حركة احتجاج جديدة بدأت بوادرها في العراق بقيادة “أمهات الشهداء” كما يطلق على النساء اللائي فقدن أبناءهن بسبب القمع الذي رافق تظاهرات تشرين الأول أكتوبر 2019، حيث أجمع العديد من الناشطين على دعم هذه الحركة وتأييدها، مؤكدين استعدادهم للمشاركة في موجة تظاهرات جديدة تنادي بها “الأمهات“.
ويقول الناشط نور محمد في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الحركة التي قامت بها امهات الشهداء مؤخرا حصلت على تأييد كبير من المتظاهرين ومواقع التواصل الاجتماعي وخاصة ام الشهيد ايهاب الوزني“.
ويضيف ان “الحكومة لم تلتزم بجميع الوعود، بل اتبعت التسويف والمماطلة بعد مضي اكثر من سنة على الاحتجاجات، ولم تكشف عن قتلة المتظاهرين”، مبينا ان “حركة احتجاجات حتمية ستنطلق خلال اشهر قريبة، خاصة في حال تأجيل الانتخابات التي يعد إجراؤها من مطالبنا المهمة“.
ويوضح “أما بخصوص زيارة ممثلة الأمين العام للامم المتحدة جينين بلاسخارت لوالدة الشهيد الوزني، فانها زيارة شكلية حيث نراها تزور عوائل الشهداء تارة، وتجلس مع قتلة المتظاهرين تارة أخرى، وهو ما يثبت ان زيارتها اعلامية لا اكثر ولا نعول عليها بشيء”، لافتا الى “اننا جنود امام امهات الشهداء، ونحن جميعا ابناء لهن ورهن اشارتهن، وسنخرج للتظاهر السلمي متى ما يقلن لنا ذلك، ومع اننا لا نتوقع تغييرا كبيرا إلا أن ما يجري سيمهد لتظاهرة جديدة تطيح بالحكومة الحالية“.
وبدأت والدة رئيس الحراك الشعبي في كربلاء ايهاب الوزني، الذي اغتيل في 9 ايار مايو الماضي، بالاعتصام امام محكمة الجنايات في المحافظة، ونصبت خيمة لها للمطالبة بالكشف عن قتلة ابنها، لكن تمت مصادرة خيمتها من قبل القوات الأمنية، ومن ثم عادت في اليوم التالي ومنعت ايضا من نصب الخيمة.
وأثارت والدة الوزني الرأي العام ودفعت مئات الناشطين الى مشاركتها الاعتصام، رغم رفضها لهذا الامر، تحسبا من وقوع اشتباكات وسقوط ضحايا، بحسب ما تناقلته وسائل الاعلام من فيديوهات لها، لكنها دعت من جانب اخر “أمهات الناشطين القتلى إلى التظاهر أمام المحاكم، للضغط على الحكومة وتسيير التحقيقات المتوقفة“.
وبحسب ما رصدته كاميرات الناشطين، فان عجلات تابعة لبعثة الامم المتحدة في محافظة كربلاء، رفضت التوقف لوالدة ايهاب اوالاستماع لها، ما أثار تعاطفا كبيرا في وسائل التواصل الاجتماعي، ودفع ممثلة الأمين العام للامم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت الى زيارة والدة الوزني عقب هذه الحادثة في منزلها.
والدة ايهاب، وخلال تواجدها امام المحكمة، أقدمت ايضا على رمي “شيلتها” غطاء الرأس، امام المحكمة، وهو ما يعتبر في العرف الشعبي جنوبي البلاد، بأن للمرأة “ثأرا وحقا تطالب به“.
من جانبها، تبين الناشطة ميسان عبدالرضا في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “حركة امهات الشهداء التي حصلت مؤخرا هي ناتجة عن مقترح شبابي ومن بعض الناشطين كطريقة للمطالبة بدماء الشهداء“.
وتلفت عبدالرضا “انا شخصيا لو كنت مكان اي واحدة من امهات الشهداء وفقدت ابنا او اخا، لنصبت خيمة لي امام القضاء لحين الكشف عن القتلة”، متابعة “هذه التصرفات تنبع من الثقافة الثورية لدى امهاتنا، وهي حافز للشباب المتظاهر وسيكون لها تأثير كبير“.
وتتابع “لا أثق بممثلة الأمم المتحدة بلاسخارت ولا مجيئها وزيارتها لعوائل الشهداء، ولا حتى بحقوق الإنسان، ولو كانوا حريصين فعلا لاتخذوا قرارات منذ اول يوم لقتل المتظاهرين، لكن هذا مجرد تظاهر اعلامي لا اكثر“.
حراك والدة ايهاب، سرعان ما وجد له صدى بين أمهات قتلى التظاهرات، فوصلت المساندة سريعة من والدة مهند القيسي، الذي قتل في احداث ساحة الصدرين بمحافظة النجف، حيث ظهرت للاعلام ونفذت نشاطات مختلفة للمطالبة بكشف قتلة ابنها، اضافة الى والدة عبد القدوس قاسم، الذي اغتيل في ميسان، والتي طالبت عبر مقاطع فيديو بـ”دم ابنها“.
يذكر ان اتهاما وجه الى قائد عمليات الحشد الشعبي في محافظة الانبار، قاسم مصلح، بقضية اغتيال الناشط ايهاب الوزني في كربلاء، وهو ما أكدت عليه والدته خلال اعتصامها امام المحكمة.
وكان مصلح قد اعتقل في 26 ايار مايو الماضي، من قبل لجنة مكافحة الفساد، وأثار اعتقاله توترا امنيا كبيرا بين الحشد الشعبي ورئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، ما انتهى باطلاق سراحه بعد 12 يوما فقط، وبحسب بيان صدر من مجلس القضاء الاعلى فان “الادلة لم تكن كافية لإدانته“.
وبحسب احصائيات من قبل منظمات ومفوضية حقوق الانسان، فان اكثر من 35 ناشطا جرى اغتيالهم في محافظات الوسط والجنوب، وذلك اضافة الى نحو 600 متظاهرا قتلوا خلال ذورة التظاهرات بين تشرين الاول اكتوبر 2019 ومطلع 2020.
ولغاية الان لم تكشف الحكومة عن الجهات التي تقف خلف قتل واغتيال المتظاهرين، رغم تشكيل العديد من اللجان التحقيقية، التي غالبا ما تنتهي بالتسويف، وذلك في وقت اكد وعد الكاظمي منذ تسنمه منصبه بالكشف عن قتلة المتظاهرين، وهو ما فشل بتحقيقه.
الى ذلك، يوضح احد اقارب الناشط المختطف سجاد العراقي في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “حركة امهات الشهداء والمغيبين احدثت تأثيرا كبيرا في الرأي العام“.
ويشير الى ان “هذه الحركة التي خرجت بها امهات الشهداء الذين سقطوا خلال احتجاجات تشرين الماضية، نحن داعمين لها وسنساندها حتى تحقيق هذا المطلب الضروري كما اننا قلبا وقالبا معهم”، مبينا “اننا تحت أمرة امهاتنا في اي شيء يطلبونه، من اجل محاكمة قتلة المتظاهرين والافراج عن المعتقلين المغيبين الذي لم نعلم اين هم لغاية الآن“.
وينوه الى “هذه الحركة سيكون لها تاثير كبير في الشارع العراقي، لاسيما المتظاهرين وباعتقادنا ستحقق نتائج ايجابية خلال الايام المقبلة“.
وقد اختطف سجاد العراقي، الناشط في مدينة الناصرية بمحافظة ذي قار قبل نحو 10 اشهر، دون معرفة مصيره لغاية الان، رغم ارسال الحكومة قوة امنية خاصة من بغداد للبحث عنه، لكن لم تصل الى نتائج تذكر.
ويعد العراقي، ثاني ابرز مختطف بعد المحامي علي جاسب من محافظة ميسان، الذي اختطف مع بداية التظاهرات في تشرين الاول اكتوبر 2019 وبقي مصيره مجهولا، وبعد ان رفع والده “جاسب” صوته، وبرز في وسائل التواصل كمطالب بتحرير نجله ولقائه اغلب المسؤولين، جرى اغتياله على ايدي مجهولين في اذار مارس الماضي.
الى ذلك، يؤكد الناشط كرار مطر في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “القانون لم يأخذ مجراه بصورة صحيحة فيما يخص دماء الشهداء، حيث ان أم الشهيد ايهاب الوزني، عندما نصبت خيمتها امام المحكمة فهي ايضا تعتقد ان الحل الوحيد لاخذ حقها هو القضاء“.
ويبين مطر، ان “مبادرة امهات الشهداء وخطواتهن جيدة جدا، ونتمنى نجاحها نحن كمتظاهرين سلميين ونحن ايضا نرى بان اللجوء إلى القضاء هو الحل الأمثل”، مبينا “نحن داعمون بكل تاكيد لهذه الحركة ولابد من الاخذ بحقوق الشهداء وهو مطلب رئيسي لنا، وحاليا التظاهرات ستكون مستمرة بين فترة وأخرى كوسيلة ضغط على القضاء لحين تحقيق مطلب محاكمة قتلة المتظاهرين“.
وكانت اخر حركة احتجاجية في العراق، قد انطلقت في 25 ايار مايو الماضي، على خلفية اغتيال ايهاب الوزني، وجرت في 3 ساحات في العاصمة بغداد (التحرير والفردوس والنسور) وسرعان ما جوبهت بقمع من قبل الاجهزة الامنية ومطاردة للمتظاهرين وشن حملة اعتقالات بجقهم، وقد ادت الى مقتل 3 متظاهرين واصابة العشرات منهم.