أميركا: إيران حليف.. السعودية تتفكك

الاتفاق النووي الايراني والترويكا الماسكة بزمام امن العالم، يعني ان هدنة طويلة، ستحولها طهران الى محطة جديدة في سياق انتعاشها اقتصادياً وانفتاحها سياسياً وزيادة نفوذها في الشرق الاوسط بقبول اميركي، \”الروحانية\” لن تعود الى ممارسة \”الترويع السياسي\” الذي دأب عليه محمود احمدي نجاد، حتى وان بقي المرشد السيد خامنئي يُصعد من لهجته الراديكالية ضد الغرب واسرائيل، فتلك اللهجة يجب ان تستمر، لعبة المحاور الايرانية المتعددة هي من تعطي الزخم. بيّد ان الخوف الحقيقي، ان هذا الانفتاح سيؤثر سلباً على الوضع العراقي، لجهة ان الاتفاق سيفجر \”الغضب\” السعودي المكبوت حتى الان برباطة جأش \”هشة\”.

وبحسب تعبير صحيفة نيويورك تايمز الاميركية، امس، في مقال مطول تحت عنوان \” الولايات المتحدة والسعوديين في تصدع متزايد جراء انتقال السلطة في الشرق الاوسط\”، فعلى الرغم من أن \”السعوديين لا يزالون حلفاء الولايات المتحدة المقربين، الا ان الاتفاق النووي هو تتويج لخيبة الأمل المتبادلة البطيئة التي بدأت بعد نهاية الحرب الباردة\”.

في الاسبوع الماضي، قلت بمقالي \”الحاضنة السلفية (الشيعية) مستقبلاً!\” ان \”السعوديين منذ 70 عاماً يشعرون انهم بمأمن من اي تغيير في المنطقة والعالم، لجهة الاتفاق الشهير بين المؤسس عبد العزيز آل سعود والرئيس روزفلت (…)، لكن اميركا العظيمة تريد العودة الى ضفافها الان\”.

الصحيفة ايضا تشير الى ما ذهبت اليه في مقالي (اللحظة الشيعية المستقبلية!) قبل نحو ثلاثة اسابيع، حين قلت ان \”وفق الخارطة الجديدة للشرق الأوسط، فأن اغلب الأراضي الغنية بالنفط ستقع تحت أرجل \”الشيعة\”. ربما هذا لا يهم كثيراً في الأعوام العشرة المقبلة، فالتقديرات الأميركية تؤكد (…) الوصول إلى الاكتفاء الذاتي بفضل سياسات التخزين العملاقة، والاستخراج الصخري، والحقول الجديدة في الآسكا والمكسيك. لذا ما يهم هو إعادة (التموضع)\”.

تقول نيويورك تايمز: \”لقد كانت الولايات المتحدة أيضا مترددة في اتخاذ اي الجانبين في الصراع الطائفي المتفاقم بين الشيعة والسنة، فالسعوديون حلفاؤها ويمثلون المعسكر السني وناصرتهم طويلاً (…) في ذات الوقت، جعلت مصادر النفط السعودية الجديدة أقل أهمية، وفتحت الباب امام المبادرات الدبلوماسية مع ايران، مع خوف سعودي عميق من الهجر\”.

باتت السعودية الان في منطقة الخطر الحقيقي. هي امام اختبار مرهق وانتحاري مع التخلي الاميركي عنها، مقابل تطبيع العلاقة مع طهران، فزعامة العالم الاسلامي التي اغدقت عليها مليارات المليارات لم تنفع بتوطيد الزعامة السعودية، بينما ايران بدت وكأنها تقترب من الزعامة بهدوء كبير ولا ترى اية مواجهة. واذا ما تخلّت واشنطن عن الرياض، فان تلك الدولة الصحراوية المشبعة بالنفط لن تصمد الا اشهراً قليلة قبل ان تدخل في احتراب داخلي. فمنظومتها الامنية والصناعية وحتى السياسية مرهونة بأميركا. 

ويشير توماس دبليو ليبمان، باحث مشارك في معهد الشرق الأوسط، متخصص على نطاق واسع في العلاقات الأميركية – السعودية الى \”اننا نقوم بتدريب الحرس الوطني، ونُفعِل الخطط الأمنية والتدريب لمحطات النفط وغيرها من المرافق، ونبرم أكبر صفقات الأسلحة في التاريخ\”.

الهزة العنيفة التي تعرضت لها الرياض جعلتها تشعر بالغيض والذعر. فكل حظوتها السياسية داخل المجتمع الدولي متأتية من دعم واشنطن. واذا ما تركت الرياض تقرر لوحدها مواقفها السياسية، فستتحول الى دولة مضحكة ومتخبطة وقليلة الخبرة، وهو ما بدا واضحاً ازاء رفضها قبول المقعد غير الدائم في مجلس الامن، بعد ان سعت اعواماً طويلة وراء تحقيق هذا المكسب لتحقق \”انتصاراً\” معنوياً على طهران، وبذلت اموالاً \”خرافية\”، لكن بالنهاية سقطت في العمى السياسي. كان ذلك الحاق هزيمة بالنفس.

خلال الربع الاول من العام المقبل ستنتهي الحرب السورية. سيسحب حزب الله والعراقيون قواتهم الكبيرة من على الارض. وستقدم دمشق تحفيزات سياسية مهمة كبادرة جديدة على القوة والرخاء السياسي، بينما ستعمل طهران على تسويق تلك التنازلات على انها مقدمات لسياسة سورية مستقبلية. ومثلما دافعت طهران عن دمشق، سيحين الوقت عندها لتقوم الاخيرة بتقوية سياسة التطمينات. 

السؤال الابرز: قوات حزب الله والجماعات العراقية، حين تنسحب من الارض السورية ستعود الى حواضنها الطبيعية، افرادا يندمجون في محيطهم الاجتماعي، ولربما سيصنفون على انهم \”ابطال\”، لكن عناصر الجماعات المسلحة المتشددة القاعدية منها و\”الداعشية\” كيف سيتم تصريفهم؟ عبر اية قنوات؟ والى اية حاضنة؟ 

تشدد صحيفة نيويورك تايمز على انه \”في نهاية المطاف، ستتصالح ايران مع اميركا، وستكون حليف واشنطن في المنطقة\”، وتضيف ان \”السعوديين قلقون للغاية من التخلي الاميركي، الذي سيضعهم عرضة امام قوة ايران، فالرياض سربت مواقفها عبر افتتاحيات صحفها التي قالت ان مفاوضات جنيف ليست سوى مقدمة لفصل جديد من التقارب بين الولايات المتحدة و إيران\”.

تفكيك السعودية ايضا سيكون في نهاية المطاف. فالجماعات الجهادية ستعود الى حواضنها الاصلية، الممر الامن لتصريف القيح السلفي الى الصحراء، فالمملكة التي عاندت كثيرا ورعت \”الارهاب\” وناورت بحوار الاديان، عليها ان تدفع الضريبة المريعة. من خرج من الصحراء يعود اليها مجددا.

إقرأ أيضا