إلى متى تبقى مفوضية الانتخابات صامتة

تعتبر الانتخابات البرلمانيه وكذلك انتخابات مجالس المحافظات بشكلها الحالي، جديدة على معظم العراقيين، وهي مهمة جدا لانها تحدد القوى السياسية التي تحكم و تسيّر شؤون العراق وتقرر مستقبله وبشكل ديمقراطي، اضافة لتحديدها الافراد والتكتلات التي تدير شؤون المحافظات، وعلى اساس الاختيار الحر للمواطنين لممثليهم في البرلمان ومجالس المحافظات. وللقيام بالانتخابات بشكل صحيح وفعال وحيادي، تم تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.  ومن المفترض بالمفوضية اضافة لقيامها بالاعداد والاشراف والفرز والاعلان النهائي لنتائج الانتخابات، تقديم المشورة والنصح للبرلمان وللقوى السياسية و للمواطنين عن احسن الطرق والوسائل لاداء هذه المهمة، وان تستعين بخبرات الدول الاخرى والهيئات الدولية التي سبقتنا في هذا المجال، اضافة الى خبراتها التراكمية واسترشادها بالقوانين واللوائح التي تحدد مهامها. لكن ومع شديد الاسف وجدنا المفوضية صامتة لا تقوى على شيء عند اعداد و مناقشة مشروع قانون الانتخابات البرلمانية الجديد، وعند وصول النقاش الى طريق مسدود، كانت عاجزة عن ابداء الرأي لولا تدخل الامم المتحدة واقتراحها لبعض الحلول التي حركت الامور في اخر لحظة. و كان على المفوضية التحرك وابداء المشورة في قسم من المواضيع التي تمت مناقشتها، بدلا من ترك الساحة لبعض الساسة والبرلمانين ليدلوا بدلوهم، مع ان معظم هذه الاراء كانت خاطئة في كثير من الاحيان او كانت تفاقم الامور.

وكان من المفترض على مجلس مفوضي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهم جميعا من حملة الشهادات الجامعية، بل ان خمسة من اصل تسعة هم من خريجي كليات قانون، وقسم منهم عمل سابقا في مواقع مختلفة في المفوضية، ان يثبتوا انهم اهل لهذه المسؤولية وانهم يعملون من اجل الشعب العراقي وليسوا العوبة في ايدي الكتل التي رشحتهم، تحركهم كما تشاء. صحيح انه تم انتخابهم من قبل مجلس النواب الحالي بعد مفاوضات شاقة وعلى اساس التوافق سيئ الصيت، والمحاصصة الطائفية والاثنية المقيتة، ولكن للوطن عليهم واجبا لاثبات انهم فعلا مستقلون ويدافعون عن مصالح الناخب العراقي وعن الحق والعدالة. و كلنا امل ان نسمع منهم الرأي المستقل حول القانون الجديد للانتخابات البرلمانية قريبا، لا ان نراهم منفذين فقط لقرارات المحكمة الاتحادية و تعليماتها وكذلك لقوانين الانتخابات المشرعة من قبل مجلس النواب، حتى نشعر بانه لا يزال هنالك صوت ينحاز للوطن وبان طاقة الامل في المستقبل القريب لا تزال مفتوحة.

ان من حق المواطن معرفة كيف صوت ابناء الشعب العراقي لاختيار نوابه واعضاء مجلس محافظته. على المفوضية توفير كافة السبل اللازمة لبيان اختيارات العراقيين وتمكينهم من الاطلاع على جميع النتائج الانتخابية بكل شفافية. وقد سهلت التكنولوجيا الحديثة الادوات اللازمة لذلك، وخاصة المواقع الالكترونية، لكن لا تزال المفوضية بعيدة عن ذلك، وتحتاج لتحديث موقعها الالكتروني في الشبكة العنكبوتية، حتى يستطيع المواطن مثلا معرفة جميع الاعضاء الحاليين لمجلس النواب، ومن تم ادخالهم في المجلس بدلا من الذين استقالوا او تبوؤا مناصب تنفيذية في الحكومة. فمثلا لا نعرف من الذي حل محل محافظ بغداد الجديد او من الذي حل بدل البرلمانيين المستوزرين، وهل يعود الوزير المستقيل الى قبة البرلمان اذا كان نائبا قبل استيزاره؟، وهل  النواب الجدد حصلوا على الاصوات الصحيحة التى تؤهلهم لملء  المقعد الشاغر. فمثلا ان هنالك الكثير من المواطنين لا يعلمون ان المقاعد التعويضية في انتخابات عام 2010 قد ادخلت في البرلمان نوابا حصلوا على 68 صوتا فقط، لان المقاعد السبعة  التعويضية التي وزعتها الكتل ادخلت البرلمان النواب التالية اسمائهم مع الاصوات التي حصلوا عليها: ھمام باقر عبد المجید حمودي من الاتئلاف الوطني العراقي حصل على 68 صوتا فقط، في حين حصل محمد توفیق حسین من ائتلاف العراقیة على 514 صوتا فقط، و حصل حاجم مھدي صالح الحسني من  ائتلاف دولة القانون على 771 صوتا فقط، و حصل  جاسم محمد جعفر من ائتلاف دولة القانون على 7,087 صوتا، كما حصل حسن عبد الھادي جاسم الجبوري من الاتئلاف الوطني العراقي على 8,391 صوتا، و جابر خلف عواد شلاش من ائتلاف العراقیة على 11,077 قد يكون  محمد فؤاد معصوم خضر من التحالف الكردستاني الاستثناء الوحيد بينهم حيث حصل على 25,639 صوتا و لم يحالفه الحظ بسبب المنافسة الشديدة في محافظة اربيل، ومع ذلك حاولت بعض الكتل رفع  عدد المقاعد التعويضية لاكثر من خمسين مقعدا حتى يهيمن رؤساء الكتل على اختيار النواب وادخال من يريدون، ومهما تكن الاصوات التي حصلوا عليها.

 ومن المهم جدا للمواطنين معرفة التشكيلات الاخيرة لمجالس المحافظات بعد قرار المحكمة الاتحادية بتغيير طريقة اختيار الكتلة الواجب ان تترشح المرأة عنها لمجلس المحافظة، كي تبقي نسبة الخمسة والعشرين بالمائة من استحقاق النساء. ودار لغط كبير حول الموضوع والمفوضية ساكتة عن الامر. اما ما جرى اخيرا من اقرار لمشروع الانتخابات البرلمانية المقبل، فلم نسمع بان المفوضية او اي عضو من اعضائها قام بعقد ندوة او مؤتمر ليشرح للمواطنين او حتى لاعضاء البرلمان تجارب الدول الاخرى وكذلك ميزات او عيوب النظم الانتخابية من وجهة نظر خبراء في العملية الانتخابية، بل ترك الامر للساسة وبعض اعضاء مجلس النواب ليدلوا بدلوهم في الامر، وكان الكثير منهم مخطئين في تحليلاتهم، و تركوا المواطنين في حيرة من الامر.

ان اهم تغيير حصل في قانون النتخابات كان في طريقة توزيع المقاعد على الكتل، وعند الاطلاع على تجارب الدول الاخرى في هذا الامر، نجد مثلا ان البرلمان الالماني استخدم طريقة دي هونت لتوزيع المقاعد منذ تشكيله بعد الحرب العالمية الثانية و لغاية عام 1983، و عند احتجاج الاحزاب الصغيرة على حرمانها من اصواتها، تم اعتماد طريقة هير/ناميير. اقترح هير، وهو قانوني بريطاني هذه الطريقة في منتصف القرن التاسع عشر، وقام ناميير وهو عالم رياضيات الماني بتطوير هذه الطريقة، واعتمدت هذه الطريقة في انتخابات اللجان والهيئات الخاصة بالبرلمان الالماني منذ عام 1969، ثم استخدمت في انتخابات البرلمان الالماني من عام 1987 ولغاية عام 2005، وقد لوحظ ان في هذه الطريقة قد يحصل تناقض في بعض النتائج وخاصة ما يدعى \” تناقض الباما\” عند توزيع المقاعد، لذلك استبدلت بطريقة سانت ليغو/شيبرز.  لقد اقترح عالم الرياضيات الفرنسي اندريه سانت ليغو هذه الطريقة عام 1912، ثم قام العالم الالماني هانس شيبرز رئيس فريق معالجة البيانات في البرلمان الالماني بتطوير كيفية تطبيق هذه الطريقة لتكون اكثر قبولا وتحل اشكالية تناقضات طريقة هير/ناميير، واستخدمت الطريقة في انتخابات اللجان والهيئات الخاصة بالبرلمان الالماني منذ عام 1980، ثم استعملت في انتخابات البرلمان الالماني عامي 2009 و2013. اي ان طرق التحليل الرياضي واستخدام الحاسبات في تحليل وتطبيق النتائج قد استخدمت من قبل متخصصيين في هذا المجال ثم اعطيت هذه الدراسة للبرلمانيين لتشريعها ومن ثم استخدامها، و ليس العكس كما حصل عندنا حيث قرر البرلمانيون العراقييون تعديل طريقة سانت ليغو من دون دراسة مسبقة او تحليل للنتائج، وسكتت المفوضية عن هذا الامر، وكأن الامر لا يعنيها. 

تعتمد طريقة سانت ليغو/شيبرز، على تقسيم مجموع الاصوات الصحيحة على عدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية، لنحصل على القاسم الانتخابي، ثم نقسم اصوات كل كتلة على هذا القاسم، ونقرب ناتج القسمة الى اقرب عدد صحيح، بحيث عندما تكون قيمة الكسر في الرقم الناتج 0.5  نصف او اكثر، نزيد العدد الصحيح بواحد، وعندما يقل الكسر عن 0.5 نهمل الكسر و يبقى العدد الصحيح فقط. و تمثل هذه الاعداد الصحيحة عدد المقاعد الاولية لكل كتلة، ثم نقوم بجمع هذه الاعداد، فان ساوى المجموع عدد المقاعد الكلية المخصصة للدائرة الانتخابية، عندئذ تكون هذه الاعداد هي الحصة النهائية لكل كتلة. 

اما اذا زاد المجموع عن عدد المقاعد الكلي المخصص للدائرة الانتخابية، عندئذ نزيد قيمة القاسم الانتخابي الى حد بحيث انه عند قسمة اصوات كل كتلة على هذا القاسم الانتخابي الجديد وتقريب الناتج لاقرب عدد صحيح كالسابق وبعد جمع هذه الاعداد الصحيحة، نحصل على مجموع يساوي عدد المقاعد المخصصة للقوائم، تكون هذه الاعداد هي عدد مقاعد كل قائمة، ونسمي هذا القاسم الجديد بالقاسم الانتخابي المشروط. اما اذا قل المجموع عن عدد المقاعد الكلي المخصص للمنطقة الانتخابية، عندئذ نقلل قيمة القاسم الانتخابي ونقوم بنفس الاجراء السابق للحصول على قاسم انتخابي مشروط يحقق تساوي مجموع مقاعد الكتل مع المقاعد المخصصة للكتل. والمثال التالي يوضح هذا الامر؛ لنفترض ان خمسة احزاب تنافسوا في الانتخابات على عشرة مقاعد وكانت اصواتهم كالتالي: الحزب أ 25,500 صوت، الحزب ب 14,000 صوت، الحزب ج 9,000 صوت، الحزب د 5,000 صوت، الحزب ص 3,500 صوت. ان مجموع الاصوات هو 57,000 و بعد القسمة على عدد المقاعد و هو عشرة سنحصل على القاسم الانتخابي والذي يساوي 5,700، و عند قسمة صوت كل حزب على هذا القاسم و تقريب ناتج هذه القسمة نجد التالي: حزب أ  (4.47، 4)، حزب ب  (2.46، 2)، حزب ج  (1.58، 2)، حزب د  (0.88، 1)، حزب ص  (0.61، 1)، و نجد ان مجموع حصة الاحزاب يساوي عشرة (4+2+2+1+1) وهو مساو للمقاعد المخصصة، لذلك تعتمد هذه الارقام و هي حصة الاحزاب من المقاعد.

 واذا افترضنا ان التنافس كان على احد عشر مقعدا نجد ان القاسم الانتخابي سيكون 5,182 بتقسيم 57,000 على عدد القاعد 11 و عند قسمة اصوات كل حزب على هذا القاسم و تقريب ناتج هذه القسمة نجد التالي: حزب أ  (4.92، 5)، حزب ب  (2.70، 3)، حزب ج  (1.74، 2)، حزب د  (0.96، 1)، حزب ص  (0.68، 1)، و يكون مجموع حصص الاحزاب هو اثنا عشر وهو اكثر من المقاعد المخصصة، لذلك سنقوم بزيادة قيمة القاسم الانتخابي من 5,182 الى 5,650 مثلا ، و عند قسمة اصوات كل حزب على هذا القاسم الانتخابي المشروط و تقريب ناتج هذه القسمة نجد التالي: حزب أ  (4.51، 5)، حزب ب  (2.48، 2)، حزب ج  (1.59، 2)، حزب د  (0.88، 1)، حزب ص  (0.62، 1)، و هنا نجد ان مجموع اصوات الاحزاب يساوي عدد المقاعد المخصصة للانتخابات ويحصل كل حزب على حصته. واذا افترضنا ان التنافس كان على اربعة عشر مقعدا نجد ان القاسم الانتخابي سيكون 4,071 و عند قسمة اصوات كل حزب على هذا القاسم و تقريب ناتج هذه القسمة نجد التالي: حزب أ  (6.26، 6)، حزب ب  (3.44، 3)، حزب ج  (2.21، 2)، حزب د  (1.23، 1)، حزب ص  (0.86، 1)، و يكون مجموع حصص الاحزاب هو ثلاثة عشر وهو اقل من المقاعد المخصصة، لذلك سنقوم بتقليل قيمة القاسم الانتخابي من 4,071 الى 4,000 مثلا، وعند قسمة اصوات كل حزب على هذا القاسم الانتخابي المشروط وتقريب ناتج هذه القسمة نجد التالي: حزب أ  (6.38، 6)، حزب ب  (3.5، 4)، حزب ج  (2.25، 2)، حزب د  (1.25، 1)، حزب ص  (0.86، 1)، و هنا نجد ان مجموع اصوات الاحزاب يساوي اربعة عشر مقعدا وهو مساو لعدد المقاعد المخصصة للانتخابات. و يمكن اختيار اي قيمة جديدة للقاسم الانتخابي المشروط ما دام مجموع مقاعد الاحزاب يتساوى مع المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية.

و كان على المفوضية ان تشرح هذه الطريقة للبرلمان العراقي بدلا من ان تجعله يغير طريقة الحساب، لان المشكلة الاساسية تكمن في كيفية تحويل كسور المقاعد الى مقاعد كاملة مع جعل مجموع حصص الاحزاب مساويا للمقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية. وشرح هذه الطريقة واولياتها موجود على رابط الحكومة الالمانية. 

http://www.bundeswahlleiter.de/en/glossar/texte/Saint_Lague_Schepers.html

و عند تطبيق هذه الطريقة على نتائج انتخابات المحافظات لهذا العام 2013 سنجد ان توزيع المقاعد سوف لن يتغير عما اقرته المفوضية.

 واضافة لذلك نرى من الواجب على المفوضية القيام بمهمة تغيير الفقرة الخاصة بتحديد نائب لكل مائة الف عراقي، و الواردة في الدستور، اذ ان الزيادة السكانية السنوية في العراق هي بحدود 5 بالمائة سنويا اي  ستكون على الاقل عشرين بالمائة كل اربع سنوات، وهي زيادة غير منطقية في كل دورة انتخابية ولا نجد لها مثيلا في العالم، وكذلك يجب على المفوضية ان تسعى الى جعل عدد مرشحي اي كتلة لاي دائرة انتخابية لا يتجاوز عدد المقاعد المخصصة لتلك الدائرة وليس الضعف كما هو معمول به حاليا وادراجه ضمن مشروع القانون المقترح، لان هذه الحالة لا توجد الا في الانتخابات العراقية وهي محاولة لزيادة اصوات الكتل الكبيرة عن طريق مرشحين لا امل لهم بالفوز بتاتا.

*اكاديمي عراقي

malbayaty@yahoo.com

إقرأ أيضا