صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

أمريكا.. تقتل القتيل وتمشي في جنازته

أشعلت الإدارة الأمريكية الأزمات والصراعات في المنطقة، ولا تزال تمارس أساليب فرض الهيمنة فيها عن طريق إذكاء الصراعات وتأجيج الانقسامات والنفخ في نار الخلافات الإقليمية. فاليوم يشتعل الصراع ويحتدم الاقتتال في العراق بما أدى إلى اشتعال حرب طاحنة هناك، ونرى سوريا اليوم وقد حولتها الولايات المتحدة إلى ساحة عنف وقتال طائفي وأرض للعصابات، وهناك إشغال لدول المغرب العربي بنزاعات مماثلة، ولا ننسى محاولة تفتيت اليمن ومصر وتونس والسودان ولبنان والصومال من خلال محاولة صنّاع القرار الأمريكيين تكريس الخلافات وتشجيع النعرات الطائفية وإنشاء تكتلات دينية مختلفة، كما عملت على عزل إيران وفرض العقوبات عليها لإجبارها على إيقافها عن تطوير التكنولوجيا النووية، والقضية الفلسطينية التي لا تزال إسرائيل تقتل الفلسطينيين في إطارها، حتى بدا أن وظيفة إسرائيل النهائية هي إفناؤهم بأية وسيلة وحتى آخر رمق من أنفاسها. هكذا تلعب أمريكا أدواراً في إشعال الحروب، وتأجيج الصراعات ثم تأتي بصفتها المنقذ والمخلص للدول والشعوب العربية لتزرع قواعد لصواريخها في المنطقة.

 

لا يختلف اثنان على أن هناك مطامع أمريكية وغربية في المنطقة، تتعارض مع المصالح القومية والإنسانية لشعوب العالم العربي، والتي تعمل أمريكا على تحقيقها بالاستعانة ببعض الدول والأنظمة الحليفة مثل إسرائيل ومعظم الدول العربية وبعض التيارات المحلية في كل دولة. ربما أن هذه الحقيقة هي من البديهيات التي يبنى عليها أي تحليل لما يجري في الدول العربية اليوم.

 

فالأحداث التي تشهدها المنطقة لعبت الإدارة الأمريكية دوراً رئيسا في صناعتها وتطويعها لصالحها ولصالح حليفتها إسرائيل، والضبابية التي تلف الساحات والميادين العربية والإقليمية وعدد الضحايا الذي يتزايد هنا وهناك وجبل الأوهام الذي يتراكم باسم الحرية والديمقراطية لا يمكن أن تحجب حقيقة أساسية مفادها أن المنطقة دخلت فعلاً لتفتيتها إلى دويلات عنصرية وطائفية وزعزعة أمنها واستقرارها.

 

فالولايات المتحدة الأمريكية تعمل على خلق صدام عقائدي في المنطقة العربية بأكملها، وتعزز الجماعات المتشددة والمتطرفة لخلقها في المنطقتين العربية والإسلامية لنشر الصراعات الطائفية، حتى تستطيع تحقيق مصالحها والمحافظة عليها دون التدخل المباشر كما حدث في حربها على العراق عام 2003،  والولايات المتحدة هي أكثر الدول تأثيراً في إدارة هذه الصراعات التي قامت بدور الاحتضان والرعاية لها وعملت على موازنتها بين الأطراف المتنازعة وفقا لمعطيات نظرية المؤامرة التي تطورت كثيراً على يد تلك الإدارة لتنضج من خلالها فكرة عدم انتصار أي من الطرفين، فقد سبق أن دعمت أمريكا إيران في عهد الشاه بالعتاد العسكري على النحو الذي جعل نظام الشاه يقوم بدور \”شرطي الخليج\”. وبعد سقوط نظام الشاه دعمت الولايات المتحدة نظام الرئيس العراقي صدام حسين،  وفي نفس الوقت الذي كانت تقدم الأسلحة المتطورة إلى العراقيين كانت من الجهة الأخرى تقدم عبر أطراف ثالثة الأسلحة والعتاد العسكري للإيرانيين، وبدلاً أن تبادر الدول الغربية، إلى تقديم أفكار إيجابية تسهم في حل الأزمة السورية وتوقف النزيف الدموي، ذهب الأوروبيون والأميركيون إلى الحدود القصوى في التهيئة لتقسيم وتجزئة سورية الذي يفضي إلى سقوطها في قبضة الاحتلال الغربي.                                                                                      

 

إن حكومة أوباما لا تنوي خوض أي حرب مع أي بلد، ليس كراهية للحرب، لكن خوفا من تبعاتها، فلذلك تدفع بالآخرين ليقاتلوا نيابة عنها، كما نشهد ذلك الآن في سوريا والعراق، وليس مهماً بالنسبة لأمريكا أن يكون طرفا النزاع أعداء لها أو أن يكون أحدهما صديقا لها والآخر عدوا لها، فكل ما يهمها في الوقت الحاضر هو إشغال المسلمين بحروب داخلية، وبالمقابل كلما كثر الهرج والمرج في البلدان العربية والإسلامية، كلما كان ذلك في مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة، إذ أن أهم أهداف أمريكا بالمنطقة العربية الاحتفاظ بإسرائيل وبقائها وهيمنتها على الدول العربية.

 

إن ما جرى في المنطقة ولا يزال هو مصلحة أمريكية إسرائيلية بالدرجة الأولى وإعادة ترتيب جديد للمنطقة، فالظاهرة الاستعمارية هي المسؤول الأول والأخير عن معاناة الشعوب العربية بإتباعها سياسات تعسفية لاستغلال خيراتها وثرواتها، وما زالت هذه المخططات والمشاريع سارية المفعول، حيث يحاول الشريكان الأمريكي والصهيوني تنفيذها عبر خلق الأزمات والفوضى والفتن والاقتتال بين أبناء الشعب الواحد في العديد من أقطار القطر الواحد، وبالتالي فإن الحاصل هو المزيد من المعارك الصاخبة بين أبناء الحضارة والثقافة واللغة الواحدة، إضافة إلى المزيد من العنف وما يسفر عنه من قتل وسفك للدماء على حساب البناء والتنمية والتطور الحضاري.

 

وأختم مقالتي بالقول إن كشف المخطط الصهيوني لتقسيم البلاد العربية وتعريته من أولى الواجبات التي يجب أن تكون من مسؤوليتنا، وما تمر به الأمة العربية إنما هو لإضعافها من أجل تسهيل عملية تفتيتها إلى دويلات صغيرة، فلنحذر ولننتبه، ولنفتح عيوننا لحماية بلادنا وأمنها، وضمان مستقبلنا المشرق.

 

* د. خيام محمد الزعبي: كاتب وباحث سوري متخصص في العلاقات الدولية، Khaym1979@yahoo.com

إقرأ أيضا