صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

استراتيجية الوقاية من الانتحار.. خطة حقيقة أم خدعة حكومية؟

في ظل تنامي حالات الانتحار، وتحولها إلى ظاهرة خطيرة باتت تفتك بالمجتمع بكافة شرائحه، أقدم مجلس الوزراء على إقرار الستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتحار، وأمدها 7 سنوات بدءا من العام الحالي، وفيما أوشك هذا العام على النهاية، ما تزال هذه الستراتيجية “مجهولة”، ولم تصل لمؤسسات الدولة التنفيذية أو البرلمان أو المؤسسات المعنية الأخرى.  

في ظل تنامي حالات الانتحار، وتحولها إلى ظاهرة تفتك بالمجتمع، أقدم مجلس الوزراء على إقرار الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتحار (2023- 2030)، إلا أن اللافت في تلك الاستراتيجية، أنها ما تزال “مجهولة” لدى المؤسسات التنفيذية المعنية والبرلمان، فضلا عن الرأي العام العراقي. 

وخلال بحث قامت به “العالم الجديد”، حول بنود تلك الاستراتيجية، ظهر عدم دراية الكوادر المتقدمة في الوزارات المعنية بها، ما دفع نوابا ومنظمات في حقوق الانسان وناشطين، إلى مطالبة الحكومة بالكشف عن التفاصيل وإرسالها للجهات التنفيذية بغية الشروع بها أو الاطلاع عليها، وسط سعي نيابي لاستضافة الجهات الحكومية المسؤولة لمعرفة بنودها، في ظل اتهامات تطال الحكومة بكونها “إعلامية” فقط، ولا تختلف عن استراتيجيات أطلقها مجلس الوزراء سابقا.

وحول بنود تلك الاستراتيجية، يكشف مصدر حكومي مسؤول، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الكوادر المتقدمة في الوزارات المعنية، ومنها الصحة والداخلية والتخطيط، لا علم لديها بتفاصيل تلك الاستراتيجية، وماذا تتضمن”.

ويتابع المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته، أن “الاستراتيجية لم يتم التحدث بها أيضا في مجالس الرأي داخل تلك الوزارات، علما أن هذا النوع من الاستراتيجيات تخضع لمناقشات كثيرة وتأخذ وقتا قبل إقرارها”. 

من جهته، يقول النائب المستقل هادي السلامي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “عدم معرفة الجهات الحكومية ذات العلاقة بتفاصيل الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتحار في العراق، المقرة من قبل مجلس الوزراء أمر مستغرب، فكيف ستنفذ هذه الاستراتيجية ومؤسسات الدولة لا تعرف عنها أي شيء”.

وكان مجلس الوزراء، أقر في جلسته الاخيرة يوم الثلاثاء الماضي، الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتحار (2023– 2030)، المقدمة من المجلس الوزاري للتنمية البشرية.

ويضيف السلامي، أن “مجلس النواب، سيعمل على استضافة الجهات الحكومية المختصة وأمانة مجلس الوزراء، من أجل الاطلاع على تفاصيل الاستراتيجية، خصوصا وأن هناك ارتفاعا كبيرا وخطيرا في حالات الانتحار بمختلف المحافظات، وهذا الأمر أصبح شبه ظاهرة تهدد المجتمع العراقي”.

ويؤكد أن “مجلس النواب، سيكون داعما بالتأكيد، لكل الخطوات الحكومية التي تهدف إلى الحد من ظاهرة الانتحار، وفق صلاحياتها الدستورية، خصوصاً وأن غالبية حالات الانتحار سببها الوضع المادي لبعض العوائل، وهذا الأمر يحتاج جهد حكومي لتوفير فرص عمل للشباب والعاطلين عن العمل، من أجل بث روح الأمل بينهم”.  

يشار إلى أن الحكومة الحالية، سبق وأن أطلقت العديد من الاستراتيجيات، كانت آخرها الاستراتيجية الخاصة بالحد من التلوث، والتي أطلقها في حزيران يونيو الماضي، وقبلها الاستراتيجية الوطنية للمرأة العراقية، في آذار مارس الماضي، واللتان تستمران إلى عام 2030، دون الكشف عن بنود هاتين الاستراتيجيتين أو معرفة آليات تنفيذها. 

يذكر أن وزارة الداخلية، أعلنت العام الماضي، إحصائية بحالات الانتحار، بدءا من عام 2015 إلى 2022 حيث بلغت عدد الحالات في 2015 عدا إقليم كردستان 376 حالة، وفي 2016 بلغت 343 حالة انتحار، وفي 2017 بلغت 449 حالة، وفي 2018 بلغت 519 حالة، وفي 2019 بلغت 588 حالة، وفي 2020 بلغت 644 حالة، وفي 2021 بلغت 863 حالة، وفي 2022 بلغت 1073 حالة.

وتعود الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتحار في العراق، إلى اجتماع للمجلس الوزاري للتنمية، في 6 حزيران يونيو الماضي، ناقش خلاله الظاهرة، دون الإعلان عن أي تفاصيل تذكر.

يشار إلى أن المجلس الوزاري للتنمية البشرية، تأسس في عهد الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، ويتكون من عضوية عدد من الوزارات وبرئاسة وزارة الصحة، وقدم العديد من مشاريع القوانين والستراتيجيات لمجلس الوزراء، وأغلبها تم التصويت عليها.

من جهته، يبين عضو مجلس مفوضية حقوق الانسان السابق، ورئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان فاضل الغراوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ظاهرة الانتحار من الظواهر الخطيرة، وخلال الفترة الأخيرة ارتفعت بشكل كبير وخطير، وخصوصاً تنوع صور الانتحار من خلال الحرق والغرق وعن طريق السموم وكذلك الأسلحة النارية والشنق، ونسب الانتحار بدأت ترتفع منذ عام 2015”.

ويتابع الغراوي، أن “موضوع الانتحار يحتاج إلى معالجات جادة ويحتاج إلى تكامل للأدوار من قبل كافة مؤسسات الدولة والفواعل الاجتماعية، وكذلك أن يكون للمؤسسة الدينية تدخل بهذا الملف لما تمتلكه من تأثير في المجتمع”، مبينا أن “طرح استراتيجية للوقاية من الانتحار أمر مهم، وهذا يؤكد أن الحكومة أدركت أن هذه الظاهرة تحتاج إلى بناء منظومة للتعامل معها”.

ويشدد رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان، على ضرورة “إطلاع كافة مؤسسات الدولة على بنود تلك الاستراتيجية المقرة من قبل مجلس الوزراء، حتى تعرف ما هي الأدوار التي تقوم بها، ويكون هناك تكامل وتنسيق للوصول إلى الأهداف المطلوبة منها”. 

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، يعاني واحد من كل أربعة عراقيين من هشاشة نفسية في بلد يوجد فيه ثلاثة أطباء نفسيين لكل مليون شخص، في مقابل 209 أشخاص في فرنسا مثلا، مشيرة إلى أن إنفاق العراق على الصحة النفسية لا يتجاوز نسبة اثنين في المئة من ميزانيته للصحة، وذلك رغم حقيقة أنه في مقابل كل دولار أميركي يستثمر في تعزيز علاج الاضطرابات الشائعة مثل الاكتئاب والقلق، يتحقق عائد قدره خمسة دولارات أميركية في مجال تحسين الصحة والإنتاجية.

وغالبا ما تعلن القوات الأمنية ومفارز الشرطة المجتمعية عن حالات إنقاذ وثني عن الانتحار في مختلف المحافظات، إلا أن متابعة هذه الحالات تبقى مجهولة.

إلى ذلك، يبين الناشط المدني مصطفى الطائي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “معظم ما يقرره مجلس الوزراء، هو إعلامي ولم نر أي شيء ملموس وحقيقي على أرض الواقع، خصوصاً فيما يتعلق بإطلاق الاستراتيجيات، وآخرها استراتيجية الوقاية من الانتحار”.

ويضيف الطائي، أن “ارتفاع نسبة الانتحار في العراق، تتحملها الحكومة بالدرجة الأساس والطبقة السياسية، فالوضع المعيشي لغالبية الشباب والعوائل، والفساد وفشل إدارة الدولة، باتت أسبابا رئيسة لدفع الكثير إلى الانتحار، كونها عوامل تؤدي لارتفاع نسبة الفقر والبطالة”.

ويشير إلى أن “العراق بحاجة حقيقية إلى استراتيجية للوقاية من الانتحار، شريطة أن تكون حقيقية وتطبق على أرض الواقع، وتتضمن حلولا سريعة، من قبل المؤسسات الحكومية المختلفة”. 

وكانت منظمة Sapien Labs، أعدت تقريرا للصحة العقلية لعام 2022، وهو ثالث تقرير سنوي تصدره المنظمة بهذا الشأن، ونشرت نتائجه في صحيفة “تايمز نيوز” الأمريكية، وفيه حلت دول عربية منها العراق ومصر واليمن وتونس والجزائر والأردن في المراتب الأخيرة.

إقرأ أيضا