يا معشر الإنس والجن، أتعلمون أن في نفسي حنين إبل الى رغيف خبز كالح متخشب، يخدش بل يدمي إن شئتم؛ قدته أمنا من كيس الحصار الشحيح، شعير وعلف وذرق وأشياء أخرى ضد المضغ والهضم مازلنا نتلمظ طعمها الحنظلي على شفاهنا.
احن الى ذاك الرغيف، وان اجبر أبانا مرارا على إعادة طحن (النخالة) لتوفير عجينة من 20 قرص خبز فاتح اللون لين الجانب!
ولا تلوموني إن تمنيت عودة أيام خوالي لاقف طويلا بباب قن محشور في إحدى زوايا الحوش، بانتظار إعلان دجاجتنا الوديعة ولادة بيضة أتلقفها سريعا، لأطبق المثل الشعبي (من طيزها عالمقلة).
ومثلما فعلت قبلا، اود إخراس معدتي المولولة بصحن حريرة ساخن (طحين وماء وسمن)، كتلك التي صنعها عمر بن الخطاب لأطفال بكوا جوعا. وما أحلاها قنينة الببسي، كان اعز امانينا رقصة على فرقعات الغاز المنعش في أحشائنا، إذ لا سبيل إليها إلا المناسبات السنوية.
أي نعم، ليتها تعود؛ لأحتفل باكرا بقدوم اللحم، عزيز سُفرتنا والمتكبر عليها، كطفل يوقظ الفرحة قبل صلاة العيد. ولأمسك فمي عن لحيمتي فأبقيها وقتا أطول خارج مقصلته، أداعبها، أسامرها، ولا أمسها حتى تلامس معدتي التخمة، اقبلها واعتذر لها، ثم امضغها برفق وحنو.
لا ضير ان مضى عامان على ارتدائي سروال البازة المقلم، وذات مساء تجاهلت إطلالة ركبتي الى العالم عبر طاقتين، لم أبدل السروال لولا خشيت الفضيحة لعورتي، فقد صار موضع الجلوس اوهن من خيط العنكبوت.
ولي شوق عظيم الى سيارة البرازيلي المتهرئة التي لا تصلح أن تكوى سوى مفقسة بيض؛ إذ تحافظ على درجة حرارة لا تقل عن 40 مئوية في ابرد المواسم.
ومثله الى الباص الذي نستقله من والى باب الطوب، ينادونه \”ريم\” وهو بالكاد سلحفاة او أبطأ منها.
عيني سائقنا – قال عجوز خر عليه ماء عبر سقف صدأ- باصك لا يمنع سموم الصيف ولا برد الشتاء، (بس اشنعمل، من قلت الخيل شدو عالكلاب سروج).
سأرضى بكل شيء من \”الريم\”، صاغرا، وأناشد ذكرى كتبتها بيد صبيانية على ظهر احد مقاعده المتحجرة، أن تستفيق.
أريد العودة لاضغط على أزرار الهاتف الأرضي، انني لا اشعر بدفء الاتصال عبر هواتف اللمس الذكية، وأن تعيدوا لي محبرتي الحميمية ولتأخذوا حاسوبي بما حمل.
وسأكسر كاميرا الديجتل عالية الدقة، قربانا لظهور المصور الجوال (علاء) من جديد، لن التقط صورة إلا إذا سدد عدسة كامرته البدائية صوبي، وصاح بي وقد ارخى جفنه الأيسر: (اوكي)؟ ثم يحيلني الى طابور المنتظرين، وها هي ابتساماتي المصطنعة مسمرة على ورق.
ولا أخفيكم ، في صدري عبرة ليتني ابكيها على أعتاب ايام تقدس الموتى ولا تنساهم بعجل، نعم، أبكي شقيقي دمعة دمعة، ليس كما نفعل الان بسرعة، نختصر العبرات لنحتفظ بدمعتين او ثلاث لميت آخر.
يطول بنا المقام ان سردنا معانات ما قبل 2003 بالتفصيل، وإذ صارت فيما بعد نزهة، اعلن امام الملأ عرض مكاسب عقد كامل من \”الديمقراطية\” للبيع، رواتب بالدولارات والدنانير، نجاحات دراسة وعمل، سفرات مجانية خارج البلد، اجود أنواع اللباس وأشهى الأكلات، سيارات فارهة وتكنولوجية ذكية، مفاتيح العالم تحت السبابة (الانترنت)، وعلى مستوى اخر رئيس فكاهي منتخب، ورئيس وزراء بألف وزير، حرية لا بأس بها لسب وشتم المسؤولين ومثلها للكتابة والتعبير عن الرأي وتأسيس الاحزاب واصدار الصحف… الخ
هذه كلها ابيعها وان لم تفِ ابيع نفسي معها، فقط مقابل أمان ما قبل 2003، فمن يشتري!