وفق مادة قانونية “يندر استخدامها” في العراق بعد 2003، اقتادت قوة أمنية المحلل السياسي، إبراهيم الصميدعي، من منزله الى جهة مجهولة، وذلك بعد سحب عناصر حمايته بشكل رسمي قبل الاعتقال بساعات، وفق مصدر مطلع، الأمر الذي دفع أحد المحللين السياسيين الى تسمية المرحلة الحالية بـ”ديمقراطية الخوف”.
ويقول مصدر مطلع، في حديث لـ”العالم الجديد” إن “الصميدعي، كان مخصصا له عنصرا حماية، يتبعان لجهاز أمني، لكن يوم امس الجمعة، صدر أمر بسحبهما دون معرفة الاسباب”.
ويوضح المصدر “في الساعة الـ11 و35 دقيقة من ليلة امس، وصلت قوة امنية لمنزل الصميدعي في منطقة الحارثية، واقتادته امام عائلته، ولم تبلغه سوى بوجود مذكرة قبض بحقه”، مبينا ان “موقع الصميدعي مجهول لغاية الان”.
ويؤكد أن “مذكرة القبض صادرة بتاريخ 16 اذار الحالي، لكنها لم تنفذ لغاية يوم امس، وهو عطلة رسمية وحظر تجوال يستمر لغاية يوم الاحد، ما قد يؤدي الى إبقاء الصميدعي في المعتقل طيلة 3 ايام لحين انتهاء العطلة الرسمية قبل عرضه امام القاضي”.
في الأثناء، اعلن مجلس القضاء الاعلى في بيان صحفي، ان “توقيف ابراهيم الصميدعي جاء على خلفية صدور مذكرة قبض بحقه وفق المادة ٢٢٦ من قانون العقوبات على اثر تهجمه على مؤسسات رسمية ووصفها بصفات وعبارات سيئة (لا يليق ذكرها) تخرج عن حدود حرية التعبير عن الرأي المكفول دستورياً وذلك لقاء مبالغ مالية تدفع له”.
وبين ايضا في بيانه بانه “سوف يعرض على المحكمة المختصة بعد انتهاء العطلة الرسمية للتحقيق معه وتقرير مصيره على ضوء ذلك بأجراءات اصولية وقانونية”.
الى ذلك، نشر رئيس مركز التفكير السياسي احسان الشمري، تغريدة في حسابه بموقع تويتر قال فيها “العراق: من جمهورية الخوف إلى ديمقراطية الخوف”، في اشارة الى حقبة النظام السابق.
العراق :
من جمهورية الخوف
إلى ديمقراطية الخوف …— د.احسان الشمري (@Ihssan_Shmary) March 20, 2021
تفعيل المادة القانونية “المنسية”
مذكرة القاء القبض على الصميدعي، التي سربت صباح اليوم السبت، تضمنت اعتقاله وفق المادة 226 من قانون العقوبات العراقي، الخاصة باهانة السلطات.
وبحسب قانون العقوبات العراقي الصادر عام 1969، فأن هناك 4 مواد مختصة بمعاقبة من يهين السلطات او الرئيس، وهي:
المادة 225: يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او بالحبس من اهان باحدى طرق العلانية رئيس الجمهورية او من يقوم مقامه.
المادة 226: يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او بالحبس او الغرامة من اهان باحدى طرق العلانية مجلس الامة او الحكومة او المحاكم او القوات المسلحة او غير ذلك من الهيئات النظامية او السلطات العامة او المصالح او الدوائر الرسمية او شبه الرسمية.
المادة 227: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين او بغرامة لا تزيد على مائتي دينار كل من اهان باحدى طرق العلانية دولة اجنبية او منظمة دولية لها مقر بالعراق او اهان رئيسها او ممثلها لدى العراق او اهان علمها او شعارها الوطني متى كانا مستعملين على وجه لا يخالف قوانين العراق. ولا تقام الدعوى عن هذه الجريمة الا بناء على اذن تحريري من وزير العدل.
المادة 228: يعاقب بالحبس او بغرامة لا تزيد على مائتي دينار من نشر باحدى طرق العلانية امرا مما جرى في الجلسات السرية لمجلس الامة او نشر بغير امانة وبسوء قصد امرا مما جرى في الجلسات العلنية لهذا المجلس.
فترة “بريمر”
هذه المواد القانونية، التي كانت تستخدم بشكل واسع خلال فترة النظام السابق، سبق وان اصدر الحاكم المدني للعراق بول بريمر في 10 حزيران يونيو 2003، أمرا بايقاف استخدمها، وحسب القرار الاتي:
وفقا لصلاحياتي كمدير إداري لسلطة الائتلاف المؤقتة، وانسجاما مع قرارات مجلس الأمن الدولي بما فيها القرار رقم 1483/2003/ ويناء على قوانين وأعراف الحرب، وتأييدا وتأكيدا على كل ما نصت عليه رسالة الحرية التي وجهها الفريق (الجنرال) فرا نكس إلى الشعب العراقي يوم 16 نيسان 2003، وإدراكا لقيام النظام السابق باستخدام إحكام معينة من قانون العقوبات كأداة للقمع منتهكا بذلك معايير حقوق الإنسان المعترف بها دوليا، وعملا بالنيابة عن الشعب العراقي ومن اجل مصلحته أعلن بموجب ذلك ما يلي:
تعليق العمل ببعض إحكام قانون العقوبات
1- دون المساس بعمليات المرجعة المستمرة للقوانين العراقية تطبق الصيغة الثالثة من القانون الجنائي العراقي لعام 1969 مع التعديلات التي أجريت عليه وهو القانون المسجل في بغداد في اليوم الخامس من جمادى الأول 1389 هـ الموافق في اليوم التاسع عشر من تموز 1969 مع مراعاة ما يلي، يتم بموجب هذا الأمر تعليق.
أولا- المادة 200 من (الكتاب الثاني/ الباب الثاني)
ثانيا- المادة 225 من (الكتاب الثاني/ الباب الثالث/ الفصل الأول)
2- لا يجوز إقامة دعاوى ضد مرتكبي الجرائم التالية إلا بإذن خطي من المدير الإداري للسلطة الائتلافية المؤقتة.
أ- الجرائم التي تنص عليها المواد 81-84 من (الكتاب الأول/ الباب الرابع) وهي الجرائم المرتبطة بالنشر.
ب- الجرائم التي تنص عليها المواد 156-189 من (الكتاب الثاني/ الباب الأول) وهي الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي.
ج- الجرائم التي تنص عليها المواد 190-195 ومن 198- 199 ومن 201-219 من (الكتاب الثاني/ الباب الثاني) وهي الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي.
د- الجرائم التي تنص عليها المواد 223-224 و 226-228 من (الكتاب الثاني/ الباب الثالث/ الفصل الأول) وهي الجرائم الماسة بالهيئات النظامية.
هـ- الجرائم التي تنص عليها المواد 229من (الكتاب الثاني/الباب الثالث/الفصل الثاني) وهي الجرائم الاعتداء على الموظفين وغيرهم من المكلفين بخدمة عامة.
“تعطيل الإلغاء”
لكن، وفي عام 2004، وفي الامر رقم 3 خلال حكومة رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي، تم الغاء قرار بريمر أعلاه، ليعود العمل بهذه المواد من قانون العقوبات العراقي، وقد استخدمت لغاية الان 3 مرات، الاولى عام 2017، ضد نائب رئيس إقليم كردستان كوسرت رسول بتهمة “التحريض وإهانة” الجيش العراقي، والثانية عام 2018، ضد الاعلامي هاشم العقابي، بتهمة “الاساءة للقضاء”، وآخرها يوم امس، ضد الصميدعي.
يشار الى انه في آب أغسطس 2020، أصدر مجلس القضاء الأعلى، اعماما رسميا الى محاكم الإستئناف بإتباع الإجراءات القانونية والتعامل بدقة مع الشكاوى التي تقدم ضد الصحفييـن، والتي تبدأ بإبلاغ نقابة الصحفيين أولا قبل الشروع بالإجراءات الأخرى.
واشار مجلس القضاء في وقتها الى “أحكام المادة (38) الفقرة ثانيا من الدستور التي تنص على حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر، لذا ينبغي التعامل بدقة مع الشكاوي التي تقدم بحق الصحفيين، وملاحظة أن طرق الإجبار على الحضور بموجب قانون أصول المحاكمات الجزائية (23) لسنه 1971 تبدأ أولا بالمادة 87 والمواد التي تليها بإصدار ورقة تكليف بالحضور للمشكو منه، فأن إمتنع عن الحضور بدون سبب مشروع للمحكمة فيتم حينه إصدار مذكرات القبض”.
واكد على “ضرورة عدم الإستعجال في إصدار مذكرات القبض بمجرد تقديم الشكوى، وإنما يفترض إتباع التسلسل القانوني المنصوص عليه في القانون، كما نشيركم بخصوص ذلك الى إعمامنا المرقم (1247/مكتب/2018 /المؤرخ 18/12/2018بوجوب إشعار نقابه الصحفيين بأي إجراء”.