ما يجري اليوم في المنطقة العربية مسار جديد من مشروع الولايات المتحدة يتم تنفيذه بواسطة إسرائيل والجماعات التكفيرية، وذلك لرسم خريطة جديدة في هذه المنطقة، فالذي يسلح ويدرب ويوجه عبر الأقمار الصناعية الإرهابيين لتدمير سوريا والعراق وقتل شعبيهما هو نفسه الذي يسلح ويحارب مع الجيش الصهيوني ويقتل الفلسطينيين، فإستراتيجية تصدير الإرهابيين الأميركيين والبريطانيين وآخرين لجمعهم في البقعة السورية – بعدما جمعهم بوش في البقعة العراقية ونجح في إبعادهم عن الأراضي الأميركية – أثبتت عدم نجاحها إلى جانب كونها إستراتيجية مفلسة أخلاقياً تسترخص أرواح أطفال سورية والعراق وتهدف إلى تدمير الدولتين وتمزيقهما كثمن مقبول به عملياً.
ربما سائل يسأل، إن أمريكا الآن تقصف داعش فكيف ذلك وهي صنيعتها؟ أليست هي من تدعمها مالياً وتسليحياً وإعلامياً مع الدول السائرة في فلكها؟ نعم لا غرابة فلقد قامت داعش بما رسم لها في إحداث الرعب والخوف في قلوب العرب، لا بل تمادت وتعدت وخرجت على النص مما أخاف أمريكا وإسرائيل أن يؤدي الأمر إلى الانفلات الزائد وعدم القدرة على كبحها وتقزيمها والسيطرة عليها بعدما رأت ما حققت من انتصارات وأن الجيوش والشعوب فرت مذعورة خوفاً من وحشية هذا التنظيم.
بمعنى آخر يمكنني القول إن الموقف الجديد للغرب إزاء الزمر الإرهابية في سورية والعراق وفي مقدمتها \”داعش\”، لم يأت بسبب إحساس الغرب بخطورة هذه التنظيمات الإرهابية على شعوب المنطقة، بل جاء بسبب الاكتفاء الذاتي مادياً لـ\”داعش\” بعد سرقة أموال طائلة من البنوك العراقية وسيطرتها على آبار النفط وتهريبه عبر تركيا بثمن بخس، الأمر الذي جعلها تخرج من بيت الطاعة الغربية وبعض الدول الخليجية، لذلك كان لابد من تحجيم \”داعش\” وأخواتها وإعادتها لهذا البيت، عبر إضعافها من خلال قطع يدها عن آبار النفط واستنزاف قوتها التي تضخمت وأصبحت تشكل خطراً حتى على من أوجدها.
وفي هذا الإطار جاء الاعتراف الأمريكي الغربي بخطورة \”داعش\” و\”النصرة\”، على شكل قرار أصدره مجلس الأمن الدولي بالإجماع تحت الفصل السابع، وتوعد القرار بمعاقبة الجهات التي تدعم هذه التنظيمات الإرهابية التكفيرية بالمال والسلاح. وزاد مقتل الصحفي الأمريكي جيميس فولي على بيد \”داعش\” من تشدد الغرب وأمريكا في التصدي لهذه التنظيمات المسلحة، وبالمقابل عزم تنظيم \”داعش\” على استدراج الرئيس الأمريكي أوباما إلى التورط بصورة أكثر مباشرة في المعركة معه وذلك عبر تحديه لإيقاف الغارات الجوية ضد مواقع \”داعش\” في العراق، وإلاّ، فالمزيد من الإعدامات المروّعة لأميركيين على نسق إعدام الصحفي الأميركي المخطوف سابقاً جيمس فولي، وراء هذه الإستراتيجية الكثير من الأسباب، منها ما يدخل في خانة التباهي بالانخراط في حرب مع الولايات المتحدة تسهم في حشد المزيد من المتطوعين الغربيين في صفوف \”داعش\” والذين تزداد أعدادهم بصورة ملحوظة، وهناك أسباب تنطلق من الرهان على ضعف الرئيس أوباما وعدم امتلاكه القدرة على تحقيق النصر.
للأسف الشديد إن بعض الدول العربية وخاصة الخليجية منها، تعيد الآن في العراق وسوريا، تكرار ذات الخطأ الذي ارتكبته في أفغانستان في بداية ثمانينيات القرن المنصرم، عندما قامت بتأسيس القاعدة بالتعاون مع أمريكا وباكستان، إلا أنه لم تمر عدة سنوات حتى تحولت القاعدة الى عدو للدول التي أسستها، ودفع العالم وما زال يدفع ضريبة تصنيع القاعدة من قبل الغرب وبعض الدول العربية، كما يدفع العالم اليوم أيضاً ثمناً باهظاً لتصنيع \”داعش\” من قبل هذه الدول، وبضوء اخضر أمريكي، بهدف إسقاط أو تركيع النظام السوري ومحور المقاومة، فانقلب السحر على الساحر، كما انقلب بالأمس في أفغانستان على أمريكا وحلفائها في المنطقة.
اليوم أصبح تنظيم داعش يهدد أمن واستقرار المنطقة والعالم، وعليه فإنه أصبح لزاماً على جميع الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي مواجهته عبر خارطة طريق واضحة المعالم ووقف تمدد هذا الخطر الإرهابي، ويجب أن تكون المواجهة مع هذا التنظيم الإرهابي شاملة، فكراً وتخطيطاً وتنظيماً وتنسيقاً، بهدف العمل على اقتلاع هذا التنظيم الذي لم يوفر في إجرامه طائفة أو جنسية أو عرقاً أو قومية، وهذا ما يجعل أمر مواجهته أمراً دولياً يحتاج إلى رؤية دولية شاملة وإلى إستراتيجية يتبناها العالم للقضاء على هذا الوضع المأساوي المؤلم الذي تتألم منه كل شعوب المنطقة، بسبب همجية وبربرية هذا التنظيم الإرهابي الذي ليس له صلة بالإسلام.
إن الهواجس التي أكدها الرئيس الأسد في خطاب القسم يجب أن تكون خارطة طريق لاقتلاع خطر الإرهاب والتنظيمات الإسلامية التي تريد إعادة العرب إلى عصور التخلف.
وفي إطار ذلك يمكنني القول إن فكرة التحالف الدولي – الإقليمي لمحاربة الإرهاب، فكرة صحيحة ومهمة، لكنها لن تستقيم، طالما أن واشنطن ما زالت تشهر الفيتو في وجه انضمام لاعبين مؤثرين إلى صفوف هذا الائتلاف، وتكيل بمكيالين في النظر إلى الإرهاب وداعميه وساحات قتاله، تحارب داعش في العراق، وتتسامح معها في سوريا، تتهم النظام السوري بخلقها، وتغمض أعينها عن الآباء الحقيقيين لهذه الظاهرة، من حلفاء واشنطن الأقربين.
وأخيراً أختم مقالتي بالقول أنه مهما اختلفت طرق القضاء على داعش بتقرب الحلفاء الأعداء، فسيفضي بالأخير إلى تنفيذ خريطة الطريق الأميركية بتقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة تستطيع التحكم بها بدءاً من العراق واستقلال الدولة الكردية، وبترقب مصيري لكل الدول التي أعلنت داعش تبعيتها لخلافتها.
وخلاصة القول هناك خشية عربية وغربية من \”داعش\” لها مبرراتها، ولكن السؤال البديهي؛ لماذا صمتت تلك الدول وتورط بعضها في تمويل وتدريب وتهريب الجماعات الجهادية المسلحة إلى العراق وسورية؟ ولماذا يكرر هؤلاء أخطاء الثمانينات حين أسهموا في إنشاء تنظيم القاعدة ومتفرعاته؟
* د. خيام الزعبي: كاتب وباحث سوري متخصص في العلاقات الدولية، Khaym1979@yahoo.com