يبدو أن قرار مجلس النواب العراقي المتعلق بالتصويت على استحداث محافظة جديدة ضمن إقليم كردستان قد قلب الموازين وأشعل موجة واسعة من الجدل السياسي، وسط اتهامات بوجود خلل في النصاب القانوني وآلية التصويت
إذ حذر سياسيون، اليوم الأثنين، من تبعات استحداث حلبجة، ملوحين باللجوء إلى المحكمة الاتحادية العليا للطعن بجلسة التصويت.
وقال النائب أمير المعموري خلال مؤتمر صحفي، تابعته “العالم الجديد “نحن لا نعترض على استحداث محافظة حلبجة إذا ما تم ذلك وفق الطرق القانونية والدستورية، فحلبجة قدمت التضحيات والشهداء، لكن في المقابل، هناك طلبات تم تقديمها لرفض هذا الاستحداث”.
وأضاف: “ما يثير الاستغراب هو أن مجلس النواب قام باستحداث محافظة حلبجة دون النظر إلى محافظات أخرى، ولا نعلم ما هي المعايير التي تم اعتمادها في هذه الخطوة، كما أن منح البرلمان صلاحية لمجلس الوزراء في هذا الشأن يمثل تطوراً خطيراً، وقد يؤدي مستقبلاً إلى تقسيم المحافظة إلى أربع أو خمس محافظات”.
وختم المعموري حديثه بالقول: “ما حصل في جلسة اليوم يدفعنا إلى التوجه للمحكمة الاتحادية باستخدام السبل القانونية، ولدينا أدلة تؤكد عدم اكتمال عدد النواب الحاضرين، ما يجعل الجلسة غير مستوفية للنصاب القانوني”.
فيما قال النائب هادي السلامي، إن “الجلسة التي شهدت التصويت على تحويل قضاء حلبجة إلى محافظة لم تستوفِ النصاب القانوني، كما شابها عدد من المخالفات سواء في آلية التصويت أو في إدراج الفقرة المعنية على جدول الأعمال”.
وأشار إلى أن “هناك توجهاً واضحاً للطعن في هذا القرار أمام المحكمة الاتحادية، بسبب مخالفته للسياقات الدستورية”، مبيناً أن “تمرير هذا القرار بسرعة ومن دون توافق وطني أو دراسة فنية متأنية قد يشجع على مطالب مماثلة في مناطق أخرى، مما يمثل تهديداً مباشراً للبنية الإدارية والجغرافية للدولة”.
وحذّر السلامي من “التبعات المحتملة لهذا القرار على وحدة البلاد، خاصة في ظل الظروف السياسية الدقيقة التي تمر بها البلاد، مما قد يفتح الباب أمام مطالب انفصالية أو تفكيك إداري في مناطق أخرى تتبع النهج ذاته الذي اتبع في حلبجة”.
وأعلنت كتلة “الصادقون” النيابية، في وقت سابق اليوم الاثنين، عزمها التحرك لإقالة رئاسة مجلس النواب بسبب “الإدارة المخالفة لجلسة اليوم”، جاء ذلك بالتزامن مع دعوات برلمانية لاستحداث محافظة جديدة تضم تلعفر وسنجار وسهل نينوى، بهدف “إنقاذ المكونات العراقية من التهميش”.
وصوت مجلس النواب، في وقت سابق من اليوم الاثنين، على استحداث محافظة حلبجة لتكون المحافظة رقم 19 في العراق.
فيما دعت كتلة بدر النيابية،إلى استحداث محافظة جديدة تضم تلعفر وسنجار وسهل نينوى، بهدف “إنقاذ المكونات العراقية من التهميش”، تعقيبا على استحداث حلبجة.
وكانت مصادر نيابية أفادت لـ”العالم الجديد”، في وقت سابق، بأن اعتراضات نيابية قد رافقت جلسة اليوم خلال التصويت على قانون استحداث حلبجة بسبب عدم تحقق النصاب القانوني، حيث لم يتجاوز عدد الحضور 60 نائباً”، فيما اتهم عدد من النواب النائب الأول لرئيس مجلس النواب محسن المندلاوي بـ”التواطؤ” في تمرير القانون، من خلال المضي بعقد الجلسة والتصويت رغم الاعتراضات المتكررة ومغادرة عدد من النواب القاعة احتجاجاً على ما وصفوه بـ”الخرق الواضح للنظام الداخلي للمجلس”.
ووقعت مجزرة حلبجة في 16 آذارمارس 1988، عندما قصف نظام صدام حسين المدينة بالأسلحة الكيميائية، ما أسفر عن مقتل أكثر من خمسة آلاف مدني، معظمهم من النساء والأطفال، وإصابة آلاف آخرين بجروح خطيرة، لا يزال العديد منهم يعانون من تبعاتها الصحية حتى اليوم.
وبدأت عملية تحويل حلبجة إلى محافظة عام 2013، حيث صوت برلمان الإقليم على القرار لتكون محافظة رابعة إلى جانب أربيل والسليمانية ودهوك، ومن ثم دعمت الحكومة الاتحادية السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي هذا المشروع، لكن لم يصدر قرارا بشأنها، حتى قررت الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني في عام 2023، تحويل حلبجة لمحافظة، عبر مشروع قانون قدم للبرلمان العراقي.
وكان النائب عن كتلة الاتحاد الإسلامي الكردستاني مثنى أمين، أكد في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، أن “هنالك تعاطف مع إقرار حلبجة محافظة جديدة في العراق، لكن هناك حالة استغلال سياسي من قبل بعض الكتل والتي تريد إقرار محافظات أخرى والمساومة حول هذا الموضوع”.
وأضاف أن “رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي هو من أعاق ملف تحويل حلبجة إلى محافظة وكان لديه تحفظ حول الموضوع، كونه سيفتح الباب للمطالبة بمحافظات أخرى في تلعفر أو سهل نينوى وسامراء، وهذا يؤثر على المكون السُني وعدد مقاعده في الانتخابات”.
يذكر أنه من الناحية الإدارية تم توزيع مناصب المحافظة بين الأطراف الرئيسة في إقليم كردستان الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني وحركة التغيير والاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية.
وجاءت فكرة جعل حلبجة محافظة تعويضا لها عن التضحيات التي قدمها أهالي المدينة عندما أقدم نظام صدام حسين في آذار مارس عام 1988 بقصف المدينة بالأسلحة الكيمياوية وقتل منهم خمسة آلاف شخص وجرح آلافا آخرين.
وتشمل محافظة حلبجة مركز قضاء حلبجة والنواحي الثلاث (سيروان، خورمال، وبيارة)، وبحسب إحصاء رئاسة البلدية فإن عدد سكان حلبجة ومحيطها يبلغ نحو 200 ألف شخص، فيما يضم مركز قضاء حلبجة 14 ألف أسرة تتألف من 66 ألف شخص.