تابعت كما تابع غيري بعضا من مسلسلات رمضان، وبشكل خاص حرصت على متابعة مسلسل \”حفيظ\” الذي بث عبر احدى القنوات العراقية. لست من المهووسين بالدراما ولا مختصا في هذا الجانب، لكني حرصت على متابعة ذلك المسلسل لأنه يتحدث عن الاهوار التي اهتم بها كثيرا. وعلى ضوء تلك المتابعات جاءت الانطباعات التالية.
عنوان المسلسل كما هو موضوعه يتحدث عن الأسطورة في الاهوار بشكل عام، وأسطورة حفيظ بشكل خاص، هذه الأسطورة الى جنب غيرها من الأساطير الاخرى تشكل البنية الاساسية لفولكلور وتراث تلك المنطقة. ان سكان الاهوار توارثوا حكاية قديمة نصفها واقع ونصفها خيال، تعود بعض ملامحها الى قصة الطوفان، الحكاية تقول: إن هناك اخوان ثلاثة، \”عكر\” و\”ابو شذر\” واخوهما الثالث \”حفيظ\”، ولكل منهم مملكة غنية ومزدهرة، ولأنهم طغوا قلبت بهم الارض واغرقوا بطوفان عظيم. اما العكر وابو شذر فهما منطقتان موجودتان فعلا في الاهوار الوسطى، وحتى قبيل تجفيف الاهوار كانتا مأهولتين بالسكان، فيهما عثر مؤخرا على الكثير من اللقى الأثرية من قبل فرق تنقيب رسمية. اما حفيظ فهو ليس الا اشان \”تل\” وجزيرة صغيرة متخيلة، فيها الكثير من الكنوز والاحجار الكريمة وفيها من الاشجار المثمرة ما لذ وطاب، تحرسها المخلوقات الماورائية مثل \”الطنطل، الجن\” والتي حينما تظهر الى العلن قد تتمثل على هيئة شبيهة بالإنسان. الاسطورة تشير بأنّ هذه الجزيرة الصغيرة تظهر احيانا وتختفي احيانا اخرى، وهناك اناس ادّعوا حقيقة أنهم لقوا شيئا مشابها لملامح تلك الأسطورة، الملفت ان عوامل الخرافة في هذه الاسطورة مصاغة بطريقة ذكية، فحتى من عثر عليها يفترض انه يظل الطريق او يشرد عن الواقع ولا يمكن ان يصلها اذا قصد ذلك! هكذا تستمر حفيظ في الاحتفاظ بمكانتها المتمناة جدا وتصبح مغيّا يصعب الوصول اليه بشكل من الاشكال.
كانت هذه الاسطورة مدخلا ذكيا للكاتب سعد هدابي من اجل الوغول الى عالم الاهوار، ومن تلك الفكرة الاسطورية اراد ان يكسر كثيرا من القيود المشابهة التي القت بظلالها على حركة المجتمع العراقي بشكل عام، وتحت غطاء الاساطير والخرافات مارس الأشرار أفعالهم بشكل او بآخر. ذلك العمل الذي انتدب له مخرج سوري وممثلون من سوريا ومصر بالإضافة لوجوه عراقية معروفة، اعد له بشكل جيد. انها من المرات النادرة جدا ان يسجل حضور عربي ملفت في عمل عن الاهوار رغم كل الظروف الصعبة التي يمر بها العراق، وخصوصا على صعيد الامن. المخرج السوري سامي جنادي حرص في كثير من المشاهد على اظهار الطبيعة الجميلة للأهوار، رغم كل ما تعرّضت له من خراب ورغم فعل الحروب، المسلسل اظهر الاهوار وبيئتها وسكانها بشكل يليق بها قياسا بالأعمال التي تتحدث عن تلك الجغرافيا.
وبالرغم من أن العمل لاقى استحسان اغلب المتابعين، فإنه لم يخل من ملاحظات. على سبيل المثال الكاتب يفترض ان تل حفيظ واقع في هور الحويزة \”الاهوار الشرقية\”، ذلك الاستنتاج لم يتولد نتيجة لمكان تصوير المسلسل والذي اختير في اطراف مدينة المشرح التابعة لمحافظة ميسان، بل لان الكاتب يبني على ذلك كثيرا من المشاهد الاساسية في المسلسل، خصوصا فيما يتعلق بأحداث الحرب الايرانية العراقية، وهناك ـحداث مهمة في المسلسل ترتبت على هذا الاساس، باعتبار انها جزء من تداعيات تلك الحرب. بينما المكان المفترض لحفيظ في ذهنية جميع ابناء الاهوار هو في الاهوار الوسطى برفقة تل العكر وابو شذر، وهناك رقعة جغرافية معروفة لبعض السكان هناك يعتقدون أن فيها ذلك التل المثير للجدل.
ومن النواقص والملاحظات الأخرى التي كان من المفترض ان لا تفوت القائمين على العمل ان جميع وسائل النقل التي استخدمت في المسلسل على انها \”مشاحيف\” هي في الواقع ليست كذلك، انها وسائط نقل حديثة تشابه شكل المشحوف، ولكنها مصنوعة من مواد معدنية، بينما المشحوف زورق صغير مصنوع من الخشب ومطلي بالقار، ولان العمل يتحدث عن الاهوار في ظرف زمني سابق محدد كان من الحري بالمعنيين توفير المشحوف انجاحا للعمل، وبالإضافة الى المشحوف فإن آلات التجديف التي شوهدت في العمل هي الاخرى ليست قديمة، بل آلات جديدة لا يفضلها كثيرا ابناء الاهوار اذ يستخدمون عادة برفقة المشحوف ما يسمى عرفا بـ\”الغرافة\” وهذه الاخيرة عبارة عن مجذف خشبي يستخدم لتحريك الزورق او المشحوف يتكون من جزأين، الاول عود من الخشب والثاني خشبة مثلثة الشكل مثبتة بمسامير في عود الخشب. الملفت ان من تجاهل المشحوف الحقيقي وملحقاته حرص على توفير الابريق النحاسي \”المصخنة\”، رغم انه في فترة الثمانيات كانت المصخنة اقل استخداما بكثير من السطل.
gamalksn@hotmail.com