تتميز اليوم السياسات الإيرانية بقدرتها الفعالة على التعاطي مع الملف النووي بإجادتها لعبة المصالح في سياق إدارتها للصراع على نحو مكنها من منع نجاح الإدارة الأميركية في حشد تحالف دولي ضدها. لذلك أدارت مفاوضاتها مع وكالة الطاقة الدولية للأبحاث النووية بعد أن انضمت إلى معاهدة عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، ووافقت بعد ذلك على اتفاقية البروتوكول الإضافي بينها وبين الوكالة على قاعدة حقها في تطوير وامتلاك تقنيات نووية لأغراض سلمية، ما شكل صفعة لإسرائيل التي شعرت بالعجز المطلق عن التعامل ميدانيا مع البرنامج النووي باعتباره أصبح خارج القدرات العسكرية الإسرائيلية، وأن مهمة معالجته وحله أصبحت ضمن مسؤوليات الغرب وأميركا بالتحديد.
وفي إطار ذلك تدخل المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني في فينا مرحلة جديدة لا تقل دقة وحساسية عن سابقاتها، إذ أن مفاوضي القوى العظمى وطهران سيشرعون في صياغة اتفاق نهائي، لكن الخلاف يكمن في تفاصيل هذا النص الذي يفترض أن يضع حداً لخلاف تسبب بتوترات خطرة وخاصة على مستوى العلاقات الدولية، أما الهدف الذي يصبو إليه مفاوضو مجموعة (5+1) \”ألمانيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا\” وإيران، فهو أن تعطي الجمهورية الإسلامية ضمانة دائمة لبقية العالم بشأن الطابع السلمي البحت لبرنامجها النووي، لتحصل مقابل ذلك على رفع العقوبات الدولية التي تخنق اقتصادها، ومن هنا أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أن \”إيران لن تقبل بالتمييز النووي، والتخلي عن برنامجها الذري، لكنها مستعدة لمزيد من الشفافية\”.
فالشوط الكبير الذي قطعته مباحثات المجموعة الدولية مع طهران، بشأن ملفها النووي، ما زال محل اعتراضات كبيرة من الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، التي تصر على منع إيران من اكتساب القدرة على تخصيب اليورانيوم بموجب اتفاق نووي قد يكون وشيكا، وهو مطلب يهدد بتصدع جديد في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة. ويأتي الخلاف في إطار مساع إسرائيلية للتدخل في المحادثات التي تجريها القوى العالمية مع طهران قبل موعد 20 تموز المحدد للتوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران. ولا تشارك إسرائيل في المحادثات لكن أمرها محل اهتمام في العواصم الغربية بالنظر إلى مخاوفها من حصول إيران على السلاح النووي وتهديدات إسرائيل بشن ضربة استباقية على طهران إذا وصلت الجهود الدبلوماسية إلى طريق مسدود. في إطار ذلك تنطلق الاعتراضات الإسرائيلية من الإدعاء بأن المشروع النووي الإيراني خطر إستراتيجي من شأنه أن يهدد الأمن الإسرائيلي، وأن يشعل سباق تسلح نووي في المنطقة، ما سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي، ويخل بموازين القوى القائمة على نحو سيزيد من احتمالات نشوب جولات جديدة من الحروب ستكون أوسع نطاقا وأكثر فتكا وتدميرا في المنطقة.
والذي يمكن أن أؤكده هنا أن نتنياهو يستخدم التهديد الإيراني كي يحقق أهدافه السياسية، غير أن احتمال فشل هذه السياسة قد لا يقود فقط إلى إخراج إيران من عزلتها الدولية، بل قد يؤدي أيضا إلى تعميق عزلة إسرائيل دوليا، وإلى مزيد من التدهور في العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، كما سيقود إلى تغيير البيئة الإستراتيجية المحيطة بإسرائيل عبر تمكين إيران من المنافسة على مكانة القوة الإقليمية العظمى صاحبة الخبرات النووية المتقدمة، ما يشكل خطرا كبيرا على الدور الإقليمي المنتظر لإسرائيل مستقبلا.
وأخيراً ربما أستطيع القول إن جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى هو الحل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، لكن إسرائيل التي تمتلك الترسانة النووية الوحيدة في المنطقة ترفض هذا الحل بينما تقيم الدنيا ولا تقعدها بمزاعم وجود خطر إستراتيجي يفرضه البرنامج النووي الإيراني على المنطقة بشكل كامل، وبالتالي فإن الإيرانيين قادرون على إحراج الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية ودول الإتحاد الأوروبي، بوضع الملف النووي الإسرائيلي على الطاولة، إلى جانب الملف النووي، وإنهاء عقود ما يسمى بالغموض النووي الإسرائيلي.
* د. خيام محمد الزعبي: كاتب وباحث سوري متخصص في العلاقات الدولية، khaym1979@yahoo.com