صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

إيران وسقوط الأسد.. البحر يبتعد والأحلام تتبدد

لم يعد حلم إيران بالوصول إلى البحر المتوسط وإنشاء طوق من النار حول إسرائيل والوجود الأمريكي، ممكنا بسقوط “آخر أحجار الدومينو” في ما يسمى بـ”محور المقاومة”، فانهيار نظام بشار الأسد، في سوريا قطع الطريق، وبدد نظرية “الهلال الشيعي” على نحو سريع ومفاجئ. 

وبحسب باحثين ومراقبين، فإن عملية طوفان الأقصى كانت بداية النهاية لهذا المحور الذي حمل إيران كلفة اقتصادية وبشرية هائلة، فيما شككوا بقدرة إيران “التوسعية” مستقبلا بعد موت “وحدة الساحات” ونشاط الداخل الإيراني “المعارض”.

ويشير مصطلح محور المقاومة أو الممانعة، إلى تحالف عسكري وسياسي غير رسمي مناهض لإسرائيل والولايات المتحدة، ويضم إيران وسوريا والفصائل العراقية الموالية لطهران، وحركة حماس الفلسطينية، وحزب الله اللبناني، وحركة أنصار الله اليمنية (الحوثيون)، وتصنف الولايات المتحدة معظم تلك الجماعات كمنظمات إرهابية.

وحول هذا الأمر، يقول الكاتب والباحث السعودي خالد النزر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الولايات المتحدة والقوى الغربية عموما، هي من سمحت لهذا المحور بالتمدد والتضخم، وذلك بعد بروز التنظيمات الجهادية السلفية المتطرفة، في تسعينيات القرن الماضي، وتهديدها لاستقرار دول المنطقة وإضرارها بالمصالح الأمريكية، حتى وصلت عملياتها الإرهابية في عام 2001 إلى عقر الولايات المتحدة، والتي على إثرها تم غزو العراق والسماح للنفوذ الإيراني بالتغلغل والتوسع في المنطقة ودعم وإمداد الفصائل التابعة لها وتشكيل المزيد منها”.

ويشير النزر، إلى أن “الغرب، كان يعتقد أولا بأن تنمية هذا المحور سيخلق حالة من التوازن والضد النوعي في الإقليم، بضرب جماعات إسلامية متطرفة بجماعات إسلامية متطرفة أخرى، وثانيا، لكي تصبح إيران هي البعبع الطائفي الذي يقلق باقي دول المنطقة ذات الغالبية السنية، وهذا جنّب المصالح الأمريكية في المنطقة للمخاطر، وفي الوقت نفسه، صب في مصلحة إسرائيل ذات العداء التاريخي للدول العربية التي وجدت أن تغوّل المشروع الإيراني أكثر خطرا على أمنها واستقرارها”.

“إيران فهمت هذه اللعبة ولعبتها بذكاء فيما يخدم مصالحها القومية، ومدت خطوط محورها إلى البحر المتوسط والبحر الأحمر تحت مسمى محور المقاومة”، كما يصف النزر، أما في تعاملها مع الغرب، يكمل: “لو أخذنا فقط جواد ظريف (وزير الخارجية الإيراني في عهد حسن روحاني)، على سبيل المثال، فقد كان آنذاك يوصل رسائل تؤكد على محاربة إيران للإرهاب السلفي، وأنها ذات حضارة وتاريخ عريق مواز لتاريخ الغرب، ويمكن التعامل معها بموثوقية أكثر من العرب، وبالفعل كسبت إيران تعاطيا إيجابيا في عهد أوباما ذي النظرة الدونية للعرب، والذي ختم عهده بالاتفاق النووي المنقوص معها”.

حجر الدومينو

وبالعودة للأحداث الأخيرة، يعتقد الكاتب السعودي، أن “عملية السابع من (تشرين الأول) أكتوبر، كانت هي بداية سقوط حجر الدومينو، حيث وقع هذا المحور في خطأ استراتيجي مميت، فحماس التي سمحت لها إسرائيل بحكم غزة التي تتنفس خَدَميا واقتصاديا من إسرائيل، والتي كانت تمرر لها حتى إمداداتها المالية الخارجية، لبقاء الشرخ الفلسطيني قائما (بحسب تصريحات نتنياهو آنذاك)، خرقت الخطوط الحمراء وقواعد الاشتباك، وشكلت تهديدا أمنيا خطيرا على إسرائيل، في عملية مرعبة ومهينة لها، مما قلب الموازين على كامل المحور، خصوصا في ظل حكومة متطرفة كحكومة نتنياهو، وإدارة ضعيفة كإدارة بايدن”.

وفي السابع من تشرين الأول أكتوبر 2023 شنت فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وعلى رأسها حركة حماس عملية عسكرية على إسرائيل عرفت بطوفان الأقصى، أو معركة السابع من أكتوبر، ردا على ما أسمتها حماس بـ”الانتهاكات الإسرائيلية في باحات المسجد الأقصى واعتداء المستوطنين الإسرائيليين على المواطنين الفلسطينيين في القُدس والضفة والدّاخل المحتل”، وامتدت هذه المعركة إلى لبنان، حيث اشترك حزب الله اللبناني مع فصائل من المحور الإيراني، واغتيل على إثرها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وقيادات أخرى.

ويضيف النزر، أن “الأسد الذي كان قطبا وشريانا رئيسا في هذا المحور، كان غارقا أيضا في الأزمة السورية الداخلية وما خلفته من قتل وتهجير ووضع اقتصادي بائس، ومؤسسات حكومية مهترئة، وجيش منخور من الداخل، فالنظام الإيراني صرف المليارات وبذل دماء العديد من عسكرييه في سورية، لإبقاء حكم بشار من أجل الحفاظ على المصلحة القومية الإيرانية كما يرونها، وكما صرح العديد من المسؤولين الإيرانيين، كان آخرهم عراقجي يوم أمس الأول”.

ويكمل بالقول إن “الأسد أُعطي خلال السنوات الأخيرة الكثير من الفرص والخيارات، ولكنه لم يستغلها، وحتى بعد بدء حرب غزة وصولا للضربات القاسمة لحزب الله، ظل في غروره، ولذلك لم يتمكن أكبر داعميه من إنقاذه وعلى رأسهم روسيا وإيران، بالرغم من علمهم المسبق بهذا السيناريو، بحسب تصريح عراقجي (وزير الخارجية الإيراني) الأخير، ولكن الشق كان أكبر من الرقعة”.

لحظة فارقة

في هذه اللحظة من الصعب معرفة مصير سوريا الجديدة، كما يرى الباحث السعودي، “فهي إما ستشكل مشروعا سياسيا ناجحا مدعوما إقليميا ودوليا، أو الدخول في متاهات الحروب الداخلية، ولكن في جميع الأحوال لم يعد هناك أفق للمشروع الإيراني في سوريا، أي أنها ستخرج منها بخفّي حنين، وستذهب جهودها وتضحياتها وأموالها هباء منثورا، فالنتيجة الواضحة لما حصل منذ حرب غزة حتى هذه اللحظة، هو سقوط المشروع الإيراني وأحلامه وأوهامه”.

لكنه يستدرك، بأن “النظام الإيراني يمتلك البراغماتية الكافية التي تجعله يتأقلم مع الأوضاع الجديدة في المنطقة، فإيران تبقى دولة إقليمية محورية ومهمة وذات قوة ونفوذ، وقد أثبتت التجربة بأنها مهما حصل لحلفائها أو أتباعها، فإنها غير مستعدة للتضحية لأجلهم على حساب نفسها، لذلك سيبقى النظام الإيراني يتعاطى مع الموقف الدولي والإقليمي بما يحفظ وجوده والمصلحة القومية لإيران كدولة وليس كمشروع توسعي، وقد لمسنا ذلك بشكل واضح في تصريحات بزشكيان (الرئيس الإيراني) في نيويورك، حول الحوار مع الولايات المتحدة والغرب، والتعاون والحرص على أمن المنطقة واستقرارها”.

ويشكل سقوط الأسد ضربة قاصمة للمحور الإيراني، ووفق تقرير نشرته “وكالة الصحافة الفرنسية”، فلطالما أدّت سوريا التي تتشارك مع لبنان حدودا طويلة سهلة الاختراق، دورا استراتيجيا في إمداد حزب الله اللبناني الذي تموّله إيران، بالأسلحة، كما أكد المرشد الإيراني علي خامنئي مرارا أن “سوريا هي عند الخط الأمامي للمقاومة” ضد إسرائيل، وهي “ركيزة” في هذه المعركة.

أفول الهلال

من جهته، يتفق الباحث في الشأن السياسي، مجاشع التميمي، مع النزر، في أن “عملية طوفان الأقصى والنتائج التي تمخضت عنها هي بمثابة مشروع دولي جديد في المنطقة، أكبر بكثير من حدث غزو صدام للكويت عام 1990، ولا يقبل الشك والتردد في القول إن محور المقاومة قد خسر جراءه خسارة كبيرة لأن طريق الإمداد أو ما يسمى بالهلال الشيعى قد انقطع بشكل نهائي مع ذهاب نظام الأسد في سوريا وسيطرة قوى المعارضة السورية العدو الأول لإيران وتمدد قوات قسد والعشائر السنية على طول الحدود العراقية السورية”.

“حلم آخر تبدد”، كما يضيف التميمي، خلال حديثه لـ”العالم الجديد”، وهو “المشروع البري السككي الممتد من ميناء الإمام الخميني في إيران إلى ميناء اللاذقية في سوريا، مرورا بالعراق عبر خط سكة حديد يربط الدول الثلاث، هذا الآخر قد انتهى، ‏لكن تبقى الخسارة الأكبر هو حزب الله الذي فقد نحو 90 بالمئة من قوته في معارك مع إسرائيل، لذلك ستحاول إيران لملمة أوراقها والحفاظ على ما تبقى من محور المقاومة المتمثل في إيران وجزء من العراق واليمن”.

وحول استراتيجية إيران في هذه المرحلة، يشير إلى أنها “ستتجه لامتصاص الأزمة والحفاظ على الثبات، وخاصة في الداخل الإيراني الذي بدأ بتعزيزات سياسية داخلية من خلال اختيار محافظين جدد لعدد من المحافظات التي تشهد قلاقل في الأمن، كما في المحافظات الكردية الإيرانية والأهواز ذات الأغلبية العربية”.

لذا، وفي المرحلة المقبلة، يعتقد التميمي، أن “إيران ستضع اهتماما خاصا للداخل الإيراني الذي بدأ يطرح الكثير من التساؤلات بشأن جدوى الأموال التي ضخت خلال الخمسة والأربعين سنة الماضية من عمر الثورة على هذا المحور، فضلا عن الأعداد الكبيرة من القتلى الإيرانيين الذين خسرتهم إيران ضمن محور المقاومة خارج حدودها، وكل ذلك حصل والعالم يترقب وصول ترامب الرئيس الأمريكي الجديد إلى البيت الأبيض الشهر المقبل والذي جاء بحكومة معادية للمحور الصيني الإيراني”.

وحذرت الدبلوماسية الإيرانية في أول تعليق لها على سقوط الأسد، من أن سياسة إيران تجاه أي حكومة سورية جديدة ستعتمد على “المستجدات في سوريا والمنطقة، وسنتخذ موقفنا بناء على سلوكيات وسياسات بقية اللاعبين في سوريا”، ولم يأتِ البيان الإيراني على ذكر الرئيس السوري، كما لم يشر إلى “محور المقاومة”.

البحر يبتعد

بدوره، يجد مدير المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية، غازي فيصل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “خسارة إيران كبرى في سوريا، لأن رهانها كان استراتيجية التمدد عبر العراق إلى سوريا ولبنان، ما يشكل لفضاء شرق أوسط إسلامي تابع لولاية الفقيه أو ما يسمى بالهلال الشيعي”.

ووفقا لفيصل، فإن هذه “النظرية والحلم في الشرق الأوسط تلاشى اليوم بسقوط الأسد، ولم يعد لإيران أي نفوذ في سوريا، لاسيما بعد قطع الطريق الذي كان يذهب من طهران إلى سنجار العراقية ثم سوريا ولبنان لنقل الأسلحة والمعدات القوى والبشرية، وبقطع هذا الشريان فإن حلم إيران بالوصول إلى البحر المتوسط انتهى وتلاشى”.

وبعيدا عن سقوط الأسد، فإن عوامل أخرى أضعفت المحور، يفصلها فيصل بما أفرزته “نتائج الحرب في لبنان من تدمير لهيكلية حزب الله وقدراته العسكرية، والوضع الجديد الذي بدأ يظهر في بيروت مع انتخاب رئيس جديد، وتحريرها من فيتو حزب الله على السياسات والتحكم بالقرارات السيادية للدولة”.

ويخلص إلى أن “إيران منشغلة اليوم بهزيمتها، والمشكلات الاقتصادية التي سببتها هذه الحرب التي كلفت أكثر 800 مليار دولار، وكذلك نحو 500 مليار أخرى للصناعات العسكرية والبرنامج النووي، مع وجود بطالة كبيرة وأكثر من 45 مليون إيراني تحت خط الفقر، إضافة إلى معارضة داخلية بدأت تتسع وتنمو في محافظات عديدة وتمارس ضغوطا على مؤسسات الدولة المختلفة لإجراءات إصلاحات جذرية”.

موت وحدة الساحات

من جانبه، يشير المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “محور المقاومة بسقوط الأسد ضعف كثيرا، ووحدة الساحات انتهت، وعلى الرغم من أن الصحافة الإيرانية بررت سقوط الأسد بانفصاله عن هذا المحور وذهابه إلى الوعود الأمريكية، لكن هذا الكلام غير صحيح”.

وأوردت وكالة أنباء فارس الإيرانية في تعليق انتقادي نادر للرئيس السوري السابق: “كان بشار فرصة لإيران، لكنه لم يعر اهتماما كافيا لتوصيات الجمهورية الإسلامية”.

ويؤكد الدعمي، أن “إيران بقيت تدافع عن الأسد، لآخر يوم حتى أن وزير الخارجية الإيراني حضر إلى العراق لطلب مساعدة سوريا الأسد بأي شيء، لكن الحكومة العراقية رفضت مطالبه، فكانت النتيجة الحتمية سقوطه لأنه فقد الإسناد من حزب الله المنهك، ومغادرة الفصائل العراقية، وهذه النتيجة التي ستحول النفوذ في سوريا من إيران إلى تركيا وأمريكا”.

وكانت قد قدّمت طهران هجوم فصائل المعارضة المسلّحة ضد السلطات السورية على أنه مؤامرة أمريكية إسرائيلية لـ”زعزعة الاستقرار” وإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.

إقرأ أيضا