ربما من حسنات الديموقراطية التي تلقيناها بعد عام 2003 اننا بتنا نسمع عبارات مثل (الاقصاء)، (التهميش)، (الغاء الآخر)، (قبول الآخر)، (المربع الأول)، وبالرغم من حساسيتي الشخصية من العبارة الأخيرة فإنها تبقى عبارات جديدة على مسامعنا.. مسامعنا نحن الغالبية العظمى لهذا الشعب المسكين، ولا أقصد بطبيعة الحال الطبقة النخبوية او السادة المعارضين في الخارج آنذاك.
هذه العبارات لم نسمعها من قبل مع أنها مورست علينا كشعب مغلوب على أمره من طرف حاكم مجنون عنيف أو من بعض حاشيته او عائلته المهووسة بالدم والعنف طيلة ثلاثين عاما ونيف.
ويبدو أننا نستحسنها او نستحسن سماعها وقد الفت اذاننا هذه العبارات منذ عشرة اعوام الا اننا لا نستحسن فعلها.. فنحن الساعون لبناء دولة مدنية ضد الاقصاء والتهميش والغاء الآخر وايضا ضد الرجوع للمربع الاول، لكن تبقى هذه المفردات او صداها يتكرر هنا او هناك من كتلة ما او حزب معارض او طائفة معينة او عرق اخر.
ومع تصديق هذه الادعاءات او تكذبيها يبدو اننا لا نستطيع ان ننكر وقوع حالات مماثلة او اشد منها بين افراد المجتمع مع بعضهم بعضا وبين مسؤولي الدولة مع الاناس العاديين امثالي وامثال غيري، وهنا استطيع ان ارتقي بمفهوم الاقصاء الى مفهوم الاخصاء الذي يمارس كل يوم علنا في التركيبة المجتمعية العراقية.
يلغي احدنا الآخر ويهمشه ويقصيه ويخصيه ايضا بالتجاوز على حقه في كل صوب وحدب من ارجاء المعمورة. هناك من يسلب حقك في الطريق وانت تقود سيارتك وخاصة بعض المسؤولين بمواكب سياراتهم المصفحة، وهناك من يتجاوز على دورك وانت تنتظر الدخول على طبيب بدفع رشوة صغيرة الى السكرتيرة، وهناك من يسرق دورك وانت تقف في طابور فرن الصمون صباحا.. هناك وهناك.. انه الاخصاء تماما فهو يستفز رجولتك ويضربك بقوة على مكان فحولتك وليحترق دمك ودم اجدادك السومريين والبابليين والاشوريين الذين يقال عنهم انهم اسسوا لحق الانسان قبل آلاف السنين، لكنهم اسسوا فقط. واظن ان حمورابي بموكبه الكبير كان يتجاوز على السير ايضا ويسلب حق الاخر في المسير.. ويقيم الحد والقانون على الضعفاء فقط، اما هو وعائلته وحاشيته ففوق القانون ويلتذون دوما بالإقصاء للآخر والاخصاء ايضا، وكانوا دوما يرجعون الناس والعبيد الى المربع الاول وهكذا دواليك منذ سبعة الاف سنة.
وكذبا نفتخر بحضارتنا وتراثنا وفحولتنا فكلنا هادمون للحضارة متجاوزون على التراث، واكثر من ذلك كلنا مخصيون علي يد الآخر وعبثا نحاول اثبات عكس ذلك.. انه الاخصاء سادتي الاكارم.
* كاتب وإعلامي