتها تؤثر على الدراسات الانسانية عن طريق سيمياء اللغة(علم العلامات)، ففي دراسات الانسانية تكتب بحثاً سياسياً وتستخدم لغة معينة ستفهم من خلال اللغة ايديولوجيا معينة أو توجه معين”.
ويختتم حديثه بـ”موضوع المناهج الدراسية في الجامعات العراقية فهي مناهج بائسة وبالذات العلوم السياسية لأنها وضعت من دون أي مسحة نقدية ومن دون أي منهجية فضلاً عن عدم توفر جو من الحرية، ولابد أن ننعتق من السلطة وهذا بحد ذاته سؤال اشكالي كيف نتخلص من ربقة السلطة؟ الحل الوحيد هو تعزيز منهج النقد وأنا من الداعين في العلوم السياسية الى الاستفادة من مناهج النقد الأدبي”.
أي نوع من المراكز البحثية يحتاجها العراق؟
ثم تحدث الدكتور حيدر سعيد، في محوره المخصص حول “أي نوع من المراكز البحثية يحتاجها العراق؟” الى “أهمية الحديث عن وضع العلوم الاجتماعية والانسانية في العراق والإطار الخاص المتعلق بمراكز الدراسات في العراق، من المهم الإشارة الى عدم وجود تقييم شامل لوضع العلوم الانسانية في العراق، وقد عمل الدكتور مع فريق أبحاث كان من ضمنه الدكتور الراحل (فالح عبد الجبار) وقد أصدروا كتاباً في عام 2008 عنوانه (وضع العلوم الاجتماعية في الجامعات العراقية)، كان البلد يشهد في تلك المرحلة الزمنية حربا أهلية بالمعنى الحقيقي للكلمة، ويعتقد أنه أول تقييم لوضع العلوم الانسانية في العراق، الآن يعمل على مشروع مع المجلس العربي للعلوم الاجتماعية حول نفس القضية”.
فيما يتعلق بمراكز الدراسات في العراق، أشار سعيد الى “مجموعة مقولات لكي يحدد اشكالية هذا الموضوع، الاولى أن العلوم الاجتماعية في العراق نشأت في ظل الدولة وأنا بتقديري لا نستطيع أن نتحدث عن العلوم الانسانية في العراق ما قبل الدولة الحديثة، الدولة في اطار التحديث الشامل الذي قامت به هي بدأت بإنشاء الكليات التي اختصت بما نعرفه الآن العلوم الاجتماعية والانسانية بالاضافة الى باقي العلوم، لكن الرؤية التي حكمت الدولة وهي تؤسس العلوم الانسانية كانت رؤية “أداتية”، فالدولة كانت تنظر لهذه المؤسسات الاكاديمية باعتبارها مراكز لانتاج الجهاز البيروقراطي للدولة وليست مراكز بحث وانتاج علمي، وأن هذه الرؤية مستمرة منذ تأسيس الدولة ولغاية الآن، بمعنى أنه لم تنظر الدولة وقد أسماها الحالة “الدولتية”، فنحن لا نستطيع أن نتحدث عن مجتمع يتحرك خارج أطار الدولة لذلك عندما تضعف الدولة يتشتت المجتمع، أي أنه لم يكن هناك حياة بحثية وعلمية خارج الأطر الاكاديمية التي أنشأتها الدولة وبالتالي لا يمكن قياس الحالة العراقية مع حالات في دول أخرى أكثر تقدماً، وكذلك كان هناك حالة من التمييز خلال حكم الدولة منذ بدايتها والى هذه اللحظة هو التمييز بين العلوم الصرفة والعلوم الاجتماعية، فدائماً هناك امتياز للمشتغلين في العلوم الصرفة على مستوى البعثات والدعم المالي على حساب المؤسسات الاكاديمية المعنية بالعلوم الانسانية”.
ويتابع “المقولة الثانية تتعلق بالسؤال حول العلاقة بين صانع القرار والمراكز البحثية، هذا في الحقيقة سؤال يخص النموذج الأمريكي تحديداً وليس نموذجاً أوروبياً، فظهور مراكز دراسات تسهم في انتاج دراسات معينة يستفيد منها صانع القرار هذا نموذج امريكي، لذلك نحن نتحدث عن مؤسسات من هذا النوع مؤسسات واسعة داخل الولايات المتحدة في حين أن أوروبا لم تنتج هذا النموذج، فلن نجد في فرنسا على سبيل المثال أو بريطانيا أو المانيا مراكز التحليل السياسي، لذلك نجد أكبر مؤسسة بحثية في فرنسا (المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي) (CNRS) الذي يحتوي على ثلاثين ألف باحث هو ليس نموذجا لمراكز التحليل السياسي التي تقدم بحوث وتوصيات يستفيد منها صانع القرار وقد مر على هذه المؤسسات في فرنسا تحديداً كبار المهتمين في العلوم الاجتماعية فهذا نموذج أمريكي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، لكن بسبب “الأمركة” أو “العولمة” بدأ هذا النموذج كنموذج عام يجب أن يتبنى بشكل واسع وحتى في منطقتنا العربية أصبح هناك اغواء لتأسيس مثل هذا النموذج.
ويبين “يجب أن يكون هناك تمييز بين نوعين من مراكز الدراسات أي بين مراكز التحليل السياسي التي تقدم توصيات لصانع القرار وبين مراكز دراسات ليست بالضرورة أن تتجه الى دراسة أمور تتصل بالسياسة الخارجية والعلاقات الدولية أو صنع السياسات العامة، نحن نعتقد أن حاجة مجتمعاتنا وحاجة بلد كالعراق هو الى مراكز دراسات تدرس ظواهر ومشكلات وبنى اجتماعية أكثر عمقاً وتعقيداً من دراسة الحالات التي تدرسها مراكز التحليل السياسي”.
إن هذا التمييز بين مراكز الدراسات أمر مهم، يتابع حيدر سعيد، كذلك من المهم عادةً تعريف جامعاتنا باعتبارها مراكز انتاج علمي وليست مراكز انتاج جهاز بيروقراطي للدولة ومن ثم مراكز دراسات التي يجب أن تنشأ أصبح هناك حرية لإنشاء جامعات خارج اطار الدولة، لكن وجود مراكز بحث علمي ذات طابع نقدي وفاعلة وحيوية وتدرس الظواهر الاجتماعية الكبرى لكن للأسف مراكز الدراسات البحثية داخل الجامعات تحولت ليس فقط الى ظاهرة بيروقراطية بل الى أشبه بمنفى، فالأستاذ الذي يريدون التخلص منه ينقلوه الى مراكز الدراسات!.
بحسب الاطلاع يعتقد حيدر سعيد، أننا لا نمتلك دراسة تقييمية لوضع مراكز الدراسات في العراق، وقد كان هناك ما قبل 2003 مراكز دراسات، ولكن إنتاجها سري وجهاز المخابرات في العراق ما قبل 2003 أنشأ مركز بحثي باسم (مركز البحوث والمعلومات) وفي التسعينات بدأ يتسرب جزء من نتاج هذا المركز الى شارع المتنبي، صحيح كانت هناك دراسات منتجة ولكن ليس لدينا القدرة على تقييم قيمتها العلمية بحكم طابعها السري، أما ما بعد 2003 فقد أنشأ مركز تابع للدولة باسم (مركز النهرين) للدراسات وللأسف المركز ليس فاعلاً بسبب عدم وجود رؤية من داخل صانع القرار بالاستفادة من نتاج هذه المراكز، وما يلفت النظر أن صانع القرار الرسمي (الدولة) ظل غير معني بإنشاء مثل هذه المراكز لكن في المقابل هناك مجموعة من الأطراف السياسية التي تخوض الصراع السياسي بدأت تنشئ مجموعة من المراكز المرتبطة بها وتقدم تصوراتها الى هؤلاء الفاعلين السياسيين. فيما يختتم حديثه بالتأكيد مرةً أخرى على حاجتنا الى تفعيل دور الجامعات باعتبارها مراكز انتاج علمي وليست جهاز بيروقراطي.
الدراسات الإنسانية- مقارنة بين العراق وفرنسا
أما المحور الأخير فكان تحت عنوان “الدراسات الإنسانية- مقارنة بين العراق وفرنسا”، والذي تحدث فيه الزميل أحمد حسن عن تجربته الشخصية كونه طالب ماجستير في الجغرافية السياسية بالمعهد الدولي والاستراتيجي في باريس، إذ بين أن فرنسا تمول الدراسات الأكاديمية، وكل من ينتجون مشاريع بحثية أكاديمية ولا يحق للطالب أن يختار عناوين عشوائية فاختيار العنوان يجب أن يتناسب مع حاجة المجتمع، على سبيل المثال اشتغلت زميلة على (مشاكل الشباب في الاندماج في العمل)، واختيار هذا العنوان بسبب وجود مشكلة في فرنسا أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين (14-24) سنة لديهم مشكلة في الاندماج داخل الوظيفة على اعتبار أنهم لا يمتلكون رؤية تجاه اخلاقيات المهنة، وفي عام 2016 بعد احتلال داعش لمدينة الموصل أصبح هناك قرار من قبل الحكومة الفرنسية تجاه الدراسات العليا في الجامعات ليقوموا بإنتاج دراسات خاصة بالإسلام، وقد خصصت الكثير من الأموال لهذا النوع من الدراسات الغرض منها تكون تصور متكامل حول سبب ذهاب بعض المسلمين الفرنسيين الى العراق وانخراطهم مع داعش وبالتالي شعروا بوجود اخفاق كبير لدى ادرتهم بسبب عدم اهتمامهم بما يصدر من أبحاث من قبل علماء الاجتماع”.
مقارنة هذه الجزئية مع العراق نجد أولاً لا يوجد معاهد فعلية متخصصة داخل الجامعات بعلوم الاجتماع السياسي، كما يقول حسن، كذلك هناك مشكلة كبيرة في مسألة منهجية الدراسات في العراق، في الدول الأخرى تقوم الهيئات التدريسية بالضغط على الجهات الحكومية لحل هذه المشكلة، معاهد علوم الاجتماع الموجودة في السوربون وجامعات أخرى في فرنسا مهمتها الأساسية انتاج بحوث تتناسب مع المتغيرات والظواهر التي تحدث في فرنسا، في العراق للأسف الشديد هناك فقر معرفي لدى السلطة وأصحاب القرار في الدولة سواء السلطة الدينية أو الاجتماعية أو الحزبية أو الادارية تجاه أهمية الباحث الاجتماعي في المجتمع وفي الدولة.
ويضيف “من الظواهر الغريبة التي تحدث في العراق، مثلاً رجل شرطة يتجاوز الأربعين من عمره يغتصب طفلة، هذا في رأيي يجب أن يكون “حالة” للدراسة من قبل الباحثين الاجتماعيين، فالمشكلة أن العراق يعتمد على اجراءات “ارضائية” للضحية واجراءات “ردعية” للجاني وبالتالي الحلات في تزايد، ففي السابق كانت الجريمة تحدث في المجتمع ولكن الآن الجرائم في العراق أصبحت تسجل في المنازل والآن المنازل في العراق لم تعد آمنة وهذا بسبب غياب الدراسات البحثية.
وينوه “في فرنسا هناك اجتماع سنوي بين وزارة الداخلية ووزارة التعليم ووزارة الصناعة لغرض مناقشة وتوجيه الباحثين نحو انتاج بحوث تتناسب مع حاجة الدولة، والطالب غير مقيد في اختيار عنوان بحثه لكن في المقابل هناك توجه حكومي لإنتاج بحوث في قضايا معينة”، مبينا “الطالب عندما يدرس في فرنسا تعتبر الدولة أن ما يقوم به هو عمل وبالتالي هناك راتب مخصص للطالب وهذا يشجعه على الدراسة والانتاج، أما الطالب في العراق عندما يدرس فأن الدولة تحاول أن تأخذ وتستفيد من الطالب وليس العكس”.
ويتابع “فيما يتعلق بالطالب فإنه في فرنسا عندما يقوم بدراسته البحثية لا يعتمد فقط على المصادر أو يقوم بنسخ ولصق الأفكار والمصادر، بل يحاول أن يبحث عن المعلومات وانتاج شئ جديد، هذا لا يعني أن التعليم في فرنسا نزيه فليس هناك نزاهة مطلقة وهذا لا يعني في العراق لا يوجد أساتذة وطلبة مميزون، لكن هناك إرادة أقوى منهم، هناك محاولات لإقصاء الطلبة فالحكومة والسلطة الحزبية تقصي التعليم بدلاً من تطوير التعليم في العراق”.
ويوضح “التعليم في فرنسا لا يقوم على أساس الكسب والربح كما يحدث الآن في الجامعات الأهلية في العراق، بل الهدف الأساسي هو انتاج تعليم يتناسب مع تطوير هذا المجتمع فلتعليم يمثل الارادة الفكرية للدولة، وهذا ما يتم زرعه لدى الطلبة فقبل أن يدخل الطالب الى الجامعة هناك لمدة شهر أو شهرين يدرس الطالب فقط أهمية الاندماج والبحث العلمي وأهمية ما يقوم به، وقد اختتم المحور بقضية (الاندماج المهني) فالطالب في فرنسا يفترض أن يقضي 450 ساعة في احدى المؤسسات التي تتناسب مع دراسته البحثية وهذه الساعات هي مهمة لعملية اندماج الطالب، والمراكز البحثية في العراق ليس لديها توجه نحو استقطاب طلبة الدراسات العليا ومحاولة دمجهم داخل المراكز البحثية وأغلب المراكز البحثية هي مراكز ذات ايديولوجية حزبية، أي لا يوجد ارادة علمية داخل هذه المراكز”.
مداخلات
وقد تخللت الجلسة مداخلات عدة كانت الأولى للدكتور محمد الحديثي، أكد فيها على قضية الامتياز الذي تحظى به العلوم الصرفة على حساب العلوم الانسانية، وذكر مثال حول هذا الأمر بأننا نمتلك اليوم في وزارة التعليم العالي فقط 37 جامعة حكومية، رؤساء الجامعات من ذوي الاختصاصات الانسانية ربما لا يتجاوز عددهم أربعة أو خمسة فقط وهذا يؤشر طبيعة الامتياز الذي تحظى به العلوم الصرفة قبالة العلوم الانسانية في تولي المناصب العليا في التعليم، وهذا واضح حتى عندما حدثت البعثات الحكومية التي دعمها مكتب رئيس الوزراء 2009-2010-2011، إذ كان هناك امتياز كبير للعلوم الصرفة على حساب المتخصصين في العلوم الانسانية، كذلك أن أكبر مشكلة تعاني منها الدراسات الانسانية في العراق هي عدم وجود موائمة بين الدراسات وسوق العمل فهناك بون شاسع بين مخرجات الجامعات وبين حاجة سوق العمل، أيضاً هناك اشكالية أخرى فهناك نوع من القصور بين الأساتذة والقائمين على ادارة الدراسات الاجتماعية والانسانية في تطوير هذه الدراسات فعندما نتصفح المواقع الالكترونية للجامعات العربية نجد فعلاً أن الدول اتجهت نحو تطوير هذه الدراسات أما في العراق فمازال هناك مناهج وكتب تدرس منذ سنة 1970ولا تزال الوزارة متمسكة بها على الرغم من حاجة الدراسات الانسانية الى التجديد ربما كل عشر سنوات، أيضاً هناك اشكالية في مخرجات هذه الدراسات وفي الطلبة أنفسهم، إذ يعتقد أن هناك قصور في تطوير الأدوات والوسائل المعرفية.
ويضيف الحديثي “أما ما يتعلق بمراكز الدراسات، بعد عقدين من الزمن أي بعد التحول الديموقراطي فشلنا في العراق في تأسيس مراكز بحثية رصينة، فمعظم المراكز البحثية الموجودة مرتبطة بالسلطة، أما المراكز البحثية الحكومية فهي عبارة عن مراكز بحثية ينقل اليها الموظفين المعاقبين وغير المنتجين لتجد نفسك في “مقبرة” وهذا بالفعل الاسم الذي كان يطلق على المركز الذي كان يعمل فيه حسب وصفه، أمامنا وقت طويل حتى نستطيع أن نحقق المراكز البحثية المنتجة التي نتطلع إليها”.
بينما أشار الدكتور دهام العزاوي في مداخلته الى أن “معوقات الدراسات الانسانية في العراق تتعلق بغياب الحريات الأكاديمية والميراث الثقافي للمجتمع والظروف السياسية منها الانقلابات وعدم الاستقرار السياسي والجهات الخارجة عن القانون التي أسهمت أيضاً في تقويض الدراسات الانسانية في العراق، وقد ركز في مداخلته على ضرورة تفعيل الدراسات الأكاديمية في العراق التي بحاجة الى أن تأهيل من حيث طبيعة الباحثين والمخرجات وموائمتها مع سوق العمل وكذلك من المهم تفعيل البحث العلمي داخل الوزارات كوزارة التخطيط ووزارة الخارجية ووزارة العدل ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وبحسب عمله كمستشار سياسي في وزارة التخطيط ومدير عام في دائرة التعاون الدولي سابقاً، فقد وجد تمييز واضح ضد العلوم الانسانية، ويعتقد أن الدراسات الانسانية في العراق تواكب كل التطورات ولكن القضية في تطبيق مخرجات هذه الدراسات من قبل الجهات المعنية”.
أما الدكتور علي المرهج فقد تحدث عن قضية القبول في الدراسات العليا وتدخل الوزارة فيه وهذا ماأثر سلباً على الدراسات العليا في العراق والعلوم الانسانية بالذات والقضية متعلقة بحجم الفائدة فهناك سوء تخطيط في قبول الدراسات العليا فهناك عدد كبير مقابل مخرجات لا تجد سوق عمل، وقد ذكر قضية التعامل مع العلوم الانسانية على أساس كونها علوم من الدرجة الثانية، وأشار الى أن الوزارة لا تفعل البحث العلمي داخل الجامعات وداخل المراكز البحثية والمجلات العراقية بقدر ماتطالب الاستاذ بنشر البحوث في مواقع خارجية وهذه العقدة التي يسميها مدني صالح عقدة (فرايدي من كروزو) أي عقدة الشرق من الغرب، أي يجب أن يميزنا الغرب لكي نثبت بكوننا متميزون وإذا لم ننشر في الغرب فنحن لسنا كذلك.
فيما انتقدت نور عبدالسلام في مداخلتها الدولة بعدم توفير ظروف ملائمة لطلبة الدراسات العليا وذكرت بأنها لن ترفع سقف أمنياتها بمطالبة الدولة بتوفير دعم مادي ولكنها أكتفت بالمطالبة بالدعم المعنوي فطالب الدراسات العليا اليوم يعاني من صعوبة في الحصول على المصادر صعوبة عمل الاستبانات، كذلك أن قرارات وزارة التعليم العالي دائماً تقف بالضد من مصلحة الطالب مثل المطالبة بنشر خمسة بحوث محلية أو النشر في “سكوباس” اضافة الى دراسته البحثية وهو مايرهق كاهل الطالب مادياً ومعنوياً، ورغم كل ما يقوم به الطالب من جهود ما هو مصير بحث الطالب سوى أن يهمل في رفوف المكتبة؟! من المفترض أن تتبنى الدولة هذه البحوث وتستفاد منها في سياستها العامة، وقد أشارت الى مكتبة كلية الاجتماع بأنها تحتوي على 99،9% من البحوث الرصينة التي تخص القضايا العراقية الداخلية ولكن لا أحد تبنى هذه البحوث، لو وضعت الدولة خطة سنوية للاستفادة من مخرجات هذه البحوث لأصبح الوضع الاجتماعي اليوم أفضل حالاً.