لم تبق مديريات التربية مرتبطة بالحكومات المحلية في المحافظات مع إقرار موازنة 2023، وفقا لما صرحت به وزارة التربية، فهذه المديريات ستعود للارتباط بالوزارة، وهو قرار لا يحبذه بعضها، على اعتبار أن الإدارات المحلية أعلم بواقع المدارس والمشاريع والمشكلات التربوية، وفيما يبين خبير في القانون أن موضوع الفك والربط يقع ضمن صلاحيات الوزارة، يرى عضو في البرلمان أن النتيجة هي الفشل في كل الأحوال، بينما يذهب محلل سياسي إلى أن الموضوع قد يكون ذا صبغة سياسية وليس إداريا بشكل كامل.
ويقول معاون مدير تربية الصويرة في واسط حسين عطا الله خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “بقاء ارتباط مديريات التربية بالحكومات المحلية في المحافظات أفضل لأن الحكومات المحلية أعلم بالمشاريع وأوضاع المدارس، وعليه فإن وضع الصلاحيات بيدها أفضل من وضعها بيد وزارة التربية”.
ويشير إلى أن “لدينا مشاريع معطلة منذ سنة 2012 وتحتاج إلى توسيع وإنجاز، وأهم شيء بالنسبة لنا البنى التحتية للمدارس، حيث نحتاج مباني مدرسية أكثر لأن أعداد الطلبة في زيادة”، لافتا إلى أن “إدارة المحافظة أعلم بما تحتاجه التربيات من تجهيزات وغيرها، وهي أقرب إلى الواقع”.
وكان وكيل وزارة التربية عادل البصيصي، أعلن يوم أمس الأربعاء، أن مديريات الوزارة سيفك ارتباطها بالمحافظات مع إقرار موازنة 2023.
يشار إلى أنه في تموز يوليو 2021، أصدرت الأمانة العامة لمجلس الوزراء توجيها بإعادة ارتباط مديريات التربية ودوائر الصحة في المحافظات كافة، بمركز الوزارة رسميا بدلا من المحافظة.
من جانبه، يفيد الخبير القانوني هاشم العقابي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “قضية نقل الصلاحيات بين الوزارات والمديريات هي مسألة إدارية خاصة بالوزارة، ولا يوجد قانون يحددها سوى قانون الوزارة نفسها”.
ويضيف أن “من صلاحيات الوزارة أن تربط المديريات بها أو تعزلها وتعطيها صلاحيات مستقلة، وهي مسألة إدارية بحتة يعالجها القانون الخاص بالوزارة”.
جدير بالذكر، أن مناصب المحافظين تخضع للمحاصصة، حيث تسيطر كل كتلة سياسية على منصب محافظ أو أكثر، حسب ثقلها النيابي والسياسي، ومنذ عام 2019 ولغاية الآن تخلو المحافظات من مجالسها بعد قرار إلغائها، وبقيت السلطة بيد المحافظين فقط، على أن تجرى انتخابات مجالس المحافظات في تشرين الأول أكتوبر من العام المقبل.
ومن المشاكل التي تواجهها المدارس في العراق، هو الاكتظاظ وعدم وجود مبان كافية وقلة التجهيزات الأساسية مثل مقاعد الجلوس، وقد انتشرت مؤخرا في مواقع التواصل الاجتماعي، فيديوهات كثيرة من داخل بعض المدارس في الوسط والجنوب، تكشف عن عدد الطلاب الكبير في القاعة الدراسية الواحدة وخاصة الأول الابتدائي، مع عدم وجود مقاعد الجلوس وافتراش الطلبة للأرض.
وفي هذا الصدد، يوضح النائب باسم خشان خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هذه القرارات تعتمد على إدارة المحافظة، فإذا كانت جيدة فربط مديريات التربية بها خطوة ناجحة، والعكس صحيح”.
ويردف أن “دوائر ومديريات التربية فاشلة في الحالتين، سواء تحت إشراف المحافظة أو الوزارة، والقضية لا تتعلق بكيفية إدارتها وبمن ترتبط، وإنما هناك فشل في التعليم كله وهناك مشاكل وفساد كبير يشوب القطاع التعليمي والتربوي”.
يذكر أن وكيل وزارة التربية فلاح القيسي، أكد في تصريح صحفي منتصف تشرين الأول أكتوبر الحالي، أن هناك أكثر من مليون و800 ألف طالب، موزعين بين 16 ألف مدرسة، ما تسبب بحدوث زخم وتراكم في أعداد الطلبة داخل الصف الدراسي الواحد، مبينا أن الوزارة تحتاج إلى أكثر من 8000 مدرسة جديدة.
وكان رئيس مجلس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، قد أشرف في 16 كانون الأول ديسمبر 2021، على توقيع حكومته 15 عقدا مع الصين، لبناء 1000 مدرسة جديدة في عموم البلاد.
على الصعيد ذاته، يرجح المحلل السياسي صلاح الموسوي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، وجود “أجندة سياسية وراء فك ارتباط مديريات التربية بالمحافظات وإعادتها إلى الوزارة، وهي أجندة قد تكون متعلقة بالتوجه نحو مركزية السلطة والقرار وتحجيم صلاحيات الحكومات المحلية”.
ويواصل أن “على وزارة التربية أن توضح إلى أي وقائع استندت في اتخاذ هذا القرار، وما إذا كانت هناك فوارق في عمل المديريات قبل وبعد ارتباطها بالحكومات المحلية”، مضيفا أن “الموضوع قد يكون مجرد صراع وتنافس على التخصيصات المالية لقطاع التربية، ولاسيما أننا في زمن الوفرة المالية والتخصيصات قد تكون مغرية للأحزاب للاستحواذ عليها”.
وقدرت الوزارة في العام 2018 حاجة التعليم إلى أكثر من 20 ألف مدرسة في عموم البلاد، وسط انتشار صور نظام التعليم الثنائي والثلاثي وحتى الرباعي في المدرسة الواحدة، ومدارس الطين التي بلغت بحسب إحصائية سابقة لوزارة التخطيط ما يقرب من 11 ألف مدرسة، الأمر الذي يظهر حجم المأساة والفساد الذي تسبب بأمية تجاوزت الـ20 بالمئة، ونحو 3 ملايين طفل متسرب من المدارس.
وتضمنت مشاريع بناء المدارس في العراق هدرا ماليا كبيرا، إذ كشف تحقيق استقصائي نشرته “العالم الجديد” في العام 2018 عن هدر ما يقرب من مليار دولار على بناء مدارس وهمية، فيما كشفت لجنة النزاهة بمجلس النواب في 16 آب أغسطس الماضي، عن وجود تزوير وشبهات فساد في العقد المبرم منذ سنة 2017 لبناء 89 مدرسة في الأهوار بالمحافظات الجنوبية.