احصنة العقيدة

منذ أشهر، وهناك قارئ يلاحقني أين ما كتبت، ليعلّق بكليشة جاهزة \”أيها البعثي، أعرف ما ترمي إليه في مقالاتك، الحكومة لم تفعل هذا، ولم تقم بذاك\”، بالطبع، يضع هذا القارئ اسمي بين قوسين. يبدو أن اسمي يزعجه كثيراً، كما بات يرعبني مؤخراً، لكن شتان بين ما يرمي إليه وبين خوفي من اسمي.

ينطلق هذا القارئ قبل كل شيء من اسمي، فهو بطبيعة الحال يشكل حساسية لديه. يسير القارئ هذا، مثل حصان لا يرى ما يدور من أحداث وتطورات على جانبيه. ينظر قدامه فقط، فيما العقيدة وسياطها على ظهره لا يفترقان.

شخصياً، شكّل اسمي مشكلات عديدة. فهو كلما اشتد سعار الحرب الطائفية أصبح مثل مسدس موجه إلى جبهتي، لكني أحب هذا القاتل، نغمته بفم الآخرين تعجبني، ولا أحب تصغيره أحياناً بفم العقائديين. فـ\”عميرّ\” تبدو بشعة، وكأني انسلخت عن تاريخي القصير معه في لحظة، بسبب عقيدة جوفاء لا تسمح للمقابل حتى بنطقِ الأسم.

وبالرغم من أن هذا القارئ يزعجني أحياناً، لكنه في الوقت ذاته يصير مسلياً. اسمي الذي يضعه بين قوسين يبدو أكثر هيبة وجمالاً. يبدو مقلقاً، ومخيفاً بالنسبة له. وأعتقد أنه بعد مرور أشهر سيحذف حتى اسمي، ويجعل مني نكرة، وهذا سيفرحني كثيراً، لأني عرفت أخيراً أن العقيدة بلغت مبلغها الكامل منه، وحينها إما ستجعله إنساناً منعزلاً وخائفاً من أن يدنسه أي شيء، وإما سيفكّ اللجام عنه، ويصبح انساناً عادياً، يعيش حياة طبيعية، يستطيع أن يتقبل الآخرين وينظر إلى كل ما يُكتب بعقلانية، بدلاً من أن ينطلق من اسم يعتقد أن صاحبه لابد أن يكون شخصاً سنياً معادياً لعقيدته المهددة.

ولكن هناك شيئا إيجابيا آخر في هذا القارئ ومن يشبهه من كل العقائد، فهو على الأقل لم يذهب إلى طريق القتل البشعة التي سلكها أقرانه، اكتفى باستثمار عالم الانترنيت بسب وشتم الآخرين. أفرغ كل غضبه من الآخرين بالكتابة. أصبح خصماً \”كتابياً\” غير كفوء، وهو يعرف ذلك، لكنه على الأقل يحاول قتل \”الكتابة\” بدل قتل الجسد، وهذا ما لا اعتقده جرماً أبداً، فهو يساجل بقلّة أدب، لكن سجاله مفيد؛ فالكتاب المتعالين، الذين يجدون أنفسهم أنهم على شاطئ \”الصواب\” دائماً، وأن لهم قراءهم، لابد أن يستدرجوا هذا \”الخصم\” إلى شاطئهم، أن يحسبوا حساب هذا الكائن الذي لا يعرف صديقاً غير عقيدة تخونه بحسب مزاجها.

كتبت مقالين حتّى الآن ولم يعلّق \”كارهي\”، ولا أنكر أني افتقده جدّاً. هو الآن يشغل فكري جدّاً، هل بلغت منه العقيدة ليصبح مقاتلاً في سوريا الآن؟ هل انضم إلى إحدى الميليشيات؟ هل ضجر من الكتابة والتعليق والشتم على \”خصومه\”، هل انتهت اتهاماته؟ هل يعقل أنه عاد إلى رشده؟ 

ألا أبدو مجنوناً وأنا أفكر بشخص لا أعرف عنه أي شيء سوى أنه يعتقد أني \”سنّي\”، وأني أحاول تشويه \”أفعال\” السياسيين من عقيدته ذاتها.

إقرأ أيضا