اتركوا لنا الخراب وغادروا بهدوئكم

بعض المثقفين المغتربين (أثابهم الله) ينامون على شراشف من حرير، و(التبريد يكفخ عليهم)، وتراهم عند أوقات الفراغ يمسكون بأجهزة الكومبيوتر لكي يكتبوا مقالا عن بغداد. أنا لا أرفض هذا. لأنهم عراقيون ومن حقهم أن يكتبوا عن بلدهم وعن عاصمتهم، بغداد، الغالية، لكن بعضهم، وأؤكد على كلمة (بعضهم) عندما ينهون كتابة المقال يرشون عليه سما أصفر اللون، ولا أعرف لماذا!

وعندما تقرأ مقالاتهم عن بغداد تراها مقالات قاتلة تبث الرعب في قلوب قارئيها، فهم يتحدثون عن الأوضاع الأمنية بحزن، ويروون قصصا لم نسمع بها نحن (مغتربو الداخل). قصص عجيبة يرجع أصلها إلى حكايات ألف ليلة وليلة (النسخة الهندية)، ومن بين تلك القصص التي قرأتها أن هناك عصابة قتل في إحدى مناطق بغداد الحدودية إلى الجنوب تدخل ليلا إلى البيوت بطريقة عشوائية وتجمع أفراد العائلة في حمام البيت ومن ثم تقطع رؤوس العائلة كلها ويضعونها في (البانيو) ومن ثم يرشون فوقها الطحين والماء لكي تتيبس صباحا!

(لا ابشرفك؟) 

أنا أقول؛ أولا هذه ليست جريمة عصابة، بل إرهاب ممزوج بالمعجنات. ثانيا من أين لك أيها الكاتب (المغترب) هذه القصة؟ ولماذا لم نسمع بها نحن سكنة بغداد لاسيما ونحن مزقنا (قنفات) المقاهي بسبب الجلوس الدائم حيث لا متنفس غير الهواء الطلق والشاي؟

لو نفترض جدلا أن هذه القصة حقيقية، فلماذا تكتبها وتنشرها؟ ألا يجدر بك، وأنت مثقف رومانسي قضيت نصف عمرك بين (كناغر) استراليا وثلج باريس، أن تكتب شعرا أو مادة جميلة تشبه مسيرتك في الحياة؟ لماذا تريدوننا أن نهرب من بغداد بسببكم؟ لماذا تتحدثون عن الوضع الأمني؟

أما جدير بك أن تكرس ما تتيح لك تجربة التعاطي مع اﻵخر – إن كنت ممن يتمثلها – في التعاطي مع الكتابة الموضوعية؟ أم أن كل تلك السنوات واﻷمكنة لم تزدك إﻻ إفلاسا فكريا!

أنا لا أريد القول أن بغداد آمنة من الإرهاب، هذا محال، لكنني أود القول أن أهل بغداد تكفيهم مصائبهم، فارحموا بنا أنتم أيضا أيها المغتربون. (وانطوا الخبز لخبازته) فهي أولى به. 

قرأت الكثير من تلك المقالات التي تتغنى بعدم العودة إلى الوطن، و (آه يا وطني ماذا حل بك) بالإضافة إلى مقالات تفوح منها رائحة الطائفية المقيتة. 

هل تشعرون بالراحة عندما تذكروننا بما يجري وما جرى؟ هل تعتقدون أننا (منشنشين) لهذه الدرجة فأحببتم أن تعكروا علينا راحتنا؟ لماذا لا تحاولون أن تدفعوا ببغداد نحو الكلمة الجميلة الممتلئة بالشعر والموسيقى؟ لماذا لم نحاول نحن الإساءة لكم لا من بعيد ولا من قريب؟ 

بعض كلماتكم التي كتبتموها في المقالات ونشرت في الفيس بووك جعلت أناسا يقتتلون في ما بينهم.

أحدهم كتب ذات يوم على الفيس بووك (الطائفة الفلانية هي مصدر الطائفية في بغداد) ومن ثم رد عليه الآخر بتعليق يليق بالمنشور إذ قال (لا والله ماكو غيركم طائفيين يا….). الغريب في الأمر أن صاحب المنشور الأول يقيم في لندن، ومن رد عليه يقيم في الدانمارك وكلاهما يسمي نفسه مثقفا!

نحن أولاد البطة السودة، اكتفينا بالسكوت.. شكرا لكم و(خلف الله عليكم). 

أتمنى من مثقفينا الذين تحملوا كل معاناة العراق والحروب أن يحاولوا أو يردوا على هؤلاء المغتربين الذين أشعلوا كل شيء خلفهم وأمسكوا بفأس كبيرة وبعبارة (كيو) بدؤوا الهدم.

أعتقد أنني في بداية المقال قلت (بعضهم) أليس كذلك؟! 

* كاتب ومسرحي عراقي

إقرأ أيضا