صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

أوباما تأخر في فهم دور سورية وأهميتها في المنطقة

في أعقاب الحرب على تنظيم \”داعش\” ازدادت الأصوات التي تُطالب الغرب بالسعي الى إشراك سورية، بعد أن توصّل الخبراء ومهندسو السياسة في آن واحد وفي جميع أنحاء أوروبا، فضلاً عن خبراء السياسة الخارجية البارزين في الولايات المتحدة، إلى خلاصة مفادها أن دمشق هي مفتاح للاستقرار الإقليمي وأن إعادة فتح خطوط الاتصال الساكنة منذ وقت طويل معها أمر حيوي.

 

السياسة الأمريكية الخارجية في المنطقة العربية، وخاصة تجاه سورية، هي ذلك المنوال الإستراتيجي أمريكياً، من حيث الغدر والخبث والتلاعب بالمصير الوطني والديمقراطي والسياسي، القائم على المتغيرات الأمريكية في مصالحها الإستراتيجية من خلال الأساليب الزائفة المطلبية والحقوقية والمطالبة بالمزيد من الديمقراطية والإصلاح، فالتدخلات في الشأن السوري، والابتزاز بتهديد التنظيمات والعصابات المسلحة لبيع المزيد من الأسلحة وضمان الخضوع، ستبقى ذات السياسة تجاه الملف السوري، حتى يتم تدمير سورية وإدخالها في الحرب الأهلية وذلك من خلال اللعب على أوتار الصراعات الداخلية والإقليمية، وطبعاً الهدف من ذلك أن تبقى سورية في إطار المتغيرات على صفيح ساخن أو على كف عفريت أمريكي وآخر إسرائيلي، لبلع سورية وتحقيق مصالحهم وأهدافهم في المنطقة.

 

تتبع اليوم الولايات المتحدة الأمريكية في سورية الرؤية الإسرائيلية التي عبر عنها المفكر الإستراتيجي الأميركي ذو الانحياز الصهيوني \”ريتشارد لوتواك\” بصراحة لا لبس فيها، فقد نشر في عام 2013 في صحيفة نيويورك تايمز مقالاً بعنوان \”في سورية: ستخسر أميركا إذا كسب أي من الأطراف\” يقول فيه \”إن الإستنزاف الطويل الأمد في هذه المرحلة من الصراع هو المسار الوحيد الذي لا يضر المصالح الأمريكية\”، وختم المقال بنصيحة لصانع القرار الأمريكي قال فيها \”سلحوا المتمردين كلما ظهر أن قوات الأسد في صعود، وأوقفوا دعمهم كلما بدا أنهم سيكسبون المعركة\”، ولن تخرج الحرب الأمريكية على داعش عن هذه المعادلة الجهنمية، كون داعش ليس سوى صنيعة أمريكية غربية لتحقيق مآربها في سورية، فجوهر المسألة ليس إمكانية تدمير تنظيم قد يتلاشى في بضعة أيام تحت القصف الأمريكي كما تلاشى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي تحت القصف الفرنسي، وإنما جوهر المسألة أن ترفع أمريكا يدها عن المنطقة، وتكف عن العبث بمصائر شعوبها والوصاية على قرارها الإستراتيجي، وتقبل بعلاقات ودية معها بدلاً من علاقات التبعية السائدة اليوم.

 

ليس صحيحا أن أمريكا غير قادرة على نشر العدالة والديمقراطية في الدول العربية، فتنافس الدول العربية على الاكتتاب في الحملة الأمريكية على داعش يكشف عن مدى الارتهان للخيارات الأمريكية للمنطقة، وعمق الاختراق الإستراتيجي الأمريكي لها، كما أن أمريكا تستطيع أن تفعل الكثير في المنطقة، وهي تفعل الكثير بشكل مباشر وغير مباشر، لكنها اختارت الخيار الخطأ أخلاقياً وإستراتيجياً، واستمرت في العبث بمصائر الشعوب العربية والإسلامية، وضرب العرب والمسلمين في مكامن قوتهم المادية والمعنوية، وحرمانهم من الحرية والسلاح اللذين يعتبران أهم دروع السيادة في الأمم المعاصرة.

 

ومع أن التصريحات الأمريكية تجنبت ذكر نظام دمشق صراحة خلال الإشارة إلى ضرورة أن تشمل العمليات العسكرية ضد داعش سورية، فإن هذه الإشارة على ضعفها تمهد الطريق لاتصالات مع الحكومة السورية التي لا تزال تمثل القوة العسكرية الرئيسة في الصراع السوري، خاصة في ظل ضعف وتشرذم قوى المعارضة، وبالمقابل فإن الحرب الأمريكية على داعش في العراق تتم بتفاهم مع إيران، وإن توسيع نطاق هذه الحرب إلى سوريا يتطلب أيضاً تفاهماً إيرانياً أمريكياً مماثلاً في سورية، ومثل هذا التفاهم لابد وأن يأخذ بعين الاعتبار وضع النظام السوري، ورؤيته حول أولوية محاربة الإرهاب التي حاولت دمشق إقناع الغرب بها خلال مفاوضات جنيف الثانية. وما يزيد من احتمالات ذلك التعاون الغربي مع نظام دمشق، هو التجربة الغربية السابقة في دعم المعارضة التي أدت إلى ظهور تيارات متشددة، وبالتالي فان الغرب بات مقتنعاً بضرورة التنسيق مع النظام السوري الذي لا يزال يحتفظ بحضوره الرسمي، وتربطه تحالفات دولية قوية سواء مع إيران أو روسيا أو الصين، فسورية التي انتعش الإرهاب في معظم مناطقها، بتمويل نفطي وتسهيلات تركية، هي وحدها القادرة على التصدي لـ\”داعش\” وجيوشها، لذلك من يُرد صادقاً محاربة الإرهاب عليه بدمشق، فلا نهاية لهذا التنظيم المسلح إلا بمباركتها. لذلك ستكون من الحكمة إعادة فتح قناة اتصال مع النظام السوري لمكافحة خطر التنظيم.

 

أوباما تأخر في التوصل إلى رؤية دور سورية وأهميتها في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن الوقت لم ينفد بعد. لذلك ينبغي على الرئيس الأمريكي أوباما إعادة بناء جسور الثقة بين واشنطن وسورية، وخاصة بعد أن تأكد للعالم أجمع أن سورية دولة محورية ومفتاحية في المنطقة، وأن دورها أساسي في حل القضايا الشائكة ولاسيما قضية الصراع العربي الصهيوني، وهي مفتاح السلام والاستقرار الإقليمي في المنطقة.

 

* د. خيام الزعبي: باحث سوري متخصص في العلاقات الدولية، Khaym1979@yahoo.com

إقرأ أيضا