صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

اعتصامات السليمانية تواجه «قمع البارتي».. والأخير يتهمها بـ«المسيسة»

تطورات اعتصام المعلمين في السليمانية، سلطت الضوء على “القمع” الذي مارسه الحزب الديمقراطي الكردستاني “بارتي” ضد شعبه، عبر منعه دخول المعتصمين والمتظاهرين لعاصمة الإقليم، لكن الحزب الحاكم في أربيل، برر ذلك بأن التظاهرات “مدفوعة سياسيا” من جهات سياسية داخل الإقليم، فيما رمى باللائمة على بغداد، وطالب بالتظاهر فيها.

في المقابل، فإن ممثلين عن الاحتجاجات في السليمانية، أكدوا أن الاعتصام سيستمر، وأن محاولات أخرى ستجري للدخول إلى أربيل والتظاهر فيها وأمام مقار المنظمات الدولية، وسط دعم صريح من قبل حراك الجيل الجديد للاعتصامات ومهاجمة أربيل.  

ويقول عضو فريق الدفاع عن المحتجين سامان علي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “التظاهر في أربيل هو حق دستوري وقانوني، ولكن سلطات الحزب الديمقراطي تعاملت بقمع ولم تحترم حرية الرأي ولا الديمقراطية”.

ويضيف علي، أن “استخدام القوة المفرطة ضد المحتجين، والقمع والانتشار الأمني، جاء لآن الحزب الديمقراطي لا يريد أن يرى العالم حقيقه حكمه، والظلم والتعسف الذي يمارسه بحق الشعب الكردي، ويريد أن يوهم الناس بأن التظاهرات مختصرة على السليمانية فقط”.

ويشير إلى أن “ما جرى في أربيل من قمع ومنع دخول للمحتجين، واستخدام القوة المفرطة ضد متظاهرين عزل، يؤكد أن حكومة مسرور بارزاني المنتهية ولايتها، لا تؤمن بأي حراك سلمي، ولا تريد سماع أي صوت معارض يطالب بالحقوق، وأن إطلاق تهم التخوين، هي شماعة اعتدنا عليها، والهدف منها واضح ولم تعد تنطلي هذه الأساليب على الشعب الكردي”.

ولليوم 13، تشهد السليمانية تظاهرات واعتصامات أمام مقر الأمم المتحدة فيها، من قبل المعلمين المضربين عن الطعام، للمطالبة بصرف الرواتب وتوطينها في المصارف الاتحادية.

وفيما قرر يوم أمس الأول، المعلمين المضربين عن الطعام، التوقف عن تلقي الرعاية الطبية، في خطوة تصعيدية، توجه ممثلين عنهم يوم أمس، إلى أربيل، وسط تشديدات أمنية وظروف جوية صعبة، لغرض الاعتصام أمام مقر الأمم المتحدة، في خطوة تصعيدية لحل أزمة الرواتب بشكل جذري.

لكن المتظاهرين جوبهوا بحملة من الإجراءات الأمنية المشددة، حيث أغلقت قوات الآسايش الكردية التابعة للحزب الديمقراطي سيطرة ديكله، مدخل مدينة أربيل، لمنع المتظاهرين من دخول المدينة، فيما تم استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، الذين استطاعوا عبور الحواجز الأمنية، لكن الإجراءات المشددة والإنذار الذي دخلته قوات الأمن في أربيل، حال دون دخولهم إلى المدينة، ليعود القسم الأكبر منهم إلى السليمانية.

إلى ذلك، يؤكد عضو حراك الجيل الجديد، ريبوار محمد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ما قامت به السلطات الأمنية في أربيل، هو دليل واضح على أن الأحزاب الحاكمة في الإقليم باتت لا تريد سماع أي صوت معارض، وترى بأن الإقليم هو ملك لها ولعوائلها، ولهذا يخشون من وصول صوت المتظاهرين إلى قلب عاصمة كردستان، ويطلع الرأي العام على حقيقتهم”.

ويلفت إلى أن “الشعب الكردي وصل إلى مرحلة اليأس، نتيجة استمرار الفساد والسرقات والنهب من قبل الأحزاب الحاكمة، والتي استحوذت على كل شيء، وتنتهك حقوق الشعب، وأبسط حقوقه، هو الراتب، حيث في كل عام يتم استقطاع راتب أو راتبين، مع تأخير في التوزيع وغلاء في المعيشة وارتفاع في الضرائب ونقص كبير في الخدمات”.

ويتابع أن “هذه المرة التظاهرات تختلف، فهي قد أصابتهم بالخوف بعد أن أطلع العالم على حقيقة الأحزاب الحاكمة، حيث يصورون هم وإعلامهم، أربيل على أنها جنة، ولكن واقعها مؤلم”، مضيفا أن “سلطات الحزب الديمقراطي منعت دخول المتظاهرين من السليمانية، لأنها كانت تعرف بأنه في حال دخولهم، سينضم لهم الآلاف من أهالي أربيل، وتتوسع الاحتجاجات ضد الحكم العائلي في الإقليم، لهذا تصدت لها بكل قوة”.

يذكر أن محافظ أربيل، أوميد خوشناو، أكد أن الاحتجاجات التي تشهدها مدينة السليمانية يتم استغلالها من قبل بعض الجهات السياسية لتحقيق مكاسب انتخابية، مبينا أن الإضراب يجب أن يكون موجها ضد الحكومة الاتحادية في بغداد، كونها مسؤولة عن تأخير صرف رواتب الموظفين بإقليم كردستان.

وأشار خوشناو في تصريح للصحفيين عل خلفية الأزمة، إلى أن، أربيل ترحبُ بالضيوف ومحبة لهم، ولكنها غير مستعدة لإستقبال مثل هكذا اشخاص، لان الناس هنا منشغلون بمزاولة أعمالهم اليومية في الأسواق والمراكز التجارية، والدوام الرسمي يجري بشكل طبيعي في الأوساط التعليمية، والدوائر والمؤسسات الحكومية.

وكانت وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان قد أصدرت بيانا تؤكد من خلاله أن مطالب الموظفين والمواطنين لطالما كانت ضمن أولوياتها، مشيرةً إلى أن الجهود مستمرة بالتنسيق مع الحكومة الاتحادية لإيجاد حلول مناسبة، مع إحراز تقدم ملموس في هذا الملف، فيما حذرت من استغلال الاحتجاجات لزعزعة الأمن.

وتعليقا على ما جرى، يؤكد عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني صالح عمر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التظاهر حق دستوري وقانوني، ولكن وفقا للسياقات القانونية، إلا أن جهات سياسية كردية تدعم الفوضى وزعزعة الاستقرار في الإقليم لأهداف الدعاية الانتخابية”.

ويستطرد أنه “بعض الأحزاب التي تدعم التظاهرات هي مشاركة في حكومة الإقليم، وتنتقد حكومة كردستان، وهي تعرف بأن مشكلة الرواتب لا علاقة للإقليم بها، ولكن ما جرى من تظاهرات اتجهت لأربيل، هي مدفوعة الثمن من جهات سياسية كردية، وتقف خلفها شخصيات سياسية عراقية، هدفها زعزعة الاستقرار والعداء للحزب الديمقراطي”.

ويشدد على أن “مشكلة الرواتب هي في بغداد، ووزارة المالية الاتحادية هي المسؤولة عن التأخير، وأربيل التزمت بكل الاتفاقات، لكن هنالك جهات سياسية لا ترغب بتوصل الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم إلى اتفاق، وتعمل على وضع العراقيل، ولهذا فإن التظاهر يجب أن يكون في بغداد، وليس في أربيل”. 

وأصبحت الحياة في مدينة السليمانية شبه معطلة، نتيجة اتساع الإضراب العام عن الدوام في الدوائر الحكومية، والمدارس والجامعات ودوائر المرور فضلا عن المؤسسات الأخرى.

ولم يقتصر الإضراب على المدارس، بل أن الجامعات أغلبها أضربت عن الدوام، في حين انضمت المستشفيات، والمراكز الصحية، ومنها مستشفى الولادة للإضراب عن الدوام، بسبب عدم استلامهم الرواتب لثلاثة أشهر.

ويعتبر ملف رواتب موظفي الإقليم أحد أبرز المشكلات العالقة بين أربيل وبغداد، حيث تؤكد الحكومة العراقية ضرورة تسليم أربيل نفطها إلى بغداد وأن يتم التصدير من خلالها، بينما ترفض حكومة كردستان ذلك، ما أدى الى قطع بغداد رواتب جزء كبير من موظفي الإقليم ودفعها إلى آخرين على شكل متقطع وغير منتظم منذ عام 2014، إلى أن توقفت المرتبات نهائيا في أكتوبر تشرين الأول 2017 مع تداعيات استفتاء الانفصال.

عضو آخر في لجنة الاحتجاجات، وهو دانا بكر، يشير خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “الاحتجاجات والاعتصامات ستستمر، ولن نتراجع، حتى تحقيق كافة مطالبنا”.

ويؤكد أنه “أردنا التظاهر في أربيل، وأمام مقر الأمم المتحدة، لإيصال صوتنا إلى القنصليات والمنظمات والرأي العام الدولي، حتى يطلع العالم الخارجي على حقيقة عوائل السلطة في الإقليم”، مضيفا “في حال تمكنوا هذه المرة من استخدام القوة ضدنا، ولم نستطيع الدخول إلى أربيل، فأننا سنعاود مرات ومرات، ولن نتوقف وستستمر التظاهرات في السليمانية وسنصل إلى أربيل، ولدينا تنسيق مع الكوادر التربوية هناك، لإقامة تظاهرات كبرى، وفي نفس الوقت فإن اعتصام السليمانية سيستمر”.

وحول المطالب، يبين “مطالبنا واضحة، وهي توطين الرواتب على المصارف الاتحادية حصرا، فضلا عن إعادة العمل بقانون الترفيعات والعلاوات، وأيضا صرف الرواتب بشكل شهري ومنتظم، كوننا لا نثق بمشروع حسابي التابع للأحزاب الحاكمة في الإقليم”.  

وكانت المحكمة الاتحادية العليا، ألزمت، في شباط فبراير  2024، حكومة بغداد بدفع رواتب موظفي إقليم كردستان مباشرة، دون إرسالها إلى سلطات الإقليم، في ظلّ تأخير في تسليم جزء من الرواتب على مدى أشهر.

ورغم قرار المحكمة الاتحادية إلا أن حكومة الإقليم تصر على توطين الرواتب في مشروع حسابي، الذي يضم مجموعة بنوك داخل إقليم كردستان.

إقرأ أيضا