صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

إطلاق أول منصة بيانات للطفل.. ما الذي سيتغيّر؟

تعتزم وزارة التخطيط، الأسبوع المقبل، إطلاق منصة بيانية إلكترونية خاصة بالطفولة، ذكرت أنها ستوفر مسوحات وبيانات تتعلق بواقع الطفل في العراق من أجل رسم السياسات التصحيحية وتطوير البرامج الخاصة بالطفل، وفيما أشاد عضو سابق في مفوضية حقوق الإنسان بالخطوة، أكد حاجة هذه الشريحة إلى تشريع قانون حماية الطفل المركون في البرلمان، في وقت رأى باحث اجتماعي أن المنصة غير كافية لانتشال الطفولة من واقعها “المرير”.

تعتزم وزارة التخطيط، الأسبوع المقبل، إطلاق منصة بيانية إلكترونية خاصة بالطفولة، ذكرت أنها ستوفر مسوحات وبيانات تتعلق بواقع الطفل في العراق من أجل رسم السياسات التصحيحية وتطوير البرامج الخاصة بالطفل، وفيما أشاد عضو سابق في مفوضية حقوق الإنسان بالخطوة، أكد حاجة هذه الشريحة إلى تشريع قانون حماية الطفل المركون في البرلمان، في وقت رأى باحث اجتماعي، أن المنصة غير كافية لانتشال الطفولة من واقعها “المرير”.

ويقول المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المنصة المزمع إطلاقها تتضمن بيانات ومسوحات خاصة بالطفولة وكل التفاصيل التي تتعلق بواقعها التعليمي والصحي وحقوق الطفل ورصد حالات التعنيف وتشغيل الأطفال وغيرها، إذ ستشمل أرقاما ومؤشرات يمكن اعتمادها من أجل رسم صورة وانطباع واضحين عن واقع الطفولة في العراق”.

ويضيف الهنداوي أن “من شأن هذه المنصة وما تنتج من مؤشرات سواء كانت سلبية أو إيجابية، مساعدة متخذي القرار في معالجة الخلل بعد أن يتم تحديده من قبل بياناتها وأرقامها”، لافتا إلى أن “المنصة تشترك بها جهات عدة ومنظمة الطفولة العالمية يونيسيف أحد داعميها”.

وعن كيفية إجراء الإحصاءات والمسوحات، يشير إلى أن “المنصة ستشترك بها وزارات ومؤسسات عدة كوزارة العمل والشباب والرياضة ووزارة الثقافة، وكذلك الجهاز المركزي للإحصاء الذي يتولى إجراء المسوحات الخاصة بتغطية كافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، إذ أن هناك أكثر من قناة بالإضافة إلى اليونيسيف ستدعم المنصة”.

وكانت وزارة التخطيط أجرت اجتماعا تنسيقيا مع مُمثلي عدد من الوزارات لمُناقشة الاستعدادات الخاصة بإطلاق المنصة الوطنية لرعاية الطفولة وذلك في الثالث عشر من شهر تموز يوليو الحالي، وذكرت الوزارة أن الاجتماع ناقش المتطلبات اللازمة لتغذية المنصة بالمؤشرات والأخبار والتقارير المعنية بالطفل في العراق، إضافة إلى الاطلاع على مهام الفرق الوزارية المؤلفة في وزاراتهم بجميع الجهات القطاعية المعنية بالطفل والأدوار التي ستُلقى على عاتقهم لتغذية هذه المنصة.

وفي موقعها الذي أطلق بشكل تجريبي واطلعت عليه “العالم الجديد”، عُرّفت بأنها “منصة الكترونية توفر مؤشرات وتقارير إحصائية ومسوحا عالمية عن أوضاع الطفل في العراق، تم إنشاؤها من قبل الجهاز المركزي للإحصاء بالتعاون والتنسيق مع هيئة رعاية الطفولة ودائرة التنمية البشرية في وزارة التخطيط بدعم من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)”.

من جانبه، يؤكد العضو السابق لمفوضية حقوق الإنسان، أنس أكرم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “خطوة وزارة التخطيط مهمة وضرورية رغم كونها جاءت متأخرة، لكنها بالتأكيد ستكون خطوة بالاتجاه الصحيح، وستحتاج إلى وقت ليس بالقليل لإثبات دقتها وخصوصا مع غياب تعداد سكاني حقيقي حديث، وتحتاج أيضاً إلى تحديث قوانين الوزارات ذات الصلة، وتعزيز الثقة مع المنظمات الأممية والدولية المعنية بالطفولة”.  

ويضيف أكرم، أن “العراق من أوائل الدول العربية التي وقعت على اتفاقية حقوق الطفل والتي أقرت عام 1989 واعترف ببنودها وأصبح عضوا فاعلا فيها، لكن مع تواتر الحكومات العراقية قبل وبعد عام 2003 لم تشرع الدولة العراقية قانونا وطنيا لحماية حقوق الطفل يتواءم مع أحكام الاتفاقية الدولية، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الدستور العراقي تضمن عددا من الأحكام التي تؤكد على كفالة الدولة لحقوق الطفل والمرأة والأسرة، لكن حتى الآن لم يشرع قانون لحماية حقوق الطفل”.

ويلفت العضو السابق لمفوضية حقوق الإنسان إلى أن “الحكومات المتعاقبة بعد 2003 أقرت عددا من الاستراتيجيات الوطنية تضمنت أو نصت على حقوق الطفل كاستراتيجية مكافحة الفقر، التربية والتعليم، حقوق الإنسان، مكافحة التسول، مكافحة عمالة الأطفال، مكافحة تجنيد الأطفال، مكافحة المخدرات، الاتجار بالبشر وغيرها، لكن من دون قانون ينظم حقوق الطفل”.

ويخلص إلى أن “حكومة مصطفى الكاظمي أقرت في آذار 2022 مسودة مشروع قانون حماية الطفل وتم إرساله للبرلمان لإقراره لكنه مازال يراوح مكانه بانتظار تشريعه”، معتقدا أن “من الصعوبة الاتفاق على فقراته، والشيء نفسه ينطبق على قانون مناهضة العنف الأسري الذي يختص بحماية الطفل والمرأة وكبار السن باعتبارهم الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع”.

وكان النائب الأول لرئيس مجلس النواب، محسن المندلاوي أكد في أيار مارس الماضي اهتمامَ المؤسسة التشريعية بتعديل وإنضاج مشروع قانون حماية الطفل، ليكون ملبياً للمعايير والاتفاقيات الدولية، مشيرا إلى حرصَ المجلس على الالتزام بالدستور وخاصة المادة (30/ أولا) التي نصت على أن “تكفل الدولة للفرد والأسرة وبخاصة الطفل والمرأة- الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الأساسية للعيش في حياة كريمة تؤمّن لهم الدخل المناسب والسكن الملائم”.

وعلى الرغم من انضمام العراق لاتفاقية حقوق الطفل التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1989، لكنه شهد ارتفاعاً كبيراً في معدلات العنف ضد الأطفال بعد عام 2003، لعدم تطبيق القوانين والأزمات السياسية والأمنية التي مرّ بها البلد، مع غياب الرعاية الصحية والتعليمية والاجتماعية واستغلال الأطفال وتجنيدهم في الأعمال العسكرية والنزاعات المسلحة.

من جانبه، يرى الباحث الاجتماعي حسين البياتي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المنصة وإن كانت تعطي مؤشرات عن احتياجات الطفولة في العراق، لكنها غير كافية، فانتشال الطفولة يحتاج إلى بنى تحتية ومخصصات مالية كبيرة، لمنع التسرب من المدارس وتطوير المؤسسات التعليمية ومدها بالوسائل الحديثة بشكل يجذب الأطفال”.

ويضيف البياتي أن “الطفولة لم تحصل على حقوقها، فالواقع الذي تعيشه مرير، والحكومات تصادر حقوق الكبير والطفل على السواء وكلاهما لم يحصل على الرعاية الكافية”، لافتا إلى أن “الحكومات منشغلة بأمور مختلفة كالموازنة وكيفية تقسيمها واهتمامها لم يكن منصبا على الطفولة على مدى سنوات”.

ويؤكد البياتي على ضرورة “الاهتمام بالطفل لأنه عماد المستقبل وتطوير البلد ينبغي أن يكون بموازاة الاهتمام بهذه الشريحة، خصوصا أنها الآن في أسوأ حال وترزح تحت التسول”، مؤكدا أن “عمالة الأطفال منتشرة بشكل واسع الآن، وأن هناك أعمالا قاسية يمارسها الأطفال كما كشفت تقارير وأفلام عديدة، منها ما يتعلق بعمل الأطفال في معامل الطابوق تحت ظروف قاسية”.

وتغوّلت ظاهرة عمالة الأطفال بشكل واسع بسبب الظروف المسببة لها، فبحسب إحصاءات اليونيسف، فإن ثلث أطفال العراق يمرون بظروف اقتصادية صعبة تضعهم أمام متطلبات العمل لإعانة عائلاتهم، وتوضح أن أطفال العراق يواجهون أعلى زيادة في معدلات الفقر، حيث يوجد طفلان فقيران بين كل 5 أطفال.

وفي العام الماضي، أصدرت اليونسكو بيانا، أكدت فيه أن عمالة الأطفال في العراق تزايدت في السنوات الأخيرة بسبب النزاع المسلح والنزوح والتحديات الاقتصادية الاجتماعية، ومع انتشار الجائحة، تحول تعليم الأطفال إلى التعلم عن بعد، مما زاد من خطر التسرب من المدرسة والالتحاق بسوق العمل. لذلك فإن توسيع نطاق الحماية الاجتماعية وتعزيز المساواة في الوصول إلى الخدمات الاجتماعية ذات جودة مع التركيز على التعليم والصحة وحماية الطفل هي توجهات أساسية مركزية للاستجابة للحد من عمل الأطفال.

إقرأ أيضا