يواجه العراق تحديات كبيرة مع انتهاء الإعفاء الأمريكي لاستيراد الغاز الإيراني، في ظل فقدان 8 آلاف ميغاواط من إنتاج الطاقة، الأمر الذي يجعل الحكومة في مواجهة الاستياء الشعبي، مما قد ينعكس على الاستقرار السياسي في البلاد.
وفي هذا الإطار، يعتزم الإطار التنسيقي، مناقشة ملف العقوبات الأمريكية على استيراد الغاز الإيراني وتداعياته خلال جلسته المقبلة.
وفي 8 آذار مارس الجاري، انتهت مدة الاستثناء الذي أعطته الولايات المتحدة للعراق من العقوبات المفروضة على إيران، وبالتالي فإن حكومة بغداد لن تتمكن من استيراد الغاز الإيراني اللازم لتشغيل محطات الكهرباء في عموم البلاد.
إذ قال القيادي في الإطار التنسيقي، عصام شاكر، في حديث تابعته “العالم الجديد”، إن “ملف الطاقة الكهربائية حيوي ويعتبر من الملفات الاستراتيجية في البلاد”، مؤكداً أن “أغلب المحطات الكهربائية تحتاج إلى كميات كبيرة من الغاز لتشغيلها، وبالتالي وجود الغاز المستورد أمر ضروري من أجل استمرار الإنتاج”.
وأضاف أن “قوى الإطار ستناقش في اجتماعها المقبل ملف العقوبات الأمريكية على الغاز الإيراني وتداعيات ذلك، وما هي خطط الحكومة إزاء كيفية التعامل مع هذا الملف، خاصة وأن كل البدائل التي يمكن توفيرها تحتاج إلى عام أو عامين، وربما ثلاثة أعوام لتكون جاهزة، سواء إمكانية استيراد الغاز من بلدان أخرى أو عن طريق الخليج العربي”.
وأوضح أنه “ستكون هناك مواقف داعمة لرؤية الحكومة في معالجة هذه الإشكالية، والسعي إلى تمديد عملية استيراد الغاز من إيران لحين أن تكون هناك قدرة على تحقيق الاكتفاء، خاصة وأن وزارة النفط قد أعلنت مؤخراً عن سلسلة من الحقول الغازية للتطوير من قبل شركات أجنبية، وسط توقعات بأنها قد تنجح في بدء الإنتاج خلال عام أو عامين من الآن”.
وأعلنت الخارجية الأمريكية، أمس الأحد، رسميا إنهاء إعفاء العراق من استيراد الغاز الإيراني، كجزء من حملة “الضغط الأقصى” التي يشنها ترامب ضد طهران، بحسبما نقلت وكالة رويترز.
وقال المتحدث باسم لجنة النفط والغاز النيابية علي شداد، في حينها، عن توجه الحكومة العراقية لاستيراد الغاز الخليجي بدلاً عن الإيراني بعد العقوبات الأمريكية الأخيرة، معلنا عن مشروع يجري العمل على إنجازه بسرعة عالية في البصرة، أقصى جنوبي البلاد.
ويعتمد العراق منذ سنوات طويلة، على استيراد الكهرباء والغاز من إيران، وخاصة في ذروة فصل الصيف، ويعتمد بهذا على الإعفاءات الأمريكية المستمرة، والتي تصدر أكثر من مرة خلال كل عام.
وكان المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، أكد أمس الأول السبت، أن الحكومة العراقية وضعت عدة سيناريوهات لمواجهة أي تطورات تتعلق بالموضوع”، مبينا أن العراق يستورد من إيران “50 مليون قدم مكعب وتشكل ثلثاً من إنتاج الطاقة الإيرانية، والحكومة وضعت جميع السيناريوهات في حال تم تجديد الإعفاءات أو لم يتم التجديد”.
وكشف العوادي عن “قرب حل مشكلة استيراد الغاز التركمانستاني، متوقعا وصوله إلى محطات إنتاج الطاقة العراقية خلال الشهرين المقبلين عبر الأراضي الإيرانية”، لافتا إلى أنه “في حال لم تنجح هذه الخطوة، فإن العراق لدية خيار آخر هو استخدام منصات الغاز وهي عبارة عن سفن عائمة ويتم ربطها بأنبوب خاص مربوط بالمحطات الكهربائية في البصرة، حسب تعبيره.
الجدير بالذكر أن الحكومات المتعاقبة في العراق صرفت على المنظومة الكهربائية منذ 2006 ولغاية 31 من كانون الأول ديسمبر 2024، نحو 98 مليار دولار والعراق بلا كهرباء.
ويعتمد العراق على الغاز الإيراني لتشغيل نحو 40% من منظومته الكهربائية، ما يعني أن أي تقليص أو قطع لهذه الإمدادات قد يؤدي إلى تفاقم انقطاعات الكهرباء خلال الصيف.
وخلال الأشهر الماضية، فقد العراق أكثر من 5500 ميغاواط نتيجة توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل، فيما لم تتمكن الحكومة من تعويض هذا النقص، ما أدّى إلى انخفاض ساعات التغذية في معظم مدن البلاد.
ودعا رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، مؤخرا، ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب بمواصلة اعفاء العراق في استيراد الغاز الإيراني بعد قرار إلغائه، مبينا أن الإدارة (الأمريكية) السابقة كانت تعطينا استثناءً من هذه العقوبات.
وأضاف أن “العراق لديه رؤية واضحة في سنة 2028 سينتهي استيراد الغاز، وسيكون هناك استقلال للطاقة بشكل واضح”، مؤكدا أنه “بالمحصلة نحتاج إلى استمرار هذا الاستثناء طيلة هذه الفترة”.
وأعلن ترامب، في 5 شباط فبراير الماضي، أثناء توقيعه مذكرة رئاسية لإعادة فرض سياسة العقوبات الصارمة ضد طهران، على غرار ما حدث خلال ولايته الأولى، أنه يعتزم استئناف سياسة “الضغوط القصوى” على إيران بسبب مزاعمها تطوير أسلحة نووية.
وتضمنت المذكرة، إلغاء ترامب، الإعفاء الممنوح للعراق لاستيراد الكهرباء والغاز من إيران، كما شددت على “اتخاذ خطوات فورية بالتنسيق مع وزير الخزانة والوكالات المعنية لضمان عدم استخدام النظام المالي العراقي من قبل إيران للتحايل على العقوبات”، وأكدت على “منع استخدام دول الخليج كنقاط شحن لتجاوز العقوبات”.
وأشارت المذكرة إلى “ضرورة مراجعة أي تراخيص أو إرشادات تمنح إيران أو وكلائها أي تخفيف اقتصادي أو مالي، بهدف تعديلها أو إلغائها، بما في ذلك الإعفاءات المتعلقة بمشروع ميناء تشابهار الإيراني”.
وأكد خبير النفط والطاقة كوفند شيرواني، في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، أن “انقطاع الغاز من إيران إذا ما تم بشكل كامل سيخلق فجوة تصل من 7- 8 آلاف ميغاواط، وهذا بالتأكيد سيجعل صيف العراق المقبل ثقيلا وصعبا، لذا على العراق أن يبحث عن بدائل أو أن ينشط مشاريع استثمار الغاز الطبيعي المستمرة في حقول الجنوب”، مشيرا إلى أن “العقد العراقي مع تركمانستان لشراء الغاز مرورا بإيران يشبه المقايضة، فالعراق يشتري من تركمانستان، ويأخذ من إيران لكن التعامل المالي يكون مع الأولى، بالتالي هو نوع من التعامل غير المباشر ونتمنى ألا يحسب تجاوزا للعقوبات الأمريكية لأن تركمانستان هي من تكون بموقع المتجاوز لأنها تتعامل بشكل مباشر مع إيران”.
ووقعت وزارة الكهرباء، في 19 تشرين الأول أكتوبر 2024، اتفاقية مع تركمانستان لتوريد الغاز إلى العراق بكميات تصل إلى 20 مليون متر مكعب من الغاز يوميا، لافتة إلى أن شركة لوكستون إنرجي السويسرية ستورد الغاز من تركمانستان للعراق عبر شبكة خطوط الأنابيب الإيرانية باستخدام آلية المبادلة لتيسير النقل.
الجدير بالذكر أن عقد استيراد الغاز من تركمانستان عبر الأنابيب الإيرانية، لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن بالرغم من مرور أكثر نحو 5 أشهر على توقيعه، لأسباب تتعلق بإجراءات المصرف العراقي للتجارة TBI.
ويعاني قطاع الكهرباء في العراق من مشاكل عديدة على الرغم من الأموال الطائلة التي أنفقتها وزارة الكهرباء، وبحسب المستشار الحكومي والخبير الاقتصادي مظهر محمد صالح، فان الطاقة الكهربائية استنزفت بعد عام 2003 أكثر من 120 مليار دولار، ولكن عملية تأمين الطاقة لا تزال متعثرة بسبب سوء الإدارة والهدر والفساد”.
ودأبت الولايات المتحدة منذ 2023 على إصدار إعفاءات تسمح للعراق بدفع أموال لإيران مقابل إمدادات من الكهرباء، على أنه لا تستخدم طهران هذه الأموال إلا في “معاملات غير خاضعة للعقوبات” مثل شراء السلع الإنسانية ومنها المنتجات الغذائية والزراعية.
وأدى العجز في توفير الطاقة الكهربائية في العراق الى بقاء سوق المولدات الأهلية نشطاً، رغم أن غالبيتها قديمة وتصدر محركاتها المتهالكة دخاناً أسوداً (دقائق الكربون) إضافة إلى الضوضاء العالية، بسبب عدم التزام الكثير من أصحابها باستخدام ما يعرف بكاتم صوت المحرك.
ومنذ العام 2003 ولغاية اليوم، لم تشهد الطاقة الكهربائية في العراق أي تحسن ملحوظ، وفي كل صيف تتجدد التظاهرات في مدن الوسط والجنوب، احتجاجا على تردي تجهيز الطاقة.