بعد سنوات من التماهي والغموض، تقترب الحكومة التي شكلها الإطار التنسيقي، من حسم ملف الفصائل المسلحة، عبر الفصل بينها وبين القوى المنضوية في هيئة الحشد الشعبي، فضلا عن السيطرة على سلاح تلك الفصائل، في خطوات، وكما يرى مراقبون للشأن السياسي، بأن دافعها الأول هو طمأنة واشنطن والمجتمع الدولي، وتقوية الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى أنها تمثل استجابة من الحكومة والإطار لورقة الاتفاق السياسي والشروط الأمريكية، لكن هذا التوجه لن يصل إلى مرحلة “البراءة” من هذه الفصائل، لكونها مشتركة بالحكومة، كما يرى مقرب من الإطار.
ويقول المحلل السياسي نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “كل الحكومات التي تعاقبت على السلطة في بغداد منذ العام 2005 ولحد الآن حاولت جميعها حصر السلاح بيد الدولة إلا أنها فشلت في مساعيها وذلك لأسباب عدة ربما أهمها تحكّم قوى إقليمية ودولية بهذا السلاح المنفلت ولذلك عجزت الحكومات المتعاقبة عن حصره تحت سلطتها وعندما شرع مجلس النواب القانون رقم 40 والمسمى بقانون هيئة الحشد الشعبي وذلك في العام 2016 كان من المفترض أن تعمل الحكومات بكل جد وتبذل أقصى جهدها لتنفيذ نصوص القانون، ولو كان قد تم ذلك لكانت الدولة قد فككت كل الميليشيات وحصرت كل السلاح تحت سلطتها”.
وعن الحكومة الحالية، يعتقد أنها “عازمة على تنفيذ قانون هيئة الحشد الشعبي بحذافيره وستكون نتيجة ذلك حصر السلاح بيد الدولة، وذلك لأربعة أسباب منها إن هذه المرة الحكومة إطارية 100 بالمئة لا ينازعها أحد فيها وخاصة التيار الصدري الذي انسحب كلياً من العملية السياسيَّة، وبما أن الميليشيات والفصائل المسلحة التي تحتفظ بسلاحها خارج سلطة الدولة قريبة جداً من الإطار بل إن بعضها جزء منه، لذلك فإن بإمكان الحكومة أن تعمل لتنفيذ بنود القانون، إذ من المنتظر أن تتعاون قوى الإطار مع الحكومة لتحقيق هذا الهدف”.
ويضيف أن “الحكومة تعلم بأن وجود السلاح خارج سلطة الدولة لا يساعد أبداً على تحقيق التنمية والاستثمار والشراكات الاقتصادية مع الدول الأخرى كالمشروع الذي تقدم به السيد السُّوداني في قمة جدة الأخيرة، فالبلد الذي يتحكم في اتجاهاته سلاح الفصائل والميليشيات يفشل في رسم الاستراتيجيات الاقتصادية على وجه التحديد لأنها تكون تحت رحمة الابتزاز والتهديد بشكل مستمر”.
ويؤكد حيدر أن ما يدفع لهذه الخطوة أيضاً هو “إصرار الولايات المتحدة على ضرورة التزام بغداد بمبدأ حصر السلاح بيد الدولة في ظل مساعي بغداد وواشنطن لبناء شراكات حقيقية من خلال الالتزام ببنود اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين البلدين، إذ تكرر الأمر خلال يومين على لسان الرئيس بايدن والسفيرة رومانسكي و المبعوثة الأممية بلاسخارت في إحاطتها الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي”.
ويخلص إلى أن “ظاهرة استغلال الفصائل المسلحة لعنوان الحشد الشعبي وتسترهم بهذا العنوان تكررت في التجاوز على حقوق المواطنين في المناطق التي تنتشر بها والاستحواذ على أملاكهم وتنفيذ سياسة التغيير الديمغرافي وغير ذلك وعندما تكررت هذه الجرائم بدأت الهيئات والمنظمات الدولية ترصد وتنشر وتتحدث بها وعنها”.
وكان رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، أكد أمس الأول السبت، من محافظة نينوى، أنه : ماضون في تكريس الفصل بين هيئة الحشد والكيانات الأخرى، ونحن بصدد تثبيت الهيكلة النهائية لهيئة الحشد الشعبي.
ومؤخرا، أثارت تحركات السفيرة الأمريكية في بغداد ألينا رومانسيكي، واجتماعاتها مع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، والوزراء وزعماء الكتل السياسية، وخاصة قادة كتل الإطار التنسيقي، التساؤلات، ووفقا لتقرير “العالم الجديد” حول هذه التحركات، فقد كشف المتحدثون أن الإدارة الأمريكية سلمت ملف العراق للسفيرة دون تدخل وزارة الخارجية أو الرئيس الأمريكي بشكل مباشر، وذلك ما يضمن لها حرية التحرك ومرونة بإيصال الرسائل، فيما بينوا أن سبب هذه الخطوة هو وضع اشتراطات على السوداني تخص الفصائل المسلحة، وبعد أن يتم تنفيذها تعود العلاقة بشكل مباشر مع واشنطن ويتقنن دور السفيرة الحالي.
وبعد أن كان ملف إخراج القوات الأجنبية من العراق، من أبرز ما نادى به الإطار التنسيقي خلال الحكومة السابقة، واستخدمه ضدها، اتخذت الحكومة الحالية المشكلة من قوى الإطار، الصمت تجاه هذا الملف، وهو ما ربطه محللون سياسيون حسب تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، بهدنة أمريكية إيرانية، بالإضافة إلى عدم التأثير على حكومة السوداني.
إلى ذلك، يرى المحلل السياسي غازي فيصل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الدراسات والبحوث تؤشر وجود أكثر من 74 تنظيما مسلحا، منها 34 كتيبة وتنظيما مسلحا لا ترتبط من حيث الخضوع للاستراتيجية الشاملة للقوات المسلحة العراقية ولا تلتزم بالسياسة الوطنية الأمنية وإنما ترتبط طبقاً لتقليدها بالمرشد الإيراني الأعلى خامنئي وترتبط بتوجيهات مدينة قم من جهة وتوجيهات ودعم ومساندة فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني من جهة أخرى”.
ويضيف فيصل أن “هذه التنظيمات تطلق على نفسها تسمية المقاومة الإسلامية وتحدد مهمتها واستراتيجيتها الأساسية طبقاً لتصريحات قادتها بالالتزام بأجندة المقاومة الإسلامية العالمية في المواجهة مع ما تسميه الشيطان الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية سواء على الأراضي العراقية أو في الخليج العربي والشرق الأوسط وفي أي مكان”.
ويكمل أن “هذه التنظيمات هي التي قد يكون قصدها الفياض للفصل بين مهمات الحشد التي هي ذات طابع وطني عراقي كما يفترض ووفقاً للقانون، وبين مهمات وأهداف الكتائب المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وأجندته الإقليمية والكونية طبقا لدستور إيران”.
ويتابع فيصل “هذا الفصل الوارد في تصريح الفياض بين تنظيمات الحشد الشعبي التي يفترض أن تكون ملتزمة بالقيادة العامة للقوات المسلحة والقائد العام وتوجيهات وقرارات القائد العام طبقًا للقانون الذي شرعت بموجبه طبيعة تنظيمات الحشد وطبيعة واجباتها وارتباطاتها من المعلوم وجود نموذج كما أشار الفياض للتنظيمات الملتزمة بالخط العام وباستراتيجية الحشد بمعنى الدفاع عن الأمن الوطني العراقي كما يفترض بجانب مختلف صنوف القيادة العامة للقوات المسلحة”.
ويواصل أن “هناك أيضاً ما يطلق عليه حشد العتبات المقدسة الموجودة في النجف وكربلاء وتمارس هذه التنظيمات حصرا واجباتها الأمنية للدفاع وحماية زوار العتبات وحماية الأضرحة ولا تمارس أي دور لعمليات عسكرية وغيرها لا داخل ولا خارج العراق في الوقت الراهن، باستثناء مساهمتها فقط في الحرب ضد تنظيم داعش، وبعد التحرير عادت لتمارس دورها الأمني في النجف وكربلاء”.
ويجد المحلل السياسي، أن “هناك فرقا مهما جدا بين دور الكتائب المسلحة الموجودة في العراق والتي تمارس دورا عسكريا ضمن إطار الخطط الإقليمية والكونية للحرس الثوري الإيراني الذي يعتبر من وجهة نظر الولايات المتحدة الأمريكية منظمة إرهابية، وبالتالي هذه المنظمات هي في إشكالية وفي علاقة مواجهة دائمة خصوصًا وهي تمتلك صواريخ وكاتيوشا وطائرات مسيرة وقواعد عسكرية مدعومة ومسنودة من قبل الأجهزة أو الجهات الإيرانية العسكرية التي كانت تقصف باستمرار على سبيل المثال السفارة الأمريكية ومطار بغداد وقاعدة عين الأسد ومطار أربيل وغيرها، كل هذه العمليات العسكرية في الواقع يفترض أن الحشد ليست له علاقة بها على صعيد القيادة والسيطرة والتوجيه بل هي عمليات خاضعة من حيث التنفيذ والقيادة والسيطرة والتوجيه لكتائب مسلحة ترتبط كما أشرت بالحرس الثوري الإيراني”.
ومنذ عامين، صعدت الفصائل المسلحة وقوى الإطار التنسيقي من مطالباتها بإخراج القوات الأمريكية من العراق، وضغطت بكل السبل لتحقيق هذا الأمر، وهذا إلى جانب ظهور فصائل بأسماء وهمية، تبنت كافة عمليات استهداف المصالح الأمريكية في العراق.
جدير بالذكر، أن استهداف المصالح الأمريكية عبر الطائرات المسيرة والصواريخ، كان حاضرا في ذروة الأزمة السياسية التي استمرت لأكثر من عام، حيث جرت استهدافات عدة ومن أبرزها ضد القاعدة العسكرية الأمريكية قرب مطار بغداد الدولي، وذلك في أيار مايو 2021.
وخلال الفترة القليلة الماضية، حدثت اشتباكات محدودة بين الفصائل المسلحة، حول مصالح “خاصة” تتمثل بقطع أراض أو غيرها، في بغداد، ما وضع الحكومة أمام تحد للسيطرة على سلاح الفصائل التي تعد مقربة منها، وهذا إلى جانب حادثة منطقة آلبوعيثة في الدورة جنوبي بغداد، حيث أطلقت إحدى الفصائل المسلحة النار على الشرطة الاتحادية خلال حملة لإزالة التجاوزات، وهذا ما أكدته مصادر عدة، رغم النفي الرسمي للأمر.
ويكشف المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي، حيدر الموسوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك توجها لضبط إيقاع اللغط الحاصل بشأن تكوين مجموعات مسلحة وهنا أتحدث عن الفصائل، وصلتها بالحشد الشعبي، لذلك هنالك إعادة ترتيب لهذه التفاصيل بين أن يكون لدينا حشد رسمي أو أن تكون هناك مكونات تابعة لأحزاب سياسية، علما أن جزءا كبيرا من الفصائل مدمج تحت مسميات ألوية في الحشد الشعبي”.
ويضيف الموسوي أن “هذا التوجه، يمثل في الوقت نفسه، رسالة لأطراف أخرى في داخل الفصائل من قبل الحكومة العراقية التي تريد أن تعطي صورة واضحة بأنها ذاهبة فعلا تجاه تقنين هذا الملف حتى لا يستمر الكلام عن بعض التصرفات الفردية التي تحدث بين الحين والآخر مثل ما حدث في حادثة الدورة”.
وفي ما إذا كانت هذه الخطوة تعني أن ترفع الحكومة يدها عن الفصائل، لا يعتقد الموسوي أن “عملية البراءة من الفصائل موجودة في منهجية الحكومة على اعتبار أن هذه الفصائل لديها مشاركة في حكومة السوداني إذا أردنا أن نتحدث عن منظمة بدر وعصائب أهل الحق ونتحدث أيضا عن كتلة سند التي لديها كتائب سيد الشهداء وكتائب الإمام علي وغيرها، وبالتالي من الصعب أن تذهب الحكومة بهذا الاتجاه، فالأم هو تفاهمات مسبقة بين قادة هذه الحركات السياسية التي لديها أجنحة مسلحة مع رئيس مجلس الوزراء باعتباره القائد العام للقوات المسلحة وأيضاً رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض”.
ويجد الموسوي أن “هذا الموضوع يطمئن الشركاء الآخرين على اعتبار أن هناك اتفاقا سياسيا، حيث أن من ضمن ورقة الاتفاق السياسي أن يكون هناك عدم تصعيد بين هذه الأطراف حتى مع الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها متواجدة على الأرض العراقية بقواتها العسكرية، أنا أعتقد أن هذا الإجراء سليم من حيث الأصل وقد يكون في الوقت نفسه، تكتيكا سياسيا تتبعه هذه الأطراف ضمن التهدئة ودعم الاستقرار”.
يذكر أنه منذ عملية اغتيال واشنطن لكل من قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، في 3 كانون الثاني 2020، صعدت الفصائل المسلحة من خطابها ضد الوجود الأمريكي وبرزت فصائل مسلحة بأسماء وهمية، تبنت أغلب عمليات الاستهداف التي بدأت بالعبوات الناسفة ضد أرتال الدعم اللوجستي لقوات التحالف الدولي والصواريخ ضد السفارة الأمريكية والقواعد الأخرى وخاصة في مطار بغداد، ومن ثم انتقلت إلى الطائرات المسيرة.
وقد أعدت “العالم الجديد”، إحصائيات سابقا، بشأن الفصائل الوهمية التي تتبنى استهداف القوات الأمريكية، وعدد عملياتها عبر سلسلة تقارير، وكانت أبرزها في عام 2020، حيث جرى تشكيل 9 فصائل جديدة، تبنت تنفيذ 76 استهدافا، وللاطلاع على التفاصيل الدقيقة لتلك الفصائل وتواريخ عملياتها، يرجى الضغط على العنوان التالي: 76 استهدافا بالكاتيوشا والعبوات.. “العالم الجديد” تحصي الجماعات المسلحة الجديدة وعملياتها في 2020 (فيديو وانفوغراف)