صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

إهمال حكومي و«نظرة دونية».. كيف تراجع التعليم المهني في العراق؟

لطالما كان التعليم المهني ركيزة أساسية في اقتصادات الدول المتقدمة، حيث يرفد سوق العمل بكفاءات مدربة تلبي احتياجاته المتجددة، لكن في العراق، يعاني هذا القطاع من تحديات كبيرة، إذ تشير الإحصائيات إلى أن نسبة الطلبة الملتحقين بالتعليم المهني لا تتجاوز 1 بالمائة، من إجمالي طلبة المدارس الحكومية، رغم النقص الحاد في الأيدي العاملة الماهرة.

وتشير الأرقام إلى وجود أكثر من 316 مدرسة مهنية في العراق فقط، تستقبل سنوياً نحو 25 ألف طالب، في وقت تضم البلاد أربع جامعات تقنية تتبع وزارة التعليم العالي، وسط تساؤلات عن مدى قدرة هذه المؤسسات على تلبية احتياجات القطاعات الإنتاجية.  

ويقول النائب محمد عنوز، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “ضعف وقلة المدارس المهنية مرتبط باستراتيجيات الحكومة، وعدم إدراكها لأهمية هذه المؤسسات وما تخرجه من كوادر متخصصة تساهم في خدمة المجتمع، إذ كان العراق يضم سابقا العديد من المعاهد والمدارس المهنية، مثل معاهد النفط والإدارة والسياحة والمعاهد الصناعية، لكنها اندثرت اليوم، ما أثر على قطاع التعليم المهني وأضعف مخرجاته”.

ويضيف عنوز، أن “هذه المؤسسات لم يتم تأهيلها لمواكبة متطلبات التطور التكنولوجي، ما حال دون مساهمتها الفعالة في تحقيق تنمية مستدامة حقيقية”.

ويتابع أن “غياب الاستراتيجيات في مجالات الزراعة والصناعة والتقنيات، لا سيما في الفضاء والاتصالات والذكاء الاصطناعي، يجعل من الضروري أن تعيد الحكومة النظر في هذه المشاريع، باعتبارها استثمارا مستداما لمستقبل البلاد”.

وينقسم التعليم المهني في العراق إلى خمسة مكونات رئيسية، ويعد التعليم الصناعي الأكثر انتشارا، إذ يشمل مجالات مثل الميكانيك، والكهرباء، وصيانة الحاسبات، والتكنولوجيا الصناعية، ويبلغ عدد مدارسه حتى العام 2017، هو 189 مدرسة، يليه التعليم التجاري الذي يضم اختصاصات الإدارة والمحاسبة والسياحة والفنادق، ويضم 102 مدرسة.

أما قطاع الحاسوب وتقنية المعلومات، فيضم 11 مدرسة فقط، ويركز على مجالات تجميع وصيانة الحاسوب، والشبكات، والإدارة الإلكترونية، بينما يقتصر التعليم الزراعي على 10 مدارس في المقابل، يبقى تعليم الفنون التطبيقية الأقل انتشارا، حيث يضم 4 مدارس فقط ويركز على مجالات التدبير المنزلي، والديكور، وتربية الطفل.  

ويعاني الواقع التربوي من مشاكل كبيرة وعديدة، وأبرزها قلة الأبنية المدرسية، إذ ما زال العراق بحاجة إلى 8 آلاف مدرسة بحسب تصريح رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، فضلا عن نقص الكتب المدرسية، إذ غالبا ما ينتهي النصف الأول من العام دون استلام المدارس للكتب.

إلى ذلك، يبين أستاذ علم التربية في جامعة الإمام الصادق، فالح القريشي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الحروب والنزوح والأزمات الاقتصادية، وضعف التخصيصات المالية أبرز العوامل التي أدت إلى تراجع التعليم المهني في العراق، فضلا عن غياب الاهتمام الحكومي بهذا القطاع”.

ويتابع القريشي، أن “المناهج وأساليب التدريب لا تزال تقليدية وغير متطورة، كما أن الكوادر التدريسية في المدارس المهنية تعاني من ضعف الإعداد، في ظل غياب دورات تدريبية تواكب التطورات الحديثة كما هو الحال في دول مثل اليابان وماليزيا”.

ويشير إلى أن  “السياسات والفلسفة التعليمية في العراق لا تعطي التعليم المهني أهمية كافية، كما أن المجتمع العراقي ينظر إليه على أنه أقل شأنا من التعليم الأكاديمي، ما أدى إلى عزوف الطلبة عن الالتحاق به رغم أهميته في رفد سوق العمل بالكوادر المتخصصة”.  

وبالتزامن مع عدم تطوير قطاع التعليم في العراق، برزت المدارس الأهلية كبديل عن المدارس الحكومية، وباتت أعدادها كبيرة جدا ومنتشرة في أغلب الأحياء السكنية في جميع المحافظات.

كما انتشرت أيضا في السنوات الأخيرة، ظاهرة معاهد التطوير والدورات، حيث يشترك في كل معهد عدد من المدرسين ويجمعون الطلبة في قاعات مخصصة للدراسة، وتبدأ أغلب هذه الدورات في العطلة الصيفية التي تسبق بدء العام الدراسي، وذلك بهدف تهيئة الطالب للمرحلة الوزارية المقبل عليها.

من جانبه، يبين الباحث في الشأن التربوي، عبدالسلام لفتة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الحكومة قلصت فرص تعيين خريجي الإعداديات والمعاهد المهنية بشكل كبير جدا، ما ساهم في عزوف الطلبة عن الالتحاق بها، خاصة وأن المجتمع العراقي يحمل نظرة دونية تجاه التعليم المهني، حيث يفضل الطلبة الالتحاق بالإعدادية العامة لضمان الوصول إلى الجامعة، في حين أن فرص خريجي الإعداديات المهنية في دخول المعاهد والجامعات محدودة للغاية، ما يجعل الإقبال على هذا النوع من التعليم ضعيفا”.

ويرى أن “وزارة التربية لم تهتم بتطوير مناهج التعليم المهني، حيث بقيت المناهج قديمة وغير متوافقة مع التغيرات التقنية والتكنولوجية الحديثة”، مشددا على أن “العراق اليوم في أمس الحاجة إلى هذه التخصصات والكوادر الوسطى”. 

ومن أبرز المشاكل التي يعاني منها التعليم في العراق، ظاهرة التسرب من المدراس، وكان الجهاز المركزي للإحصاء، كشف في 2019 أن العام الدراسي 2017-2018، هو أكثر الأعوام تسربا للطلبة من المرحلة الابتدائية، بحسب إحصائية أجراها في جميع المحافظات، واتضح أن أغلب المتسربين من المدارس الابتدائية دون سن 15 عاما، بواقع 131 ألفا و368 طالبا، نسبة الإناث منهم 47 بالمئة، فيما كان عدد المتسربين 126 ألفا و694 طالبا للعام الدراسي 2016-2017.

وينص قانون التعليم الإلزامي في العراق رقم 118 لسنة 1976، النافذ لغاية الآن، على أن يعاقب بغرامة لا تزيد عن 100 دينار، ولا تقل عن دينار واحد، أو بالحبس لمدة لا تزيد عن شهر واحد، ولا تقل عن أسبوع واحد، أو بكلتيهما، ولي الولد المتكفل فعلا بتربيته، إذا خالف أيا من أحكام هذا القانون المتعلقة بانتظام الطالب في دوامه المدرسي.

وقد نص القانون أيضا على أن تقوم إدارات المدارس الابتدائية بحصر حالات التخلف عن التسجيل، بموجب القوائم المعلنة لديها وما يطرأ عليها من التعديل، بالإضافة أو الحذف، وتتخذ الإجراءات لإبلاغ أولياء الأولاد وحثهم على تسجيلهم وعلى انتظام دوامهم والحيلولة دون تسربهم عن الدراسة، ولإبلاغ الجهات المسؤولة عن مراقبة الدوام، ومديرية التربية المتخصصة.

إقرأ أيضا